وفي سبيل هذا الهدف، اجتازوا حدود بلادهم بطرق غير شرعية، متسللين إلى وجهتهم، أو غادروا إلى تركيا بشكل نظامي، وضمنوا فيها وصولاً آمناً إلى غايتهم. واليوم، يخوض العديد منهم رحلة العودة التي يأملون أن تنتهي بهم إلى بيوتهم التي غادروها. غير أنّه أمل مستحيل في ظل الصعوبات التي تنتظرهم، والتي ربما تفوق تلك التي واجهوها في رحلة الذهاب.
وفي مدينة معان، التي تبعد 216 كيلومتراً عن عمّان (جنوب)، وتعتبر أقوى معاقل التنظيم السلفي الجهادي، وتعجّ جدرانها بشعارات مؤيدة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وزعيمه أبوبكر البغدادي، وأخرى تحض الفتيات على عدم الخروج من المنازل، يعيش عدد من السلفيين الذين تمكّنوا من العودة إلى بلادهم بعدما شاركوا في القتال داخل الأراضي السورية ضمن صفوف "جبهة النصرة".
تقدّر مصادر سلفية عدد سلفيي المدينة الذين التحقوا بالقتال في سورية بأكثر من 200، قتل منهم قرابة 30 شخصاً.
بعضهم عاد بهدف العلاج إثر تعرضه للإصابة، فيما عاد آخرون لعدم قناعتهم بمواصلة القتال. التقت "العربي الجديد" أحد العائدين، الذي طلب عدم نشر اسمه، كي لا يجد نفسه معتقلاً يحاكم أمام أمن الدولة بتهم الالتحاق بجماعة إرهابية أو مغادرة البلاد بطريقة مخالفة لما هو منصوص عليه في قانون منع الإرهاب، والكفيلة بأن يقضي سنوات في السجن.
يكشف "المجاهد العائد" كما طلب أن يُطلق عليه، أنّ عودته جاءت لعدم قناعته بمواصلة القتال نتيجة "الفتن" التي تعيشها الجماعات الإسلامية المقاتلة. ويقول "توجهت إلى سورية للمشاركة في الجهاد ضدّ النظام الكافر، ونصرة المستضعفين من أهل السنة. لكن وجدت نفسي أشارك في القتال ضدّ فصائل إسلامية".
مكث الثلاثيني الذي التحق بصفوف "جبهة النصرة"، قبل عام، بعدما تسلل عبر الحدود الأردنية السورية، في سورية قرابة الثمانية أشهر، وتمكن من العودة. كما عاد رفاق كان قد غادر برفقتهم للأسباب نفسها.
ويرفض "الجهادي العائد" الكشف عن الجهة التي حرضته على التوجه إلى سورية، ويكتفي بالقول "خرجت بعدما أصدر مشايخنا فتوى بالجهاد". ويؤكد أن "طريق الذهاب كانت أسهل من طريق العودة، عندما خرجنا كان معنا إخوة يعرفون طرقاً بعيدة عن أعين الجيش".
وعن الصعوبات التي واجهها ومن معه خلال العودة، يقول "بقينا عالقين قرابة الأسبوعين على الحدود. حاولنا اجتياز الحدود أكثر من مرة، لكن منعنا الحرس. وفي النهاية، تمكنا من الدخول بمساعدة مهرب تنقلنا معه مدة ثلاثة أيام من مكان إلى آخر".
اقرأ أيضاً: الأردن يُكلّف سلفيين مسجونين بالتفاوض مع "داعش" بشأن الطيّار
وبحسب المصدر نفسه، فإن هناك عشرات السلفيين الأردنيين يرغبون في العودة إلى بلادهم، ويعيق عودتهم عجز بعضهم عن اجتياز الحدود، أو خوف الآخرين من السجن في حال تم اعتقالهم. مع ذلك، لا يشعر "الجهادي العائد" بالندم، ويؤكد "خرجت بنية الجهاد في سبيل الله، والله يحاسبنا على نوايانا".
لم يتمكن الشاب السلفي محمد عبدالله صلاح (30 عاماً)، الذي وجّهت له محكمة أمن الدولة (عسكرية)، تهمتي الالتحاق بجماعات مسلّحة وتنظيمات إرهابية، والخروج والدخول من وإلى أراضي المملكة بطريقة غير مشروعة، من التسلل عبر الحدود والعودة إلى بلاده أول الأمر، حين قرر ترك "جبهة النصرة"، التي التحق بها في مارس/آذار 2013. لكن بعدما علق على الحدود لأيام استطاع في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي من دخول المملكة، بناءً على تنسيق مع القوات المسلحة الأردنية، قبل أن يجد نفسه معتقلاً.
يقول والد محمد، عبدالله صلاح "ابني قرر العودة بعدما اكتشف أنه لا يوجد جهاد حقيقي، لكن تم منعه من الدخول". ويشير إلى أنه سمح لابنه بالدخول، بعدما تم التنسيق مع القوات المسلّحة على ذلك، بناءً على كتب رسمية اطلعت "العربي الجديد" عليها، كاشفاً أنه كان برفقة عدد من شيوخ معان في استقبال ابنه العائد على الشريط الحدودي.
ويضيف صلاح "أخبروني أنهم سيحققون معه لفترة ويطلقون سراحه، لكنه يحاكم اليوم في أمن الدولة بتهم كثيرة". وتشير لائحة الاتهامات بحق السلفي إلى أنه ضبط أثناء محاولته التسلل إلى أرض المملكة، مسقطة بذلك التنسيق الذي حدث.
يدعو الوالد الذي قتل ابنه علي (18 عاماً)، قبل عام خلال مشاركته بالقتال في صفوف "جبهة النصرة" ضد النظام السوري، حكومة بلاده إلى "فتح حوار مع العائدين والجلوس معهم، ومناقشتهم فكرياً وسياسياً وإيديولوجياً، وحث الجميع على العودة إلى بلادهم". ويؤكد "هم لا يشكلون خطراً على الأردن. ابني علي، قبل ذهابه إلى سورية، كان يلعب كرة القدم وكان يشجع برشلونة، هو وابني محمد ذهبا بقناعتهما بعدما شاهداه وسمعا عنه من جرائم يرتكبها النظام السوري ضدّ شعبه". ويتابع "تصريحات المسؤولين الأردنيين التي أدانت مجازر النظام السوري بحق شعبه وأيدت إرادة الشعب، كانت من الأسباب التي حثت ابنيه على الذهاب".
يذكر أن قانون منع الإرهاب الذي أقره مجلس الأمة الأردني في أبريل/نيسان 2014، ودخل حيز التنفيذ مطلع يونيو/حزيران 2014، غلظ العقوبة على الملتحقين أو محاولي الالتحاق بالجماعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية، سواءً داخل المملكة أو خارجها، كما غلظ العقوبات على المتعاطفين مع تلك التنظيمات، ومن يقومون بتجنيد أشخاص للالتحاق بها.
وبناءً على هذا القانون، يحاكم أمام محكمة أمن الدولة قرابة أربعين سلفياً عادوا بإرادتهم بعدما التحقوا بتنظيمات إسلامية متطرفة، سواءً في سورية أو العراق.
من جهة ثانية، ينفي مسؤول أردني عدم سماح السلطات للسلفيين الراغبين في العودة من دخول أراضي المملكة، ويقول لـ"العربي الجديد" إن كل من يصل الحدود يسمح له بالدخول بعد التحقق من هويتهم. ويؤكد المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه "بعد التثبت من أنهم مواطنون أردنيون يحولون إلى الجهات المختصة للتحقيق معهم، من ثم يتم عرضهم على القضاء". ويضيف "نتعامل معهم وفقاً لأحكام القانون وتطبق عليهم العقوبات التي ينص عليها في حال إدانتهم".
ويشير المصدر نفسه إلى حق بلاده في اتباع كافة الإجراءات التي تضمن أمنها وسلامتها، لافتاً إلى التخوفات من تحول العائدين إلى خلايا تعمل لصالح التنظيمات الإرهابية التي شاركت في القتال في صفوفها، ما يجعل خطر تلك التنظيمات على البلاد داخلياً وليس خارجياً كما هو الحال الآن.