محادثات فيينا: صفقة "النووي" على نار عُمانية

18 نوفمبر 2014
يشكّل اتفاق واشنطن وطهران ورقة رابحة للطرفين (فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر الإيرانيون بفارغ الصبر ما ستحمله نتائج جولة المحادثات النووية بين إيران والسداسية الدوليّة، التي تبدأ اليوم الثلاثاء في فيينا، في محاولة للتوصّل إلى اتفاق نهائي، خلال المهلة التي حدّدها اتفاق جنيف المؤقّت والموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي يُفترض انتهاؤها يوم الاثنين المقبل.

وتُعدّ المهلة الفاصلة قصيرة للغاية، نظراً إلى تعقيدات الملفّات الحسّاسة التي تعترض الاتفاق، والمتعلّقة بشكل أساسي، وفق تصريحات الوفد النووي الإيراني المفاوض، بآلية إلغاء الحظر الاقتصادي المفروض على طهران منذ سنوات، بسبب برنامجها النووي، فضلاً عن موضوع تخصيب اليورانيوم.

ويبدو أنّ الزيارة السريعة، غير المعلنة، لوزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي إلى طهران، قبل يومين، والتي التقى خلالها الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، قد رفعت نسبة التفاؤل لدى عديدين في الداخل الإيراني.

وتُعتبر سلطنة عُمان الصديق التاريخي لإيران ما قبل الثورة، وما بعد تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة عام 1979. ولم يشأ الإيرانيون، بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، ولا للحظة واحدة، التخلي عن هذا الصديق الاستراتيجي في مجلس التعاون الخليجي، والذي بات مع الوقت الوسيط بين إيران والغرب عموماً، والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً. كما زار السلطان قابوس إيران ثلاث مرات بالمجمل، كان آخرها بعد تولّي الرئيس حسن روحاني سدّة الرئاسة، ليكون أوّل من يبارك له فوزه بالمقعد الرئاسي.

ولم تخلُ زيارة السلطان قابوس، كما في معظم المرات التي يلتقي فيها الإيرانيون والعمانيون معاً، من رسالة أميركية للطرف الإيراني. وجاء التأكيد حينها على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بإشارته إلى أنّ الحديث عن تقارب إيراني أميركي بعد توتّر دام عقودا، بات أقرب إلى الواقع بعد هذه الوساطة.

وتدفع الزيارة غير الرسميّة لـ"بن علوي" إلى طهران المراقبين للساحة الإيرانيّة إلى الحديث عن توافق نووي مرتقب في فيينا خلال أيام معدودة، ولا سيّما أنّ الجولة الأخيرة للمفاوضات بين طهران ودول السداسيّة الدوليّة، عُقدت الأسبوع الماضي في فندق البستان في مسقط، بعد عقد اجتماع بين وزيري الخارجية الإيراني والأميركي جون كيري بحضور ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون. وعلى الرغم من أنّ التصريحات الأميركيّة والإيرانيّة التي خرجت على لساني وزيري خارجية البلدين، أشارت إلى حساسية الملفّات العالقة، لكنّ وزير الخارجية العماني كان أول من نقل تفاؤله بتوافق نووي مرتقب.

وفي سياق متّصل، أفادت صحيفة "ابتكار" الإيرانية إلى أن كيري التقى بنظيره العماني في مطار مسقط قبل أيام، خلال تزوّد طائرته بالوقود، وناقشا معاً وبجديّة كبيرة مسائل تتعلق بالملف النووي الإيراني، ما يعني تركيزاً على الملف من العين الأميركية، ويعطيه أهمية خاصّة خلال هذه المرحلة.
وعلى الرغم من التأكيدات الروسيّة بالتوصل إلى تسوية قريباً مع طهران، بشأن معظم الملفّات العالقة، ولا سيّما قضيّة تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها البلاد، والتي يصرّ الغرب على تخفيضها، لكنّ كافة مكوّنات الداخل الإيراني تصرّ على أن بند إلغاء العقوبات هو الأهم، الأمر الذي قد يبدّد كل هذا التفاؤل.
وفي هذا الإطار، لم يتأخر رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى، علي شمخاني، عن التأكيد أخيراً، أنّ "إلغاء الحظر بالكامل شرط إيراني لن تتنازل عنه البلاد"، مطالباً "الدول الغربيّة، وخصوصاً الولايات المتحدة، بمراعاة الحقوق النوويّة الإيرانيّة وتقديم عروض منطقيّة على طاولة الحوار".

ويعرب مراقبون للساحة الإيرانية عن اعتقادهم بأنّ "زيارة بن علوي هذه تحمل معاني أكبر وأبعد من البرنامج النووي"، علماً أنّ المستشار الأوّل لوزير الخارجيّة محمد صدر، قال لصحيفة "أفتاب يزد"، رداً على سؤالها عن عدم الإعلان عن الزيارة أو عقد مؤتمر صحافي مشترك، إنّ "لهذا الأمر رسائل ومعاني كثيرة"، من دون أن يشرحها ويفصّلها.
وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسميّة (إرنا) قد نقلت عن مصدر مقرّب من الخارجيّة الإيرانيّة، إشارته إلى أن "حوارات بن علوي مع ظريف وروحاني ناقشت التطورات الإقليميّة، ولا سيّما الحرب على الإرهاب".

وتعكس التطورات واللقاءات الأخيرة، معطوفة على تأكيد الإيرانيين تسّلم المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، يشير فيها إلى ضرورة التعاون الثنائي لمواجهة تنظيم "داعش"، مقابل ضماناته لتوقيع اتفاق نووي، بأنه يجري إنضاج صفقة ما، تُعدّ في المطبخ العماني، وقد يعلن عنها قريباً في فيينا بعد أن تجهز.
وعلى الرغم من نفي إيران المتكرّر لأي تعاون مع واشنطن، ورفض خامنئي العلني لدعوة أوباما لكي يكون جزءاً من التحالف الدولي لضرب "داعش"، لكنّه يبدو أن الموضوع بدأ يأخذ مساراً أكثر جديّة في التعاطي، ولا سيّما مع وجود الطرف العماني، الذي يضطلع بمهمّة فكّ عقد القضايا الإيرانيّة الأميركيّة، التي تتكرّر بين فترة وأخرى.

وفي موازاة الحديث عن تعاون مرتقب بين الطرفين إقليمياً، وهو ما قد يشكّل ورقة رابحة بالنسبة إلى الطرفين، لكنّ هذه الورقة تواجه ببعض الشروط في كلا البلدين.
إيرانياً، يرغب الجميع في إلغاء الحظر الاقتصادي المفروض على البلاد، وإن ضمن أوباما هذا الأمر، قد تتصرّف طهران ببراجماتيّة، خصوصاً مع تحوّل خطاب العديد من مؤسّساتها إلى خطاب منفتح ومعتدل. ويعني ذلك أنّ إيران ستبقى على عداوة مع واشنطن، لكنها ستتقرّب منها لحلحلة بعض الملفّات الإقليميّة من دون الحديث عن تطوير العلاقات الدبلوماسية الثنائية، وهو ما يعارضه متشددو الداخل بالمطلق.

أميركيا، يبدو أنّ أمام أوباما فرصة خلال هذا الشهر لتحقيق إنجاز في فيينا، على صعيد الملف النووي الإيراني وحربه المفتوحة على الإرهاب، ولا سيّما بعد فوز الجمهوريين بغالبية الأصوات في انتخابات الكونجرس النصفيّة، لكنّه يواجه في الوقت ذاته، تحديا آخر، وهو تحقيق الشرط الإيراني الأول، أي إلغاء الحظر. ويستطيع تجاوزه بتعليق جزئي للعقوبات طيلة مدّة التوافق، ولكن هنا يبقى التهديد بإعادة فرض العقوبات قائماً، وهو ما ستسعى طهران للحصول على ضمانات أميركيّة تتعلّق به، مقابل منح امتيازات من نوع آخر لواشنطن، قد تتعلّق بالتعاون في العراق وربما في سورية.

المساهمون