ورغم أنّ القحطاني عُزل من منصبه، بحسب الإعلان الرسمي الشهير بموجب قرارات ملكية، بعد ثبوت تورّطه بشكل قاطع في إصدار الأوامر بقتل جمال خاشقجي، إلا أنّ النهج السعودي في التضييق على المعتقلات لا يزال مستمراً. وقد أكّدت تقارير تعرّض هؤلاء، ومنهن إيمان النفجان، للتعذيب الجسدي والنفسي والتحرّش أيضاً، وهو ما دفع المنظمات الدولية لاستنكار خطوات ولي العهد ومطالبتها له بالإفراج الفوري عن المعتقلين والمعتقلات كافة. لكن المعارض السعودي يحيى عسيري قال لـ"العربي الجديد" إنّ السلطات السعودية "تعتقد أنّ أي انفراجة بسيطة للمعتقلين هي مساس بسيادتها الموهومة، لذلك فإنها تبالغ في ردات الفعل"، معتبراً أنّ "هذا الأمر يحدث مع كل الدكتاتوريات حول العالم، وقد شاهد العالم هذا الأمر حينما طالبت وزارة الخارجية الكندية الحكومة السعودية بالإفراج عن المعتقلين في أغسطس/ آب الماضي، إذ قام بن سلمان بقطع العلاقات مع كندا وسحب سفيره منها، وطرد السفير الكندي، فضلاً عن الهجوم الإعلامي الذي جعل من الحملة السعودية مصدر سخرية على صعيد عالمي".
ولم تعلن السلطات السعودية عن أسماء المتهمات الـ10، لكنّ رئيس المحكمة الجزائية إبراهيم السياري، قال للصحافيين قبل أيام إنّ من بينهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان وهتون الفاسي. غير أنّ منظمة "القسط" لحقوق الإنسان والتي يديرها المعارض السعودي يحيى عسيري، قالت إنّ "من حضرن للمحاكمة وتأكّد حضورهن من المتهمات هن رقية المحارب ولجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان وأمل الحربي، فيما لم يتم التأكّد من حضور هتون الفاسي ومياء الزهراني وشدن العنزي وعبير نمنكاني، بينما غابت المعتقلة نوف بنت عبد العزيز التويجري عن المحاكمة بسبب ظروفها الصحية واشتداد المرض عليها، وسط رفض السلطات الإفراج عنها".
وقبل بدء جلسة المحاكمة الأولى، قرّرت السلطات تحويل محاكمة الناشطات من محكمة الجزاء المختصة (المحكمة التي تنظر في قضايا الإرهاب) إلى محكمة الجزاء العادية، في الرياض، بعد اتصال ورد لعائلات المتهمات قبل منتصف الليل.
ورغم أنّ هذه الخطوة من السلطات السعودية قد تمثّل تقدماً كبيراً نحو الإفراج عن المعتقلات بعد إجبارهن على توقيع طلب عفو من الملك وتقديم "اعتذار" عما "اقترفنه" من "جرائم"، ومحاكمة المتهمات وفق قوانين الجرائم الإلكترونية وليس وفقاً لقوانين الإرهاب، إلا أنّ الناشط المعارض المقيم في الخارج عبدالله الغامدي، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أنّ ذلك "محاولة للمناورة من قبل النظام السعودي مع العالم الغربي، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال قبل أيام من المحاكمة إنّ لجين الهذلول تعرّضت لحملة إعلامية شرسة بسبب دفاعها عن حقوق المرأة في السعودية، وإنها سُجنت لمجرّد انتقادها النظام الذي يضع النساء تحت وصاية الرجال".
وأضاف الغامدي "لا يمكن الوثوق بالنظام السعودي أبداً، وهناك حرب مفتوحة اليوم بين هذا النظام وبين عائلات المعتقلين والمعتقلات. وما توقف تعذيب لجين الهذلول ورفيقاتها وإيداعهن في سجن الحاير بدلاً من سجن ذهبان الذي تعرضن فيه للتعذيب والتحرش، إلا دلالة على أنّ النظام السعودي يخاف ولا يستحي، والحلّ هو استمرار كتابة علياء ووليد الهذلول (أشقاء لجين) للمقالات وحضور الندوات في البرلمانات الأوروبية والأميركية للضغط بشكل أكبر على الحكومة السعودية".
وقرّرت عائلة الطبيب المعتقل وليد فتيحي التحدّث عن ظروف اعتقال ابنها الذي يعدّ أحد أكبر رجال الأعمال في الحجاز، والذي اتهم برفقة عدد من الوزراء السابقين والمستشارين الكبار، ومن بينهم الوزير السابق عادل فقيه، بتشكيل خلية سرية لانفصال الحجاز عن المملكة العربية السعودية. واستطاع أحمد وليد فتيحي الفرار من مدينة جدة واللجوء إلى واشنطن، إذ يحمل الجنسية الأميركية هو ووالده، ليتحدث أمام جلسة للكونغرس أخيراً خصصت للحديث عن "التعذيب بالسعودية"، عن ظروف وملابسات اعتقال والده الذي قال إنه تعرّض للاعتقال لشهور في زنزانة انفرادية كما تعرّض للضرب والصعق. وأضاف ابن المعتقل الذي وعد بتحريك ملف والده على أعلى المستويات لحين الإفراج عنه، أمام الكونغرس: "عاش والدي دوماً متقيدًا بقوانين البلد، حتى إنه لم يقم بمخالفة سير واحدة، فما الداعي لاعتقاله؟".
أما وليد الهذلول، شقيق لجين، فقال في الجلسة نفسها إنّ "عائلة لجين لم تعرف بالتهم الموجهة إليها إلا خلال جلسة المحاكمة يوم الأربعاء الماضي، إذ شملت إحدى التهم التواصل مع الأمم المتحدة لحضور دورة تدريبية، وقامت السلطات بتصنيفها كخيانة للبلاد، وتواصل مع جهات خارجية والسعي لتغيير نظام الحكم الأساسي في المملكة، والتواطؤ مع 15 صحافياً أجنبياً لزعزعة أمن المملكة، كما أنهم عرضوا عليها صفقة تتضمن استدراجها لناشطات معارضات يعشن في الخارج مقابل الإفراج عنها، لكنها رفضت ذلك".
وكانت "منظمة العفو الدولية" قد دانت محاكمة الناشطات، ووصفت التهم الموجهة إليهنّ بالزائفة. وقالت مديرة الحملات في برنامج الشرق الأوسط في المنظمة، سماح حديد، إنّ "هذه المحاكمة تعدّ وصمة عار جديدة في سجل السلطات السعودية المروع المرتبط بحقوق الإنسان".
كذلك، شنّت المعارضة السعودية هالة الدوسري، من خلال عمودها في صحيفة "واشنطن بوست"، الذي حصلت عليه ضمن منحة باسم الصحافي الراحل جمال خاشقجي، هجوماً عنيفاً على النظام السعودي، إذ قالت إنّ "المحاكمة كانت زائفة، وتم الكشف فيها عن احتقار السعودية لمواطنيها". وأضافت الدوسري "لا أستطيع أن أرى كيف يمكن التغاضي عن الاغتيالات والاحتجاز التعسّفي والتعذيب ذي الطبيعة البغيضة من خلال تعيين النساء في مناصب عليا أو إعادة توزيع الامتيازات بين طيّات النخب"، في إشارة منها إلى قرار ولي العهد تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للبلاد في الولايات المتحدة، وسحب شقيقه الأمير خالد بن سلمان وإعادته للبلاد بعد تضييق الخناق عليه ووجود شبهات حول تورطه في مقتل جمال خاشقجي.
من جهته، رأى المعارض أحمد التويجري في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الأمر سهل وبسيط في حالة الناشطات المعتقلات: أفرج عنهن يا بن سلمان وستنتهي الكثير من المشاكل"، مضيفاً "أمّا معاداة الصحافة الحرة والمجتمعات المدنية ومحاولة شرائها بالأموال ثم إرهابها، فهو فعل غبي جداً ولا ينم إلا عن استكبار وغرور ليس له حدّ".
وفي السياق، قال خبير قانوني سعودي، يعمل محامياً أمام المحاكم في مدينة الرياض لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إنّ "المتهمات ذهبن للمحكمة من دون وجود محامين، وذلك بسبب خوف الجميع من الدفاع عنهن، أو حتى التلميح لوجود خلل في الإجراءات القانونية المتعلقة بالاعتقال وتقديم التهم وتكييفها وغيرها".
وأضاف الخبير القانوني أنّ "من أبرز الأخطاء والفضائح القانونية أنّ النيابة العامة غيّرت التهم بعد أن غيّرت السلطات المحكمة ونوعيتها، وهو إجراء غير مسبوق في القانون وحتى في العرف. إذ إنّ السلطات حينما اعتقلت لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، اعتقلت معهن إبراهيم المديميغ الذي تم الإفراج عنه من دون محاكمة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رغم أنه متهم في ذات الخلية المزعومة. كما اعتقلت معهن محمد الربيعة وعبد العزيز المشعل، وقامت بالتشهير بهم في وسائل الإعلام بصورهم الشخصية، والادعاء بأنهم قد شكلوا خلية لاستهداف أمن البلاد، ثم يفاجأ الجميع بأنهم يحاكمون وفق قضية أخرى مع متهمات من قضايا أخرى".
وعبّر المحامي الذي سبق له أن عمل كاتب عدل في السلك القضائي السعودي، عن اعتقاده بأنّ "السلطات تخطط للإفراج عن المعتقلات، لكن بطريقة لا يتم تصوير الأمر فيها على أنه استجابة للضغوط الدولية الشديدة على ولي العهد محمد بن سلمان". وعن هذا الموضوع، أشار المحامي إلى أنّ "توقيع المتهمات على كتاب العفو يعني أن هناك سيناريو مطروحاً يكمن في قيام المحكمة بالحكم بالسجن على الناشطات، ثمّ قيام الملك بالعفو عنهن وفق كتاب طلب العفو الذي تم توقيعه من قبلهن".