مجزرة ضريبية سورية باسم "تشجيع الاستثمار"

02 مارس 2015
الخلل الضريبي يستهدف معيشة المواطن العادي (فرانس برس)
+ الخط -
كانت الفترة الممتدة من عام 1985 وحتى عام 2000 في سورية هي فترة الإعفاءات ‏الضريبية للاستثمار الخاص، عبر ‏سلسلة من القوانين والتشريعات. واستمر الأمر في عهد ‏بشار الأسد مع سلسلة "إصلاحات" محابية لقطاع الأعمال المتوسع ‏في تلك الفترة، حيث جرى ‏تخفيض ضريبة الدخل للشركات المساهمة من 32 إلى 25%، وهي سياسات ‏تذرعت بأنها ‏تريد من خلالها "تشجيع الاستثمار" لكنها لم تفعل سوى أن كرست التشوه في النظام الضريبي السوري.‏ 
يقول أستاذ المالية العامة في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان، إن تلك "الإصلاحات" أدت إلى ‏زيادة الإعفاءات الضريبية ‏بصورة كبيرة مما شكل عبئاً على موازنة الدولة، الأمر الذي دفع ‏الحكومة إلى الاعتماد على القروض ‏الخارجية والإصدار النقدي في تمويل مشاريعها العامة، وأدى ذلك لزيادة معدلات ‏التضخم ‏والمديونية الخارجية.‏

الفساد والنفوذ
هكذا يتضح أن الأهداف المعلنة من الإعفاءات الضريبية لم تتحقق، فلم تتدفق الاستثمارات ‏الأجنبية إلى سورية، بل دخل ‏الاقتصاد في حالة ركود. وقاربت حصيلة الضرائب المباشرة ‏حوالى 35% فقط من إجمالي الحصيلة الضريبية، وهو ‏ما يؤشر إلى تشوّه كبير في النظام ‏الضريبي. أما الموازنات التقديرية للدولة في الأعوام الأخيرة، فقدرت حصيلة ضريبة ‏الرواتب ‏والأجور بعشرة أضعاف حصيلة ضريبة رؤوس الأموال. وبالرغم من مساهمة القطاع الخاص ‏في الناتج المحلي ‏الإجمالي في عام 2010 بنحو 76%، لم تتجاوز ضريبة الأرباح 13% ‏من إجمالي الإيرادات الضريبية.‏
يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور سمير سعيفان، لـ"العربي الجديد"، خبايا تلك الأرقام قائلاً: "لا ‏يعتد بموازنات عام 2011 ‏وما بعدها فقد أقرت في ظروف غير طبيعية. كما أن العبرة ‏ليست في الموازنة، فالموازنة خطة مالية لسنة مقبلة، ويمكن للحكومة ‏السورية أن تكتب ما ‏تريد في الخطة، ويعتبر التزويق والتلفيق تقليداً قديماً لدى النظام في سورية". ويشرح أن "العبرة ‏في الميزانية ‏الختامية حيث نجد الإيرادات والنفقات الفعلية". ‏
ويشرح أن: "السمات العامة الراسخة في سورية هي التهرب الضريبي ‏والجمركي، وهو شائع ‏وواسع، وكلما كبر رجل الأعمال، كبر تهربه الضريبي والجمركي. ويعود التهرب لأسباب ‏تقنية ‏تتعلق بضعف كفاءة الجهاز الضريبي وفساده الواسع". وفضلاً عن ذلك فإن النظام ‏السوري "لم يسعَ إلى أيّ إصلاح إداري أو ‏إلى تشديد القبضة الضريبية. كان ذلك بمثابة قرار ‏ضمني تعززه الخشية من غضب رجال الأعمال، ولكن الأهم أن كبار ‏رجال الأعمال، وهم ‏كبار المتهربين، لهم مصلحة كبيرة في الحفاظ على هذا الواقع الرديء، فجزء كبير منهم بات ‏من أبناء ‏كبار المسؤولين في الدولة".‏

الضرائب غير المباشرة
في عام 2009 تأسست الهيئة العامة للضرائب والرسوم ضمن برنامج لإصلاح النظام ‏الضريبي في سورية، كما ادعت ‏الحكومة في ذلك الوقت. لكن عمل الهيئة في سنواتها الأولى ‏تركز على التحضير لإطلاق ضريبة القيمة المضافة في ‏سورية، لتعزز بذلك من هيمنة ‏الضرائب غير المباشرة على الإيرادات الضريبية، ومتجاهلة حجم التهرب الضريبي ‏الكبير ‏والواسع لقطاع الأعمال. وفي حين كان من المقرر إطلاق ضريبة القيمة المضافة في ‏عام 2011، وهي ضريبة سيئة ‏السمعة بالنسبة للمستهلكين، الذين يتحملون عبئها الكبير، ‏يبدو أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية أرجأ القرار الحكومي تجنباً ‏لإثارة مزيد من الغضب في ‏صفوف السوريين.‏
وحول إصلاح النظام الضريبي السوري في المستقبل، يعتقد سعيفان أن النظام الحالي :سيحتاج ‏لإعادة هيكلة بالكامل، إذ ‏يجب أن تشكل الضرائب المورد الأكبر للخزينة، وتبدأ الهيكلة ‏بوضع سياسة ضريبية فعالة مدروسة بجوانبها الإيرادية ‏والاقتصادية والاجتماعية، تنعكس في ‏تشريعات وتعليمات ضريبية جديدة". كما يتطلب الإصلاح الضريبي، بحسب سعيفان، ‏تطوير ‏‏"جهاز ضريبي كفء ونزيه يكون على قدرة على التحقق الضريبي والفرض والتحصيل بما ‏يخدم الأهداف ‏المرسومة للسياسة الضريبية. وهذا يتطلب أن لا يخضع الجهاز الضريبي ‏لمصالح قطاع الأعمال ولا لنزوات إدارات فاشلة ‏كما هو الحال في سورية اليوم. وسيكون هذا ‏جزءاً من الإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي الشامل في سورية ‏الجديدة"‏‎.‎

إقرأ أيضاً: النفط اللبناني ضائع: "شايف البحر شو كبير"؟
المساهمون