مثقّفون ليبيون.. كلام في السياسة

20 يوليو 2015
(عمل لـ الساطور - ليبيا)
+ الخط -
لم يتوقّع أكثر المتشائمين في ليبيا أن تؤول الأوضاع في بلدهم إلى ما آلت إليه. طاولت الحرب أجزاء واسعة من جغرافية البلد. غابت الدولة وظهر شبح اسمه "تنظيم الدولة"، وأخذ يتمدّد في أكثر من مدينة.

وسط هذا المشهد القاتم، تدخّلت الأمم المتّحدة، في محاولة لوقف النزيف، حتى أسفرت الجهود السياسية عن توقيع اتّفاق مبدئي يدفع نحو المصالحة والسلام واقتسام السلطة، في مدينة الصخيرات المغربية. "العربي الجديد" استطلعت آراء عدد من المثقفين حول الموضوع، ولا يخفى منسوب السياسة المرتفع في إجاباتهم.

يعتقد الشاعر كمال الشلبي، وهو أيضاً عضو في مجلس النواب (من النواب المقاطعين للبرلمان المعترف به دولياً)، أن الحوار ضرورة لا غنى عنها لحل الأزمة. لكنه يربط نجاح أيّة مبادرة بوجود تشخيص دقيق للحالة الليبية. ويضيف أن "تشخيص المبعوث الأممي، برناردينو ليون، لم يكن صائباً، لأنه نظر إلى ليبيا ككل واحد، من دون الوقوف على خصوصيات المنطقة الشرقية والغربية والجنوبية".

يقول الشلبي إن ليون انتظر طويلاً، قبل أن يقرّر التوقيع من طرف واحد، وهذا يعقّد المسألة أكثر، لأن إقناع من لم يوقّع بالانضمام إلى المسودة لاحقاً سيربك المسار التحاوري. يضيف بلهجة تشاؤمية "الهدف من التوقيع بالأحرف الأولى، هو تعزيز الثقة بين الأطراف المتصارعة، وهذه خطوة هامّة للدفع بالحوار إلى الأمام، لكن غياب طرف أساسي في مراسم التوقيع، يعني فشل ليون في زرع بذور الثقة بين الفرقاء، وهذا ما يجعل توقيع الصخيرات بمثابة رصاصة الرحمة على الحوار برمّته".

من جهته، يرى الأكاديمي والناشط السياسي، مبروك سلطان، أن ليون لعب دوراً محورياً في الوصول إلى صيغة "متوازنة"، لكنه يعتقد بأن أطراف الحوار لا تقف على أرضية صلبة، بسبب غياب بقية القوى على الأرض، حتّى وإن كان متوقّعاً أن تقبل بأيّ اتفاق يُرضي الجانب الذي يمثّلها. هل ثمّة أيّة بادرة أمل لتوافق في الأفق؟ يجيب سلطان بأن الاتفاق يتطلّب تنازلات من الطرفين من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة، مثل معاداة كلّ من "الكرامة" و"فجر ليبيا" لتنظيم الدولة.

أمّا رئيس تحرير جريدة الناس بمصراتة، عبدالمولى البغدادي، فيبدو أكثر تفاؤلاً بخصوص اتّفاق الصخيرات الذي يصفه بالخطوة الإيجابية التي تُعقد عليه الكثير من الآمال. يعترف البغدادي بأن الوضع ليس مثالياً، لا في الشكل ولا في المضمون، لكنه يعتقد أنه أفضل المتاح حتى الآن: "من المؤكّد أن من كان يراقب الحرب طيلة سنة مضت أو يسعى إلى إنهائها، هو الآن أقلّ فزعاً وإرهاقاً". ويدعو عبدالمولى البغدادي المعارضين السياسيّين إلى تقديم البدائل. أما عامة الناس، من مواطنين ليسوا في دائرة صنع القرار، فيذكّرهم بأن من يتفاوضون في الصخيرات هم من تسبّب في الأزمة.

لا يزال الاتفاق، بحسب الدعيسي، حبراً على ورق بأحرفه الأولى، ولن يُترجم على أرض الواقع بدون تنازلات من الأطراف التي رفضت التوقيع، وما زالت تملك مليشيات مسلحة في غرب البلاد.أمّا الصحافي ناصر الدعيسي، من مدينة درنة التي تشهد حالياً صراعاً بين "داعش" و"القاعدة"، فيقول إن التوقيع يتوّج معاناة طويلة بين مجلس النواب في طبرق والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته في طرابلس، حيث تبدو في الأفق بعض التنازلات مع استمرار التفاوض، واتّضحت مخارج لبعض القضايا الخلافية، خاصة حينما طُرحت المسودة الرابعة، وصلاحيات رئيس الحكومة التي تؤهّله ليكون قائداً أعلى للجيش بدل رئيس مجلس النواب الذي يختصّ بهذا المنصب حالياً في طبرق.

يتطرّق المتحدّث أيضاَ إلى مسألة الجيش الذي يقول إنه أصبح يمثّل رقماً في المعادلة السياسية، مؤكّداً أن الأخير لن يقف مكتوف الأيدي، إذا شعر بخطر على قيادته ووضعه في اللعبة السياسية، وهذا يهدّد بإعادة الوضع إلى المربّع الأوّل.

وبرأي الإعلامي عبدالرحيم العمروني، فإن "حوار الصخيرات هو أصلاً نتيجة إصرار عدم القبول بنتائج صندوق الاقتراع". ويعوّل على الحوار كطريقة للوصول إلى حلّ سلمي، يعيد للدولة هيبتها، ويضع حدّاً لمأساة الشعب الليبي والحروب والتهجير والتدمير والانهيار المؤسساتي والمالي. بالنسبة للعمروني، حقن الدماء أولى من العمليّة الديمقراطية: "الحرب متواصلة، ولم يتمكن أحد من حسم المعركة لصالحه. لتذهب الانتخابات إلى الجحيم، فهي ليست أغلى من دماء وأرواح وأرزاق وكرامة الليبيين".

لعلّ هذه الآراء تعكس رغبة لدى الفرقاء الليبيين في معالجة الوضع المتأزّم في البلاد والجنوح إلى السلم، مهما كان حجم التضحيات. لا أحد يرغب في أن تستمرّ الحرب، جاعلة من الموت خبزاً يومياً يتذوّق مرارته كل بيت ليبي، ومن الشعب الليبي نازحاً داخل وطنه. يتطلّع الجميع إلى السلام والاستقرار، وهم مدركون أنه من الصعب غرس غصن الزيتون في بركة من الدماء.

المساهمون