بعد 2011، تنشّطت بشكل واضح الكتابة التاريخية في تونس، حيث أن السجالات الاجتماعية والفكرية والسياسية التي فتحتها الثورة جعلت من إعادة قراءة الماضي فضاء اشتغال حيويّ. ولعلّ من أبرز ملامح هذ التطوّر في الكتابة التاريخية انفتاحها على غير المتخصّصين الأكاديميين ليساهموا في قراءة التاريخ التونسي من زوايا متنوعة.
من بين أبرز الأسماء التي مارست الكتابة ضمن التاريخ التونسي خلال السنوات الأخيرة، محمد علي الحباشي الذي رحل عن عالمنا أمس، بحسب ما أعلنته صفحة ناشره "دار سوتيميديا" وهي الدار التي أصدر عنها أربعة أعمال هي: "عروش تونس"، و"الأمراء والأميرات الحسينيون: تاريخ آخر" (بالفرنسية)، و"التونسيون: الأصول والألقاب"، و"السواحلية زمن البايات والدولة البورقيبية"، وجميعها صدرت في مرحلة زمنية قصيرة بين 2016 و2018، فيما سبق للمؤرّخ التونسي أن أصدر كتاباً في 2005 بعنوان "العروش من النشأة إلى التفكيك"، كما يَصدر له قريباً كتاب بعنوان "حركات المعارضة والمحاكمات السياسية" في ثلاثة أجزاء عن "دار نحن".
جاء الحباشي إلى الكتابة التاريخية من الصحافة؛ حيث عمل في الإذاعة والتلفزيون التونسيتين وتقلّد فيهما مناصب إدارية متعددة. ولعلّ الممارسة الصحافية أتاحت له أن يفهم متطلّبات المجتمع التونسي من المادة التاريخية، حيث تصدّى لمواضيع لها تجلّياتها الاجتماعية مثل الألقاب والعروش والنزعات الجهوية، ولكنها تخفي أبعاداً سياسية وثقافية عميقة، وهي مواضيع قلما تجري دراستها على المستوى الأكاديمي.
يظلّ أهم ملمح في مؤلفات الحباشي محاولته الجريئة في تطوير قراءة مختلفة للواقع التونسي، ويمكن وضع أعماله ضمن فئة "التاريخ الثقافي"، وهو مجال قليل التنشّط في تونس؛ حيث تغلب الكتابات المستندة إلى النصوص والوثائق والآثار على حساب الانشغال بمحاولة فهم الأسباب العميقة لبناء الأحداث التاريخية.
بشكل عام، تبدو مدوّنة الحباشي وقد تجاوزت التأريخ لتونس إلى التأريخ للتونسيّين، حيث يحضر المواطن بأبعاده الثقافية والاجتماعية كفاعل رئيسي وكمحور أساسي قي مؤلفاته، وهو ما يغضي عن معظم المدونة التاريخية في تونس، والتي يغلب عليها البحث في تاريخ المؤسسات والتيارات والشخصيات السياسية.