مجلة "واحد": الفلسطينيون في لبنان وفزّاعة الصور النمطية

14 نوفمبر 2018
هاني زعرب/ فلسطين
+ الخط -

اختارت مجلة "واحد" المزدوجة اللغة (عربية/فرنسية) "الفلسطينيين في لبنان" موضوعاً لملف عددها العاشر (تشرين الثاني/ نوفمبر 2018)، وجاء اختيار هذه المجلة متفرداً على غير عادة المجلات الإلكترونية والورقية في تناولها للموضوع الفلسطيني. وجه الفرادة أو الجِدّة يتجلّى في احتواء الملف على معلومات عن دور للفلسطينيين في لبنان غير معروف على نطاق واسع على الرغم من وجود شواهد عليه قائمة في شتى مناحي الحياة اللبنانية، وهو غير الدور السياسي/العسكري الشائع الذي لم يكن سوى تفصيل في لوحة أكبر.

الدور المعني هو دور الفلسطينيين النهضوي في لبنان على أكثر من صعيد، أكثرها أهمية أصعدة الاقتصاد والتربية والتعليم والفنون الموسيقية والغنائية والتشكيلية. ولهذا الدور تاريخ ممتد من سنوات ما قبل النكبة التي حلّت بفلسطين وأهلها إلى السنوات اللاحقة.

توزّعت موضوعات الملف بين ما هو اجتماعي: "الفلسطينيون في لبنان: إشكالات الهوية وتعقيداتها" (أحمد عيساوي)، وما هو سياسي مثل "الفلسطينيون في لبنان وفزاعة التوطين" (زياد ماجد)، وما هو اقتصادي كمقال "الاقتصاد اللبناني: حكاية فلسطينية" (منير ربيع)، وأيضاً ما هو فني حين نتصفّح لوحات للفنان هاني زعرب.

في هذا الحيّز يجد القارئ بين يديه ما يقلب الصورة النمطية عن اللاجئ الفلسطيني حيث نقرأ أن "الشكل الأولي للجوء الفلسطيني إلى لبنان اختلف عن الشكل اللاحق الذي تماهى مع صورة المخيّم، المكان المغلق الذي يعج بالبطالة والبؤس والفقر (أو الأرض المغلقة على واقع مأساوي بتعبير كتّاب الملف)، إذ شهدت بدايات الحركة الوافدة اصطحاب الطبقة البرجوازية، غالبيتها من مسيحيّي مدن الشمال الفلسطيني، سيولة ورساميل ساهمت في استثمارات على الأرض اللبنانية، وكان لإقفال ميناء حيفا ومطار اللّد شأن مهم في تحويل التجارة في شرق المتوسط إلى ميناء بيروت".

ونقرأ أن من الأسماء التي برزت في تلك الفترة، ومنحتها السلطة اللبنانية في عهد الرئيس كميل شمعون الجنسية اللبنانية يوسف بيدس (مؤسس بنك أنترا وكازينو لبنان والمساهم في شركة طيران الشرق الأوسط)، ورفعت النمر (مؤسس بنك الاتحاد العربي وبنك بيروت)، وباسم فارس (الشركة العربية للتأمين)، وريمون عودة (بنك عودة)، وزهير العلمي (شركة خطيب وعلمي).

وفي خط مواز لحركة الطبقة البرجوازية، نقرأ أن "الطبقة العاملة الفلسطينية ترجمت اندماجها السريع في ميادين المهن الحرة والزراعة والصناعة، فاشتهرت عائلة عطايا في الإشراف على تطوير بساتين الجنوب اللبناني، وانخرطت اليد العاملة الفلسطينية في معامل غندور وجبر واليمني.. كما أسهم الفلسطينيون في بناء القطاع العقاري بتأسيسهم أكبر شركات الهندسة".

ونقرأ أن "هذا لا ينفصل عن الدور الريادي الذي لعبه الفلسطينيون في قطاع التعليم، لا سيما الجامعي منه، بالإضافة إلى مجال الغناء والموسيقى، كحليم الرومي، ومحمد غازي الذي درّب فيروز على الموشحات، وغنّى معها "يا وحيد الغيد"، وصبري الشريف الذي تسلّم كل مسرحيات الرحابنة، وتولى البرامج الموسيقية في الإذاعة اللبنانية، وهو الذي قامت على أكتافه فكرة تمدين الغناء الريفي". وبعد هذا يبدأ شكل اللجوء الثاني في البروز، فنقرأ "...ولكن ثقافة "الغيتو" سرعان ما أخذت مساحة في المخيال الفلسطيني بفعل أساليب نمذجة انتهجتها السلطة اللبنانية في المرحلة التي سبقت اتفاق القاهرة. فأصبح المخيم البيئة الوحيدة لمواجهة سياسة الإقصاء الاجتماعي التي ترجمت في عملية انقطاع الفرد الفلسطيني عن مجتمع لبناني أوسع يتمتع بتركيبة سكانية تخضع لمعايير طائفية وآنية هشة. وتم تجريد الفلسطيني من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية التي تمتع بها اللاجئون في سورية والأردن كالحق في العمل وممارسة المهن الحرة والتملّك والتنقل".

وتحت عنوان "حكاية فلسطينية"، نقرأ أن "فلسطين كانت مركز نشاط اقتصادي واسع أيام الانتداب البريطاني.. وأن الانتداب استثمر في حيوية الشعب الفلسطيني لأنه عنصر نشط ومهني جيد.. واكتسب العنصر الفلسطيني الانتظام من الانتداب البريطاني.. وتجلت هذه العلاقة التبادلية في العلاقات اللبنانية-الفلسطينية، فالفلسطيني الذي اكتسب الانتظام من الانتداب نقل العدوى إلى اللبناني الذي اكتسب من الانتداب الفرنسي ما هو أقل انتظاماً". وانعكس هذا النمط على طبيعة وجوده في لبنان الذي عمل على "تجنيس العديد من الفلسطينيين في مرحلة ما قبل النكبة، وعملوا في مختلف المجالات كقطاع الصرافة والتأمين والمصارف، وهذه كلها كانت شبه منعدمة في لبنان في تلك الأيام".

ولا يُغفل الملف مسألة الشعارات التي تثار في لبنان منذ عقود حول مخاطر ما سمّي بـ"توطين الفلسطينيين" وتغييره التركيبة اللبنانية السكانية. وحسناً فعل كاتب الموضوع حين أطلق على هذه الإثارة اسم "فزاعة التوطين"، في إشارة إلى افتقارها إلى أي أساس واقعي، بل تستخدم كذريعة لإهدار حقوق الفلسطينيين الإنسانية.

وأخيراً، أضفت لوحات الفنان هاني زعرب المقيم في المنفى الباريسي، جواً على هذا الملف، ومنحته اللمسة المنسية التي تُنسى عادة، أو نُسيت، التي أضفاها الفنان التشكيلي الفلسطيني على الفضاء العربي، وفي لبنان على وجه الخصوص، حيث حلّت جنسية بلد المنفى محل "فلسطينية" فنان كبير مثل بول غيراغوسيان وفنانة لافتة للنظر مثل جوليانا ساروفيم.

دلالات
المساهمون