مع بدء القتال في ريف اللاذقية ضدّ قوات الأسد، اتّخذ مقاتلو المعارضة من الغابات ملجأً آمناً، ومنطلقاً للعمليات العسكرية، إذ ساعدت كثافة الأشجار ومعرفة المقاتلين بجغرافية المنطقة على تكبيد قوات النظام السوري خسائر كبيرة. شكّلت هذه الغابات خطراً حقيقياً على قوات النظام، ما دفعه لاتخاذ إجراءات عسكرية جديدة، معتمداً استراتيجية الأرض المحروقة.
بدأ النظام بقصف مكثّف لتلك الغابات عبر المدفعيات المتمركزة في مراصد " تلة"، "كفرية"، و"النبي يونس"، إضافة إلى مجموعة من المراصد التي يسيطر عليها وتشرف على هذه الغابات، ناهيك عن القصف عبر سلاح الجو، فكان أن تسبّب هذا القصف المنظّم بإحراق ما يزيد عن 70% من الغابات، ما يكلّف مبالغ كبيرة لإعادة غرسها، وعشرات السنين لإحيائها من جديد، حيث تغطّي هذه الغابات ما يقارب 27% من مساحة محافظة اللاذقية، وتمتدّ على السلاسل الجبلية في "كسب"، و"رأس البسيط"، مروراً بجبل "التركمان"، وصولاً إلى جبل "الأكراد" على مساحة 85 ألف هكتار.
يبدو أن قصف النظام شكّل جزءاً من سياسة إنهاء هذه الغابات، التي يقع القسم الأكبر منها تحت سيطرة قوات المعارضة، أمّا الجزء الآخر فحوصر سكانُه، ما أدّى إلى لجوء عدد كبير منهم إلى قطع الأشجار وبيعها كمصدر للرزق، حيث بات آلاف السوريين يعتمدون على الأخشاب كمصادر بديلة يستخدمونها في الطبخ والتدفئة، نتيجة انقطاع الكهرباء والغاز.
رئيس المجلس البلدي في جبل الأكراد، مصطفى حاج بكري قال لـ"العربي الجديد": "إنّ القذائف بعيدة المدى المسلطة على المنطقة من قبل قوات النظام هي السبب الرئيس في حرق أكثر من 70% من مساحة الغابات في ريف اللاذقية المحرَّر، وكذلك الحرق الجائر لبيع الحطب وتحويله إلى فحم، إضافة إلى بعض ضعفاء النفوس الذين استغلوا الأوضاع وساهموا في حرق الغابات لتوسيع أراضيهم الزراعية".
يضيف الحاج بكري "لكن هذا الأمر قد يُحلّ في الأشهر المقبلة، حيث تقوم البلديات بدراسة مشروع للدفاع المدني على مستوى الريف المحرّر كاملاً، بعدما استحدثت مؤسّسة للدفاع المدني، ومركز إطفاء تابع للمجلس المحلي، إلا أنّنا نفتقر للمعدات اللازمة، والكوادر المدربة".
هذا وتعتبر غابات ريف اللاذقية من أجمل المناطق السياحية في سورية، وتمتاز غابات "الفرلق" ومصيف "سلمى" بكثافة أشجارها من سنديان وبلوط وسرو وأنواع أخرى، كما تحتوي على العديد من المحميات الطبيعية.
وتثبت الأشجار، رفيقة الإنسان وابنة الطبيعة، أنّها تشاركه نضالاته حتى العسكرية منها، فقد تحوّلت خلال الثورة السورية إلى ضحية حرب، وعانت الحرق والإبادة بعد دورها المعاضد للثوّار الذين حمتهم بحياتها.