محمد قحطان... القيادي اليمني المخفي قسرياً منذ عامين

08 ابريل 2017
تحدثت تسريبات عن أن قحطان قُتل (جمال نعمان/فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر من بين معدودين ترتبط أسماؤهم بالعمل السياسي والحزبي في اليمن منذ ما يقرب من عقدين، وتحول إلى أبرز سياسي معتقل في سجون جماعة أنصار الله (الحوثيين) والموالين للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح. وبعد عامين على اعتقاله من منزله في صنعاء، لا يزال مخفياً بشكل قسري، في ظل عجز مختلف الجهات الدولية والحقوقية عن الوصول إلى معلومات بشأنه.

إنه محمد محمد قحطان قائد، أحد أبرز قادة حزب التجمع اليمني للإصلاح، عضو الهيئة العليا للحزب. ولم يكن قحطان مجرد قيادي في الحزب، بقدر ما يعتبر رائد الجناح السياسي، وكانت له بصماته التنظيمية العميقة في مسيرة حزبه ودوره المعارض. وقد دخل في معارك مع الجناح المتشدد دينياً داخل الحزب، مثلما كان من أهم قادة المعارضة الذين يثيرون قلق الحاكم، قبل العام 2011. ولد قحطان في العام 1958، في مديرية العدين بمحافظة إب، جنوبي غرب البلاد، ونشأ في محافظة تعز، التي درس فيها حتى الثانوية العامة، والتحق بالجيش، ثم بكلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء. بدأ حياته المهنية مدرساً في تعز بين العامين 1974 و1980. ومع تأسيس حزب الإصلاح في العام 1990، تولى قحطان رئاسة الدائرة التنظيمية للحزب، ثم رئيساً للدائرة السياسية.

وفي سيرته السياسية، يعد تحالف "أحزاب اللقاء المشترك"، أبرز المحطات التي برز فيها محمد قحطان، كأحد أهم قادة المعارضة، إذ يصفه البعض بأنه مهندس التقارب مع الأحزاب اليسارية، التي كان حزب الإصلاح الإسلامي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، خصمها اللدود في الماضي. ولم تخل ملفات الماضي بين الحزب وتلك الأحزاب من حروب مصغرة، إلا أنه وفي تطور مثّل سابقة على مستوى المنطقة، تقاربت الأحزاب اليسارية مع حزب الإصلاح الإسلامي، لتعلن في العام 2003 تأسيس تحالف "اللقاء المشترك". وضم التحالف ستة أحزاب، أبرزها الإصلاح (يعد ثاني أكبر الأحزاب بعد المؤتمر الشعبي الحاكم سابقاً والذي يرأسه صالح)، وتالياً الاشتراكي اليمني، الذي كان الحزب الحاكم في الجنوب، وهو الشريك الجنوبي في توقيع اتفاقية الوحدة في العام 1990، بالإضافة إلى التنظيم الوحدوي الناصري، والذي يتمتع أيضاً بوجود تاريخي في اليمن، وثلاثة أحزاب أخرى، هي: "الحق" و"اتحاد القوى الشعبية" (مقربان سياسياً من الحوثيين)، و"البعث" بجناحه الموالي لسورية.

وكان محمد قحطان ناطقاً رسمياً باسم أحزاب "اللقاء المشترك" خلال فترات متقطعة بين 2003 و2011، واشتهر بصراحته، التي كانت تثير في العادة ردود فعل من الحزب الحاكم، وواجه حرباً من التيار المتشدد داخل حزب الإصلاح، الذي عارض الدخول في تحالف مع أحزاب اليسار. كما خاض قحطان معركة داخلية لـ"تمدين حزبه"، الذي تألف من وجهاء قبائل ورجال أعمال وعلماء دين محسوبين على جماعة "الإخوان". وسبق أن تحالف عسكرياً مع حزب صالح خلال حرب صيف عام 1994، وبقي جزء من الحزب والمحسوبين عليه في السلطة حتى بعد انضمام الحزب إلى المعارضة، بسبب النفوذ السياسي والقبلي الذي كان يمثله رئيس الحزب، الذي ترأس مجلس النواب حتى 2007، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. وظل محمد قحطان من أبرز رجال القرار السياسي داخل حزب الإصلاح في مختلف المراحل السياسية، بما فيها المواسم الانتخابية قبل 2011. كما ظل حاضراً وفاعلاً، مثل حزبه الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، في فعاليات الثورة التي تفجرت ضد نظام صالح في 2011، ثم في الاتفاقات والمحطات السياسية التي أعقبت ذلك، وصولاً إلى الأيام الأخيرة للنقاشات السياسية التي كانت ترعاها الأمم المتحدة، في صنعاء، قبل الانفجار الكبير، بانطلاق التدخل العسكري العربي بقيادة السعودية في 26 مارس/ آذار 2015. ويتمتع قحطان بروح سياسية رياضية، خلقت لها جمهوراً داخل أحزاب المعارضة اليسارية، واحتراماً لا يتوقف عند خصومه. وقد اشتهر بتصريحات مثيرة، كانت بين الحين والآخر، تتصدر عناوين الصحف وردود فعل الخصوم السياسيين.

وفي 24 فبراير/ شباط، أوقف الحوثيون محمد قحطان، في محافظة إب، بينما كان في طريقه إلى عدن. وأعاده الحوثيون إلى صنعاء، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية فيها. وشارك في الحوارات التي كانت تجري برعاية المبعوث الدولي السابق، جمال بن عمر. وفي الخامس من إبريل/ نيسان، اعتقل الحوثيون وحلفاؤهم محمد قحطان من منزله في صنعاء، وكانت الأخبار تتحدث عن اعتقاله مع سياسيين آخرين في أحد منازل المسؤولين التي سيطر عليها الحوثيون بمنطقة حدة. وبعد أشهر من اعتقاله، اختفت أخباره، وفشلت مختلف الجهود في الوصول إلى معلومات مؤكدة حول مصيره، على عكس المعتقلين الآخرين، وأبرزهم وزير الدفاع، محمود الصبيحي، والذي تشير المعلومات إلى أنه بصحة جيدة. في أواخر سبتمبر/ أيلول 2015 تحدثت تسريبات عن أن محمد قحطان قُتل، بعد أن وضعه الحوثيون في موقع معرض للاستهداف من قبل طائرات التحالف، للضغط عليه لإصدار موقف ضد عمليات التحالف العربي. إلا أن غارة جوية استهدفت الموقع، حسب المزاعم، التي واجهت تشكيكاً واسعاً ولم تجد ما يعززها حتى اليوم. وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2016، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً حذرت فيه من تعرض قحطان للتعذيب، وأن حالته الصحية تدهورت بسبب إصابته بمرض السكري. وتؤكد مصادر مقربة من عائلته لـ"العربي الجديد"، أن أسرته لا تملك معلومات حتى اليوم حول مصيره.

ومع بدء الجولة الثانية من المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في سويسرا، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، كان قحطان أحد الأشخاص الذين طالبت الحكومة الشرعية بإطلاق سراحهم، وهم إلى جانب قحطان، وزير الدفاع، محمود الصبيحي، والمسؤول الأمني، ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس عبدربه منصور هادي)، وآخرون. وكشف المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في تصريح، عن وصوله إلى معلومات حول الصبيحي وهادي، لكنه لم يتحدث عن مصير قحطان. وفي الذكرى الثانية لاعتقاله، أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة للمطالبة بالإفراج عن قحطان، أو كشف مصيره. وكتب السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، على صفحته الشخصية، إن "استمرار إخفاء المليشيات للصبيحي ومحمد قحطان وناصر هادي، وإمعانهم في العنف لإرهاب وتخويف من يعارضهم، يؤكد رفضهم للحوار السياسي".
من جانبه، يقول الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني، وسفير اليمن حالياً لدى بريطانيا، ياسين سعيد نعمان، إن "قحطان سياسي من الطراز الرفيع، إذا اتفقت معه شعرت بالاطمئنان، وإذا اختلفت معه شعرت أيضاً بالاطمئنان. لقد استطاع أن يؤسس خطاً في الحياة السياسية اليمنية المحتدمة بالتنوع والصراعات وعدم الثقة والتوافقات والتباينات". ويشرح نعمان، في مقالة كتبها لمناسبة عامين على اعتقاله، أن هذا الخط الذي أسسه قحطان يقوم "على بناء الجسور مع المختلف، بغض النظر عما إذا نجح ذلك في تجسير العلاقة أم لم ينجح، المهم أن يبقي ممراً، ولو ضيقاً، للعبور إلى الطرف الآخر، وهو يجعل القطيعة في الحياة السياسية مسألة غير مقبولة. حتى أن السياسة مع هذه الجسور اكتسبت مضموناً مختلفاً، وشهدت ولادة أدوات إدارة وقيادة مرنة تتجدد باستمرار لتلبي الحاجات السياسية المتجددة". ويتابع أن خصومه كانوا "أكثر من يدرك هذا الدور الهام الذي يؤديه في الحياة السياسية، فقد كان يقترب من خصومه إلى حد التماهي، وذلك بإيمان أن هناك قواسم مشتركة لا بد من اكتشافها واختبارها في إخصاب التنوع السياسي والثقافي".

المساهمون