يعود الروائي المصري محمد عبد النبي، في عمله السردي الصادر حديثاً بعنوان "في غرفة العنكبوت" (دار العين)، إلى أحداث في قضية شهيرة وقعت عام 2010، وعُرفت باسم "كوين بوت"، ومن خلالها يبني روايته على تخيّل حكاية أحد "المتهمين" في هذه القضية، مقارباً موضوع المثلية الجنسية في مصر.
يقول في حديثه إلى "العربي الجديد"، إنه "لا سبيل للاعتماد على التخييل المحض في كتابة الرواية، مثلما لا يمكن نقل الواقع كما هو تماماً". يذكر عبد النبي أنه شاهد وقرأ كل المواد المتاحة عن القضية، ثم قرّر أن يبتعد عنها ويُحكم التركيزعلى شخصياته، ولم يرجع إلى تفاصيلها إلّا في المواضع التي تستدعي ذلك، مثل مشهد جلسة النطق بالحكم أو أحوال المتهمين في السجن، للحفاظ على درجة من المصداقية والإيهام.
يتعامل عبد النبي مع الشخصية والحبكة (أو الحكاية) كخيطين في جديلة واحدة، ويعمل على تطويرهما معاً، هكذا يصف خطوات الكتابة، مبيّناً أنه كان يملك شخصية، وكان عليه أن يغذي تاريخها الشخصي بالتدريج حتى يكتشف حكايتها، والتي ظلّ يعمل عليها منذ 2012، حين بدأت الفكرة تتحوّل في داخله إلى مراحل وتأخذ أشكالاً، حتى أنه كتبها كقصة قصيرة من ثماني صفحات.
لكن الأمر الأكثر تعقيداً في حالة هاني محفوظ، الشخصية الأساسية في العمل، أن الكاتب وجد نفسه أمام مهمة استنقاذ الشخصية من أي تنميط شائع للمثلي وصوره الجاهزة، وكان عليه أن يلمس تفاصيلها الصغيرة، يتقبّل أحلامه وعيوبه وهواجسه وكوابيسه، "باختصار لو رأيتُ الآن هاني محفوظ في أي مكان عام واستمعت إليه يتكلّم لدقائق معدودة سأتعرف عليه فوراً، قبل أن يقدّم لي نفسه".
لا شك أن حياة رجل مثليّ، موضوع "في غرفة العنكبوت"، هي من "التابوهات" والتي قلّما تطرّقت إليها الروايات العربية، ومع ما تشهده مصر الآن من مصادرات لحرية التعبير، يبدو عبد النبي وكأنه يجازف هنا، عن ذلك يقول: "مسلسل تقييد حرية الفكر والإبداع في مصر والعالم العربي لا يكاد ينتهي إلا ليبدأ، ومع كل حلقة جديدة منه تصيبنا نفس الدهشة والإحباط والمرارة"، مضيفاً "من كان يتوقّع أن تصل العقوبات إلى السجن بتهمة مثل خدش الحياء العام، خصوصاً بعد الربيع العربي".
لكن صاحب "رجوع الشيخ" أنقذ نفسه من رقابته الذاتية بأن كتب كما لو كان يكتب لنفسه ولأصدقائه المقرّبين، لكن هذا لا ينفي أنه كان يخشى استقبال القارئ العادي للعمل، لذلك حاول في مراحل التحرير النهائية ألا يشكّل العمل صدمة فجّة، مع عدم تقديم أية تنازلات جمالية ولا موضوعية.
يوضّح "همي الأول كان تقديم حكاية جميلة وممتعة، وليس مناطحة القيم والسلطة الأبوية والتقاليد البالية. وألّا أجعل من اللغة والأسلوب والتقنية حواجز تحول دون القارئ والاندماج في العالم والموضوع"، معتبراً أن "رسالة الفن هي الجمال، أما القيم والأخلاق والمبادئ فلها مسالكها الأخرى وتجّارها وزبائنها المعروفون".
إلى جانب انشغاله السردي، ينهمك عبد النبي بالترجمة، هو الذي حصل مؤخراً على "جائزة الدولة التشجيعية" عن ترجمته لرواية اختفاء للكاتب الليبي بالإنجليزية هشام مطر. يرى بأنه في الترجمة يشعر بأنّه بلا "أسلوب"، مكملاً "قد تكون هذه سبّة أو نقيصة في نظر البعض، لكني أراها نعمة تكفل لي حرية غير عادية ككاتب قبل أن أكون مترجماً. أشعر أحياناً أن الأسلوب قد يكون سجناً، حتى ولو كان قفصاً من ذهب".
عن عمله في نقل الكتب التي يحبها إلى العربية، يتمنى عبد النبي ألا يطغى المترجم فيه على الكاتب، بل أن يحدث العكس، فيحتل الكاتب تدريجياً البيت كله، بحيث ينحبس المترجم في غرفة واحدة صغيرة، لا تكاد تتسع إلّا لعملٍ واحد في السنة، عمل جميل يستمتع به ويستمتع به الناس، بعيداً عن مطالب دور النشر والعناوين الجاهزة في جهات الترجمة الحكومية. عندئذٍ لن يكون الكاتب والمترجم في شقاق، بل سيكونان "سمناً على عسل".