محاولات اللحظات الأخيرة لتفكيك لغم استفتاء كردستان

15 سبتمبر 2017
أبناء إقليم كردستان يطالبون بالاستفتاء أمس (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
بدا الوضع في إقليم كردستان، وفي العراق عموماً، مساء أمس، مزيجاً من التصعيد ومحاولات اللحظات الأخيرة للتهدئة، مع دخول كافة القوى الإقليمية والعالمية على خط إقناع قيادة الإقليم الشمالي بتأجيل استفتاء انفصال كردستان العراق المقرر في 25 سبتمبر/أيلول الحالي. تصريحات رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، حتى بعد لقائه سفراء وممثلي "الدول الكبرى"، الذين قدموا له مقترحاً بضمانات مقابل تأجيل موعد الاستفتاء، جاءت حربية، قبل صدور قرار نهائي من أربيل بالموافقة على التأجيل مقابل "الامتيازات" أو بالسير في الانفصال "لو مهما كلف الأمر" على حد تعبير البرزاني، وذلك قبل الموعد الحاسم، اليوم الجمعة، عندما يصوت برلمان الإقليم، الذي استأنف عمله بعد عامين من التوقف، على خيار الاستفتاء. وبدا كأن إقالة البرلمان العراقي محافظ كركوك، القيادي في حزب البرزاني، نجم الدين كريم، قد قطع العلاقة بين بغداد وأربيل، التي أطلق زعيمها، أي البرزاني، مواقف نارية، قومية ودينية، منها أن "الأكراد لم يقتلوا ابن بنت رسول الله، أنتم من دعوتموه وخذلتموه وقتلتموه" في ما بدا كأنه كلام موجه إلى "الحشد الشعبي" الذي يحتمل أن يشتبك عسكرياً مع البشمركة في المناطق العربية المتنازع عليها. وهدد البرزاني، بعد لقائه ممثلين عن الأمم المتحدة وأميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، أنه "إذا لم يوجد بديل سنذهب الى الاستفتاء وليكن ما يكون"، على حد قوله، معتبراً أن "إقالة محافظ كركوك أنهت الشراكة مع بغداد"، قبل أن يهدد عسكرياً بالقول "من يريد إلحاق الأذى بكردستان فليأت إلى الميدان".



وتحورت وساطة ممثلي الدول الغربية حول تعزيز دور الإقليم في سياق الدولة العراقية، بحسب ما جاء في بيان لرئاسة إقليم كردستان، أفاد أنه "تمّ خلال اللقاء (بين البرزاني وممثلي الدول الغربية والأمم المتحدة) تقديم مقترح بديل عن الاستفتاء". وأضاف البيان أن "ممثلي الدول العظمى قدموا مقترحاً بديلاً عن الاستفتاء لرئيس الإقليم الذي سيبحثه مع القيادة السياسية الكردستانية وسيرد عليه قريباً". وأوحت مصادر مقرّبة من زعيم الإقليم لـ"العربي الجديد"، أن "هناك موافقة مبدئية على قبول المقترح الذي يتضمن امتيازات جديدة للإقليم وحل الخلافات مقابل تأجيله بالوقت الحالي".

في غضون ذلك، قال قيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني، بزعامة البرزاني، إن "المقترح البديل يتضمن حلاً على مراحل عدة للمناطق المتنازع عليها ضمن المادة 140 من الدستور وملف النفط ومرتبات موظفي الإقليم الحكوميين، فضلاً عن أزمة كركوك بضمانات تلك الدول مقابل حصول الإقليم على امتيازات جديدة لم يذكرها، وحصوله على دعم من تلك الدول للإقليم مقابل تأجيل الاستفتاء لحين توفر البيئة المناسبة لتنفيذه وبتوافق من كل الأطراف". وأشار إلى أن "البرزاني بدا راضياً عن المقترح الجديد لكنه طالب بالعودة الى قيادات الأحزاب المشاركة معه في المشروع".

وكانت أزمة الاستفتاء دخلت مرحلة حرجة أمس، منذرة بصدام دموي بين بغداد وأربيل، بعد سلسلة من إجراءات التصعيد المتبادلة بينهما في ظل مواقف متشددة من قبل طهران وأنقرة حول المشروع ووصول مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بريت ماكغورك إلى أربيل، مساء الخميس، ولقائه مع البرزاني. وأكدت مصادر عراقية حكومية في بغداد لـ"العربي الجديد" أن "اتصالات على مستوى عالٍ جرت بين بغداد وأنقرة وطهران خلال الساعات الماضية تبنّت موقفاً موحّداً من الأزمة وتضمنت مواقف حازمة إزاء وحدة العراق". 

في هذا السياق، ذكر القيادي بالتحالف الكردستاني، حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، أن "زيارة ممثل ترامب جاءت لدفع كردستان من أجل قرار تأجيل الاستفتاء حالياً". وكشف بأن "واشنطن تعتبر الوضع الحالي غير ملائم على الإطلاق ومن المحتمل أن يؤدي إلى جبهات جديدة من الصراع لا تخدم سوى الجماعات الإرهابية". ورأى أن "الأزمة الحالية أخذت بعداً آخر واكتسبت طابعاً قومياً بين العرب والأكراد. وهو ما لم نكن نريده". ولفت إلى أن "البرلمان في الإقليم بعد اجتماعه سيكون له سلطة أقوى من البرزاني ومن الممكن أن يطلب تأجيله في حال تم فتح باب التصويت".


وكانت حكومة أربيل قد بدأت التصعيد، مع ساعات فجر أمس الخميس، عبر نقل العشرات من الوحدات العسكرية التابعة لـ"البشمركة" إلى كركوك ومناطق أخرى في نينوى وديالى وصلاح الدين، سبق أن سيطرت عليها منذ انسحاب تنظيم "داعش" منها. وقامت الوحدات برفع أعلام الإقليم فوق مناطق أبرزها القوش وربيعة في نينوى، والطوز في صلاح الدين، ومندلي وكلار وجلواء في ديالى"، معتبرة أنها "مناطق كردية وستشارك في استفتاء الانفصال كجزء من مساعٍ لترسيخ سيطرتها على تلك المناطق". وردت عليها بغداد بسلسلة إجراءات أبرزها منح الضوء الأخضر لمليشيات "الحشد الشعبي" بالتحرّك نحو مناطق التماس مع "البشمركة" قرب كركوك وسنجار والطوز ومندلي، والتمدد باتجاه سهل نينوى ذي الغالبية العربية المسيحية ونشر أسلحة ثقيلة هناك. وأعقب ذلك تصويت البرلمان بالإيجاب على طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي، بإقالة محافظ كركوك، القيادي بحزب "الاتحاد الكردستاني"، نجم الدين كريم، فضلاً عن وقف إجراءات فتح فرع للمصرف المركزي العراقي في أربيل، الذي كان من المقرر أن يتولى مهمة توزيع مرتبات موظفي الإقليم. واعتبر كريم أن "إقالته غير قانونية، وتمّت بحسب قانون بريمر".

وجاء ذلك مع إنهاء زعيم "فيلق القدس"، مبعوث المرشد الإيراني علي خامنئي، الجنرال قاسم سليماني، زيارة استمرت ليومين في كردستان التقى خلالها زعماء أكراد من بينهم مسعود البرزاني. وأكد مسؤولون في بغداد، أن الزيارة حملت عبارات شديدة اللهجة، وذكر مسؤول عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، أن "طهران أوصلت رسالة واضحة للإقليم عبر قاسم سليماني الذي أبلغ البرزاني، بأن مشروع الانفصال خطر يهدد الأمن القومي الإيراني بالوقت الحالي وفي حال الإصرار فإن طهران لديها ما ستتخذه حيال ذلك".

وبيّن أن "إيران ستغلق حدودها مع الإقليم، والأمر نفسه ستفعله تركيا، كما ستقطع إيران منابع أنهر الكارون والوند لكرخة وهوشياري التي تعتمد عليها محافظة السليمانية بشكل رئيسي. وستضطر لاعتبار المسلحين الأكراد الإيرانيين المناوئين لطهران والموجودين حالياً في أراضي الإقليم على أنهم ينالون رعاية ودعماً من كردستان لا على أنهم خارجون على سيطرة أربيل".

ومن المقرر أن يشهد اليوم الجمعة، اجتماعاً هو الأول من نوعه منذ عام 2015 للبرلمان الخاص بإقليم كردستان، لمناقشة مشروع الاستفتاء، وفقاً لبيان أصدرته حكومة الإقليم بمشاركة الأحزاب الرئيسة في الإقليم وهي الحزب الديموقراطي بزعامة البرزاني، وحزب الاتحاد بزعامة جلال الطالباني وحزب التغيير بزعامة عمر علي. واعتبرت الخارجية التركية في بيان لها أن "إصرار الإقليم على المضي في الاستفتاء سيكون له ثمن". ونوّه مسؤول في المخابرات التركية، أنهى هو الآخر زيارة إلى كردستان، إلى أن "المشروع سينعكس بشكل سلبي على أمن تركيا القومي ولن تسمح به". وأكد المسؤول بأنه "مع تلك الضغوط، فقد تم تقديم سلسلة ضمانات للإقليم، بالعمل على حلّ مشاكله مع بغداد، وبقاء البرزاني رئيساً له طيلة الفترة التي تحددها كردستان لتأجيل الاستفتاء". وأكد أن "هناك توافقاً دولياً حيال ذلك وبغداد بموقف مريح على عكس أربيل".