محمد الحارثي: المشروعات الصغيرة والمتوسطة "كلمة سر" التنمية

05 نوفمبر 2014
الحارثي: تحديات تواجه سوق العمل العمانية (العربي الجديد)
+ الخط -
أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية ‏الاقتصادية في سلطنة عُمان، الشيخ محمد بن عبد الله الحارثي، في مقابلة مع "العربي الجديد" أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي ‏‏"كلمة السر" في تطوير وتنمية الاقتصاد العماني على أن ‏يؤخذ في الاعتبار عدد من التحديات التي تواجه هذه المشروعات.

وهذا نص المقابلة: 

- تركز السياسات الاقتصادية في عمان على دعم وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كيف تنظر لمستقبل هذا القطاع؟
إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي كلمة سر نمو الاقتصادات، ومنها الاقتصاد العماني. ولتحقيق نجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يجب أن نحارب على جبهتين: جبهة احتكار الأعمال من طرف الشركات الكبرى. وجبهة هيمنة العمالة الوافدة. فالأخيرة تعمل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتمارس التجارة المستترة. فالأساس في سياسات سوق الشغل، هو فهم تركيبة سوق العمل، واتخاذ الإجراءات لتوسيع قاعدة الإدماج. وذلك مع توفير البيئة السليمة للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي يديرها ويعمل بها العمانيون.
وهذا يتطلب تفعيل قانون لمكافحة الاحتكار، وتحقيق المنافسة العادلة ومكافحة الفساد بمفهومه العام، كاستغلال المناصب للمصلحة الخاصة، وكذا التكتلات الاقتصادية المضرة بالاقتصاد الوطني.

- هل من إجراءات يمكن القيام بها لتطوير هذه المشروعات؟

إن مستقبل هذا القطاع الواهد يتوقف على وجود إستراتيجية لتنمية المشاريع الصغيرة، تؤكد على دورها المحوري في الاقتصاد العماني. وذلك يتم في إطار السياسة العامة للدولة، مع إيجاد آليات لتشغيل الباحثين عن عمل. على أن تتضمن الإستراتيجية حلولاً عملية تساهم في توفير القروض ودعم التمويل، لتوفير الرأس المال والمعدات. وكذلك التوسع في المشاريع القائمة، وتمويل الابتكارات والأفكار الجديدة. وأن يتم ذلك بشروط مبسطة، وبفترات سماح، وتوفير الضمانات للمصارف قصد تشجيعها للإقراض بفائدة منخفضة. أو منحها إعفاءات ضريبية على الأرباح المحققة من أنشطة تمويل تلك المشاريع. ويمكن كذلك خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف التجارية بقدر يتناسب مع حجم تمويلها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

- تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2013 قال إن دول الخليج، باستثناء الإمارات وقطر، أحرزت مجموعاً من النقاط يقل عن 50 نقطة، مما يشير إلى وجود مشكلة فساد... بنظرك ما هو علاج هذه الظاهرة؟

شهدت السلطنة منذ سنة 2011 جهوداً تشريعية لمحاصرة الفساد واجتثاثه، بإصدار قانون الرقابة المالية والإدارية للدولة، الذي مثل قفزة نوعية. وقد أثبتت الدراسات أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها، وتمثل عقبة في طريق التنمية، ومقاومته ركيزة الإدارة الرشيدة والشفافية. والنظام الأساسي للدولة منح منذ سنتين مجلس عمان (البرلمان بغرفتيه) حق التشريع، الذي يتوجب عليه سد الفجوات القانونية المشجعة للفساد. وجدير بالذكر أن عمان آخر دولة خليجية انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

- طالبتم أكثر من مرة بإعادة النظر في الخطة المستقبلية لـ"عُمان 2020"، هل الإشكالية تكمن في الخطط أم في متابعتها؟

دراسة الوثائق الخاصة بـ"الرؤية المستقبلية عمان 2020" تشير إلى وجود خلط بين مفهوم الرؤية المستقبلية والأهداف الإستراتيجية وبين السياسات والبرامج. كما أنها لم تتضمن تسلسلاً منهجياً بين هذه العناصر. والاجتهادات الحالية لن يكون بوسعها إصلاح هيكلة الاقتصاد العماني. أما السبب فهو ضعف منهجية إعداد الرؤية المستقبلية للاقتصاد، والتي لن تتمكن من مواجهة تحديات المرحلة المقبلة. وأبرز تلك التحديات توفير أكثر من 450 ألف فرصة عمل خلال سنة 2020. أمامنا مشاكل عويصة، تتطلب البدء في صياغة رؤية مستقبلية، بداية من الخطة الخمسية المقبلة. ويكون محورها "عمان التي نريد"، لنكتشف أين تكمن قدراتنا التنافسية، ونعيد النظر في فكرنا التنموي، وكيفية إدارة اقتصادنا الوطني. وهذا يتطلب تبني نموذج جديد ينبثق من نتائج نقاش بين شرائح المجتمع.

- كيف يمكن الحد من خلل هجرة المواطنين من القطاع الخاص إلى العمل بالقطاع الحكومي؟

لسد الفجوة بين العمل في القطاعين الخاص والعام يجب اتخاذ تدابير من شأنها تقليل الفجوة في الرواتب والمزايا التقاعدية والإجازات. وأيضاً التركيز على خلق مناخ مشجع للاستثمار وتنويع الاقتصاد للحماية من التقلبات في الدخل القومي الناتجة عن الاعتماد على النفط، وتحسين القدرة التنافسية التي ترتبط بزيادة المهارات. وإلى أن تتحقق الحلول الكلية يجب تبني الحلول الجزئية المتمثلة في مختلف البرامج المرتبطة بالسياسات النشطة لسوق العمل كبرامج تدريب الشباب وسياسات التعليم ودعم التوظيف الذاتي والمشروعات الصغيرة والخدمات العامة للتوظيف.

- خلق الوظائف هو تحد للحكومات.. كيف تقيّم هذه السياسات في عمان؟

لقد ركزت سياسات خلق الوظائف في السلطنة على تحسين برامج التدريب المهني والتعليم لمواءمة الطلب ‏(أي مواءمة احتياجات السوق من العمالة بمستويات محددة من ‏التخصص والمهارة). وتم اتخاذ إجراءات لحل المشكلة، إلا أنها في الأغلب تقدم حلولاً جزئية تتلخص في خلق الوظائف. ويغلب عليها الطابع الآني وتفتقر إلى سياسة عامة مستقبلية ومستمرة وفى إطار منظومة التنمية المستدامة. ولم يتم إيلاء الاهتمام الكافي للمشكلة الكبرى المتمثلة في فشل هيكلة الاقتصاد في توليد عدد كاف من فرص العمل للمواطنين. فالأدوات المستخدمة حالياً لتوليد الوظائف، ستكون ذات آثار محدودة على المدى القصير، وذلك لاعتمادها على الفعل السياسي الآنية، مع أن استخدام الأدوات الاقتصادية ستكون آثاره أعمق لامتصاص التدفق الطبيعي للقوى العاملة بشكل سلس ومرن دون تدخلات تعرقل التطور الطبيعي للاقتصاد.

- ما هي التحديات التي تواجه سوق العمل العماني وسبل تلافيها؟

لدينا عدة تحديات، منها تركّز الاستثمارات فى المشروعات كثيفة رأس المال، وضعف الأداء العام للقطاعات غير النفطية. ما ساهم في فشل الجهود المبذولة لرفع نسبة إدماج المواطنين في سوق العمل. بالإضافة إلى أن العدد الأكبر من الباحثين عن عمل هم في المرحلة ‏العمرية 18-29 سنة، حيث تمثل هذه الفئة حوالي 71% من ‏إجمالي الباحثين عن عمل. أما بالنسبة للمستوى التعليمي، فتشير ‏الإحصاءات إلى أن 88% من العمانيين لم يتعد تعليمهم الثانوية ‏العامة وحوالي 6.2 % حاصلون على شهادة البكالوريوس، بينما ‏يقل عدد الحاصلين على الماجستير والدكتوراه عن 1%.‏
ولا يمكن هنا أن نغفل أن الزيادة في العمالة الوافدة لم تسهم في ‏زيادة الإنتاجية في أغلب قطاعات الاقتصاد العماني.‏
إن التحدي الأشمل أمام السياسات التي تمكن من توفير فرص ‏العمل يتمثل في ضمان تحقيق النمو القوي والقابل للاستمرار ‏على المدى الطويل. وذلك من خلال تعزيز الموارد العامة للدولة ‏ومعالجة أسباب ارتفاع البطالة والحفاظ على الاستقرار ‏الاقتصادي الكلي ودعم تطوير القطاع المالي.‏
وتحقيق ذلك يتطلب استيعاب ديموغرافية سوق العمل العماني ‏ووضع حزمة متكاملة من السياسات لمعالجة إشكالياته تشمل ‏أسلوب التخطيط الاقتصادي وأداء القطاع الحكومي وأداء القطاع ‏الخاص. مع إعادة صياغة سياسات التعليم والتدريب وحماية ‏المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإيجاد البيئة التي يمكن أن تساهم ‏في نجاح مشاريعها. ‏
المساهمون