لم يعد يشغل الرأي العام في إنكلترا الصفقات التي تمت خلال الميركاتو الشتوي، ولا الصفقات التي ضاعت أو تعثرت في الدقائق الأخيرة، بقدر ما بات اسم رياض محرز وردة فعله تجاه ناديه، بمقاطعته للفريق منذ أكثر من أسبوع، إذ بات الجميع يسأل أين محرز؟
وعلى ضوء عبارة مسلسل محرز التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية، تحضرني جملة فريدة مرت على مسامعي في أحد الأفلام العربية، يقال فيها "لا نُجرح بعمق، إلا عندما نحبّ بعمق"، وهو ما ينطبق على ما يعيشه رياض.
محرز الذي يحمل في جيناته مزيجا بين العرب والأمازيغ، وينحدر من عائلة جمعت الجزائريين والمغاربة، نهل من كل هذا ميزات، قلما تجتمع في شخص واحد، لذلك ركب شخصية رياض الفريدة، والتي قادته من العدم إلى النجاح، في قصة تشبه إلى حد بعيد الروايات، وأفلام الكرتون التي لطالما عشقناها في صبانا.
ظروف محرز، جعلته إنساناً يحمل في قلبه الوفاء إلى كل من يمنحه أي ذرة اهتمام، ولا يتوانى عن رد الجميل أضعافا مضاعفة، ففريق ليستر انتشله من ظل القسم الثاني الفرنسي، مانحاً إياه فرصة اللعب في أكبر الدوريات الكروية في العالم، وربما كان أحسنها على الإطلاق، هذا الجميل لم ينكره رياض لأخلاقه العالية، ومروءته العربية، فردّ الجميل للفريق، بداية بقيادته إلى تحقيق البطولة، ولعب رابطة الأبطال، ليقدم للفريق خدمة العمر بتجديد عقده، بدون أي شروط على النادي، ولا أي مساومات، وهي الخطوة التي كان على وكيل أعماله، التدخل من أجل حماية حق موكله، ويكون صوت العقل بعيدا عن عاطفة رياض وقتها.
رجولة محرز، أو كما يطلق عليها باللهجة الجزائرية "الرجلة" التي تميز بها ونخوته التي جعلته يستميت في الدفاع عن قميص ليستر، كان لا بد أن يأتي يوم وتثور على نكران الجميل، فالعواطف تتلاشى مع مرور الأيام، والصدمة يمكنها أن تغير أي إنسان مهما بلغت شخصيته من قوة، لذلك تغير الطفل الودود العاشق لناديه والمتنازل عن كل شيء، إلى عاشق مجروح ينزف دم الغدر والخيانة، بعد أن طُعن من أقرب الناس إليه، ومن أفنى عمرهم في خدمتهم وسعى جاهدا من أجل سعادتهم.
تمرّد محرز صدم كل من ظن أنه سيرضى بالواقع، واختار طريقا غير الذي رسمه الجميع في مخيلتهم، وقرر أن يظهر الكثير من التمرد الذي عرف عن الأمازيغ على مر العصور، وثار على إدارة ناديه، التي حاولت استغلال طيبته، وحرمته من تحقيق خطوة، كانت لتشكل فارقا كبيرا في مشواره الكروي، بداية بتحقيق ثاني دوري، إضافة إلى المشاركة في رابطة الأبطال، واللعب تحت قيادة مدرب بقيمة بيب غوارديولا، ومزاملة نجوم عالميين مثل ديبروين، ساني ورحيم ستريلينغ.
عمق الجرح الغائر في قلب محرز من الصعب أن يتركه يعود إلى حمل قميص فريقه، وحتى إن كان ذلك بحكم الاحترافية والعقد الذي يربطه بالفريق، فلن يكون بنفس العطاء ولا الحب، فمن المستحيل أن يعود أي شيء إلى سابق عهده إذا انكسر، فما بالك بقلب إنسان أدمته الحياة منذ نعومة الأظفار.