محاولة إيقاف العجلة

04 يوليو 2016
+ الخط -
العالم كله يتغيّر ويتطوّر، وهذا طبيعي، وكذلك أن يصل الجديد أو التطور إلينا بعد تأخر عشرات، وربما مئات، السنين. ومن المعتاد أن هناك مقاومة لكل جديد، أو كل ما هو غير معتاد، حتى لو كان المعتاد سبب الخطأ والتخلف، تارة باسم حماية الدولة وتارة باسم القانون. وقديماً، كان هناك تشكك ومقاومة لكل قيم الحداثة ونظرية الحق الطبيعي، وما ترتب عليها، منذ وردت إلينا منذ أكثر من قرنين. ولذلك، قاومت مجتمعاتنا فكرة القانون الوضعي، أو النظام القضائي القائم على القانون الوضعي. وهناك من لا يزال يقاوم مثل أنصار الإسلام السياسي، وهناك من يلتف حول القانون والدستور، مثل الأنظمة السلطوية والاستبدادية، التي تعطل الدساتير وتتلاعب بالقوانين.
وكذلك قاومت مجتمعاتنا، في البداية، فكرة الدولة القوية ودولة المؤسسات، إلى أن تم تطبيقها على أسسٍ مشوّهة، فأنتجت نتائج مشوّهة، فمجتمعاتنا أصبحت تعتمد على الإنتاج الصناعي والفكري للآخر الذي نكرهه، أو ندّعي كراهيته وعداءه. مجتمعاتنا لا تنتج أية أفكار أو صناعات أو تطبيقات، وبعد مقاومة عنيفة بدون إنتاج بديل، تم تطبيق نماذج مشوَّهة من الأفكار الأصلية، أو تفصيل حسب المقاس.
وهناك مثال حول بعض الأشكال التنظيمية التي ظهرت حول العالم، منذ عشرات السنوات، وتطورت أدوارها بشكل كبير، وأصبح لها دور كبير كشريكٍ للحكومات والمنظمات الدولية في التنمية والتطور، بل أحياناً تجد أنها تفوقت أو سبقت الأشكال التنظيمية التقليدية أو الرسمية. إنها الأشكال التنظيمية الجديدة التي تعتبرها حكوماتنا غير شرعية أو غير رسمية، أو تنظر لها بعين الريبة، أو تحاول احتواءها وظيفياً، مثل أشكال المجتمع المدني غير الرسمي في مجتمعاتنا، كالحركات والروابط والشبكات والمبادرات والحملات.
وهناك مثال برز بشدة في إيطاليا، منذ أكثر من خمس سنوات، وهو النجاح الكبير الذي تحرزه حركة "5 نجوم"، وهي حركة سياسية إيطالية، أسسها ممثل كوميدي معروف في إيطاليا، واستطاعت تحقيق النجاح في الانتخابات البرلمانية، وأصبحت تهدّد الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية على حد سواء . وعلى الرغم من أن بدايات هذه الحركة لم تكن لأهدافٍ سياسيةٍ تقليديةٍ، بل أسسها الممثل الكوميدي الإيطالي، جوزيب جريللو، ومئات النشطاء والشباب غير الممارس للسياسة بشكل مباشر وغير المنتمي للأحزاب التقليدية، وكان العامل المشترك لتأسيس الحركة رفض الحلول التقليدية التي تقدمها الحكومات الحزبية، ورفض فساد النخبة السياسية التقليدية في إيطاليا، بالإضافة إلى اعتماد الحركة على الإنترنت ووسائل الاتصال واعتمادها برامج وأفكاراً لمكافحة الفساد ودعم الديمقراطية التشاركية، ورفض النظام السياسي التقليدي في إيطاليا، وكذلك زيادة المظلة التأمينية، إلى جانب قضايا البيئة والصحة.

وقد حققت "5 نجوم" نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية قبل سنوات، وكادت تشكل أزمة في أثناء تشكيل الحكومة، لكن التهديد الأكبر للأحزاب الإيطالية التقليدية كان في الانتخابات البلدية أو المحليات، حيث حصلت الحركة على 36% من الأصوات، متقدمةً على حزب يسار الوسط الذي يتزعمه ماثيو رينزي رئيس الحكومة الحالي الذي حصل حزبه على 24% فقط من الأصوات في انتخابات روما.
وهناك مثال آخر برز هذه الأيام في فرنسا، وهو حركة "الواقفون ليلاً"، والتي برزت في تنظيم التظاهرات اليومية الرافضة قانون العمل الجديد، الذي تريد الحكومة تمريره بأي ثمن، وتعتمد على الشباب، ولها دور كبير في الاتصال والتنسيق مع النقابات العمالية في فرنسا، والتي نظمت إضرابات عمالية كبرى مستمرة، على الرغم من بدء كأس الأمم الأوروبية هذه الأيام، وعلى الرغم من التهديدات الإرهابية. وقد تعدّى نقد هذه الحركة قانون العمل، وأصبحت هناك حالة تذمر عام من الأحزاب التقليدية في فرنسا، والتي أصبح أداؤها متشابهاً، يمينية كانت أو محافظة أو اشتراكية ديمقراطية، بجانب انتقال عدوى الحركات والخروج من التنظيمات التقليدية إلى الحركات الأكثر مرونةً إلى أوروبا كلها، وهو ما سيكرّر سيناريوهاتٍ متشابهة في السنوات المقبلة، حسب توقعاتٍ عديدة. 
والمعروف أن الحركات الاجتماعية والسياسية، وباقي الأشكال غير الرسمية للمجتمع المدني، ظهرت ربما منذ نهايات الستينيات في ثورة الشباب في فرنسا وأوروبا، وكذلك في حركات مناهضة حرب فيتنام، ثم في حركات البيئة والخضر ودعم السلام ووقف انتشار الأسلحة النووية. وكان لها دور كبير في التحول الديمقراطي في أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية في التسعينيات.
أما عندنا، فبالتأكيد هناك نظريات المؤامرة المعروفة، وخرافات ما أطلقوا عليه الجيل الرابع، وهناك دائماً التشكّك في كل ما هو جديد أو خارج أطر الاحتواء، فالحركات والمبادرات والحملات تنشأ في العالم كله، حين تفشل الأحزاب والأشكال الرسمية والتقليدية، أو عندما تنسد القنوات الشرعية والقانونية.
ولذلك أيضاً، لا تتعجب عندما تجد المنظومة الحاكمة في مصر، وكذلك الأجهزة الأمنية التي تعمل على حماية السلطة، تلاحق الحركات الشبابية، خصوصا إن كانت تعتبر الحركة الشبابية الأم كـ "6 أبريل"، أو أن يتم التضييق على النقابات المستقلة، على الرغم من أن الأصل في النقابات أن تكون مستقلة، فالحجة والذريعة دائماً هي تطبيق القانون، ولو كان جامداً أو عفا عليه الزمن، ولا يواكب التطورات والمستجدات، حتى لو كان هذا القانون قد صدر بهدف الحصار والاحتواء.
منذ أكثر من 120عاماً، كانت هناك أصوات تهاجم فكرة إنشاء جمعياتٍ، لأنها مصطلح غربي، وتهاجم إنشاء أحزاب سياسية، لأن الأحزاب ذُكرت في القرآن، للتدليل على أعداء الإسلام، والله قد هزم الأحزاب، ومن وجهة نظرهم أن الإسلام نهى عن الأحزاب. وعلى الرغم من أن التجربة الحزبية في مصر كانت وليدةً، وكانت فيها إيجابيات كثيرة إلى جانب السلبيات، إلا أنه تم إلغاؤها بحجة الاصطفاف الوطني، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ولكي لا تكون الأحزاب أداة في يد الاستعمار أو الشيوعية، حسب زعمهم. حتى عندما أعادها أنور السادات، فإنها كانت بقرار فوقي، لتكون ديكوراً استمر في عهد حسني مبارك، ومن حاول الخروج عن الخط المرسوم تم تفكيكه، إلى أن قامت ثورة يناير من خارج الأطر الرسمية للمعارضة. ولذلك، لا عجب أن يكون الاتجاه الرسمي الآن هو العودة إلى الماضي، على الرغم من فشله، ومقاومة التطور، وبدء الحصار والتجريم ومحاولات التدجين للحركات الشبابية والمجتمع المدني، بذريعة دولة القانون.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017