محطات ثائر سوري.. عائد

13 نوفمبر 2014
لم يكن الجميع يؤمن بأن التظاهرات السلمية ستغيّر النظام(أ.ف.ب)
+ الخط -

عندما بدأت بشائر الثورة السورية والحراك الشعبي، بدأ الشباب في دير الزور وريفها بالخروج بعد صلاة الجمعة بشكل عفوي وغير منظّم. بدأت بعض بلدات الريف بالخروج أولاً، وبشكل لم يفسّر بالنسبة للجميع. البعض كان متفائلاً، يرى أن بشار الأسد سيتنحى خلال ثلاثة أشهر، وتبدأ سورية صفحة جديدة في تاريخها، والبعض كان يضحك ويقول إن نهراً من الدماء سيجري في المنطقة، وسيكون أغزر من نهر الفرات، كما كان صديقي أبو الفوز دائماً يقول.

التظاهرة الأولى التي خرجتُ أراقبها من رأس الشارع وهي قادمة من حي الموظفين باتجاه شارع نادي الضباط، كان عدد المشاركين فيها من الرجال من مختلف الأعمار لا يتجاوز الثلاثين يرددون الهتاف الذي خرج من درعا وحمص (الله.. سورية.. حرية وبس..). تمنيتُ أن أمشي معهم، ولكن شيئاً ما شلّني، ولم أشارك في أي تظاهرة سلمية.

وبعد عدة أشهر، وبعد اجتياح المدينة من قبل قوات النظام والتشرّد والهروب، انخرط جميع مَن أعرفهم بشكل أو بآخر بالنشاط الثوري والمسلح. بالنسبة لي ولكثير من الشباب حولي، الانخراط في الثورة المسلحة هو الطريق الوحيد للتخلّص من كل أشكال الظلم والخوف والقهر والرعب من "المخابرات". لم يكن الجميع يؤمن بأن التظاهرات السلمية من الممكن أن تغيّر شكل النظام القائم وأساليبه بالنسبة لي السلمية كانت حالمة وغير واقعية، لذلك لم أشارك بها والجد هو حمل السلاح والقتال. انضممت لكتيبة أسود الفرات في ريف دير الزور حيث كانت تربطني صداقة طفولة مع معظم أفرادها وبالأخص قائدها.

وخلال مرابطتي في منطقة الحويقة في قلب مدينة دير الزور، استشهد ثلاثة شبان صغار في السن من كتيبتي، ولكن سوء التنظيم والتنسيق وميزان قوة السلاح كمّاً ونوعاً وبشكل كبير لصالح قوات النظام مع اختراقه للكثير من الكتائب وقياداتها، أدى الى استشهاد الكثير من الشباب حولي..

في هذا الوقت، أصبحتُ من المطلوبين على قوائم النظام للتصفية، كغيري من مقاتلي الجيش الحر والناشطين، وبدأت الأحوال تسوء أكثر فأكثر بالنسبة لمعظمنا من كل النواحي، وبالأخص المادية، ومَن كانت لديه عائلة وأولاد فالغياب المستمر عن البيت والخوف من الخطف ليس من قبل النظام فقط، بل من قبل جهات أخرى نعرفها وأخرى لا نعرفها، خلط الأمور ببعضها.

وهنا بدأت قوات القاعدة بالظهور، ممثلة ببعض الفصائل، ولاحقاً جبهة النصرة، كان الموقف الأولي مني ومن رفاقي في كتائب الجيش الحر هو الرفض، وعبّرنا عن ذلك بوضوح عند دخولهم إلى مدينة الميادين أول مرة، حيث خرجت الكتائب بمشاركة من الناشطين المدنيين بالتظاهرات ضدهم، وقد دخلوا المدينة مستعرضين قوتهم واسلحتهم وآلياتهم. كان هذا الاستعراض مستفزاً لنا من عدة نواحي، أولها نوعية الأسلحة وكثرتها وما سمعناه عن الرواتب والمغريات المادية التي تتوفر لديهم، ما حدا بالكثير من أبناء البلد والريف إلى الالتحاق بهم. استخدموا المبنى الكبير لحزب البعث كمقر لهم، وكان يبعد عن مقر كتيبتا نحو خمسين متراً.

مع صعوبة وقلة الإمكانات المادية، وازدياد أعداد القادمين من القاعدة من جنسيات ولغات مختلفة والمشاحنات والاحتكاك مع مقاتلي الجيش الحر، بدأوا بمضايقة الكتائب التي لم تكن ذات توجه إسلامي، أو دانت لهم بالولاء وأخذوا بملاحقتنا وتصفية البعض منّا، وكنت على قائمة المطلوبين للتصفية، ولكن هذه المرة على أيدي مجاهدي القاعدة.

وهنا قررت الخروج من المدينة، وكان حالي كالجميع، خرجت مع عائلتي إلى تركيا.

خضت تجربة لجوء مريرة، ولكن نار سورية أرحم من جنة السويد، التي وصلتها بعد رحلة تزوير وثائق وتنقّل بين تركيا وأفريقيا وجنوب أوروبا ثم إليها. أنا عائد إلى سورية قريباً. هذا فقط ما أعرفه عن غدي.

المساهمون