05 نوفمبر 2024
متى ينتهي الصراع على ليبيا؟
لم تلقَ الدعوات الأممية إلى وقف إطلاق النار آذاناً صاغية لدى الأطراف المتقاتلة في ليبيا، بل اشتدت المعارك وسقط مزيد من الضحايا المدنيين، في وقت ينشغل فيه العالم بأزمة تفشّي فيروس كورونا، والمفترض أن تنشغل الأطراف الليبية وداعموها بسبل التصدّي للفيروس، بدلاً من استمرار الاقتتال والصراع.
المشكلة هي في سعي داعمي طرفي النزاع الخارجيين إلى استمرار الحرب، طالما لم يحقق أي منهما الانتصار والحسم لصالحه، حيث إن التقدّم الذي أحرزته أخيرا قوات حكومة الوفاق، استجلب استنفار الداعمين لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي ادّعى، في خطابه يوم 27 إبريل/نيسان، أنه يحمل تفويضاً من الشعب الليبي لحكم البلاد، وأعلن إسقاط الاتفاق السياسي، الموقّع في 2015 برعاية الأمم المتحدة في الصخيرات المغربية. واستدعى هذا الإعلان ردود فعل دولية رافضة، حيث قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده "لا ترحب بتصريحات قائد الجيش الليبي خليفة حفتر بشأن الحكم الفردي"، في ليبيا، لكنه زعم أن روسيا لا تملك أدواتٍ للتأثير على حفتر حالياً. وأعربت الولايات المتحدة عن أسفها لما قام به حفتر، وكرّرت الدعوة إلى وقف فوري للأعمال العدائية. وأكدت إيطاليا دعمها الكامل والاعتراف بالمؤسسات الليبية الشرعية المعترف بها من المجتمع الدولي، المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. كما رفضت الأمم المتحدة ما أعلنه حفتر. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، إن اتفاق الصخيرات هو الإطار الدولي الوحيد للاعتراف بالوضع الليبي.
ويوضح استمرار المعارك في ليبيا عدم قبول الأطراف المتقاتلة المشاريع والاتفاقيات السياسية
التي كان قد تم التوصل إليها، ورفض كل جهد دولي وإقليمي ترعاه الأمم المتحدة لتمكين الليبيين من الخلاص من وضعهم الكارثي وتقرير مصيرهم، حيث أدار حفتر ظهره إلى ما جرى التوصل إليه في مؤتمرات برلين وموسكو وجنيف وسواها.
وإن كان لا أحد في ليبيا يمتلك الشرعية وحده، ولا يمتلك أي تفويض من الشعب الليبي، فإن أي خطوة انفرادية تبقى بعيدة عن نيل الشرعية الدولية وعن أي تفويض شعبي، وتدخل في هذا الإطار "خريطة الطريق" التي تقدم بها رئيس البرلمان في طبرق، عقيلة صالح، القاضية بتشكيل مجلس رئاسي، بالتوافق أو بالتصويت، بين ممثلي أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، تحت إشراف الأمم المتحدة. ويتخوف ليبيون من أن يصب هذا الطرح في خيار تقسيم ليبيا، والقفز على المعطيات الجغرافية والديموغرافية والاقتصادية، على الرغم من أن ما طرحه جاء تحت يافطة إنهاء الأزمة وإيجاد سبيل للتقارب بين حفتر وحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، لذلك لم تلق خريطته قبولاً لدى الأطراف الليبية، مع أنها تدعو إلى تشكيل لجنة يتم تشكيلها من الخبراء والمثقفين لصياغة دستور ليبي جديد، يجري بعده تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو أمر لا يتماشى مع المعطيات على الأرض.
ودفعت المتغيرات والمواقف الجديدة إلى طرح أسئلة عن مصير الهدنة الإنسانية، وعن ممكنات
السير نحو حل سياسي وفق مخرجات مؤتمر برلين، حيث تبدو الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي غير مكترثة إلا بتأجيج الصراع، فالأوروبيون لا يهمهم سوى توطيد التعاون بينهم من أجل منع تدفق المهاجرين عبر مراقبة الحدود الليبية جواً وبراً وبحراً، والحيلولة دون إدخال أسلحة، إلا التي يرسلونها، وهو ما ترفضه حكومة الوفاق، بينما يستمر الروس في تدخّلهم إلى جانب قوات حفتر عبر مرتزقة فاغنر، والدعم المصري الإماراتي مستمر له. في المقابل، استطاعت تركيا تقديم إسناد كبير لقوات حكومة الوفاق، بعد توقيع مذكرة التفاهم العسكرية معها، وأصبحت قواتها تمتلك القدرة، ليس فقط للدفاع عن طرابلس العاصمة فقط، بل على الهجوم أيضاً.
وتركز حكومة الوفاق، في خطابها، على ضرورة تطبيق هدنة بضمانات دولية، من أجل تفعيل عمل "لجنة 5 + 5"، المنبثقة عن مؤتمر برلين، الذي عقد في فبراير/ شباط الماضي، بغية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وحقيقي، لكن ذلك بعيد المنال في المنظور القريب، إذ على الرغم من أن مؤتمر برلين شكل دفعة للأمم المتحدة ومبعوثها السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، إلا أن فشل وقف إطلاق النار بسبب الانتهاكات المستمرة، وغياب دعم دولي قوي للأمم المتحدة، دفع الرجل إلى مغادرة منصبه بعد عامين ونصف العام من تعيينه، الأمر الذي قدم دليلاً إضافياً على فشل مخرجات مؤتمر برلين التي ركزت على النفط وتقاسم السلطة، ولم تولِ اهتماماً كافياً لمسألة الاقتتال وإراقة الدماء، فضلاً عن تغييب أطراف مهمة وفاعلة في المشهد الليبي.
وإذا كان لدى الأطراف الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي الإرادة والرغبة الفعلية في التوصل إلى حل لإنهاء الصراع، فإنها قادرة على ذلك عبر التوافق على تسوية عادلة تحقق رغبة الليبيين في وقف معاناتهم، وأن تكف عن وضع مصالحها ونفوذها فوق مصالح الليبيين، وهذا ما لا تسعى إليه، لأن مصالحها الجيوسياسية باتت تتجاوز مصالح الليبيين الذين باتوا، مثل السوريين واليمنيين والعراقيين، مجرّد أدوات لصراعات النفوذ والمصالح الدولية والإقليمية، لذلك فإن إنهاء الصراع الدائر في ليبيا منذ سنوات بعيد المنال.
ويوضح استمرار المعارك في ليبيا عدم قبول الأطراف المتقاتلة المشاريع والاتفاقيات السياسية
وإن كان لا أحد في ليبيا يمتلك الشرعية وحده، ولا يمتلك أي تفويض من الشعب الليبي، فإن أي خطوة انفرادية تبقى بعيدة عن نيل الشرعية الدولية وعن أي تفويض شعبي، وتدخل في هذا الإطار "خريطة الطريق" التي تقدم بها رئيس البرلمان في طبرق، عقيلة صالح، القاضية بتشكيل مجلس رئاسي، بالتوافق أو بالتصويت، بين ممثلي أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، تحت إشراف الأمم المتحدة. ويتخوف ليبيون من أن يصب هذا الطرح في خيار تقسيم ليبيا، والقفز على المعطيات الجغرافية والديموغرافية والاقتصادية، على الرغم من أن ما طرحه جاء تحت يافطة إنهاء الأزمة وإيجاد سبيل للتقارب بين حفتر وحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، لذلك لم تلق خريطته قبولاً لدى الأطراف الليبية، مع أنها تدعو إلى تشكيل لجنة يتم تشكيلها من الخبراء والمثقفين لصياغة دستور ليبي جديد، يجري بعده تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو أمر لا يتماشى مع المعطيات على الأرض.
ودفعت المتغيرات والمواقف الجديدة إلى طرح أسئلة عن مصير الهدنة الإنسانية، وعن ممكنات
وتركز حكومة الوفاق، في خطابها، على ضرورة تطبيق هدنة بضمانات دولية، من أجل تفعيل عمل "لجنة 5 + 5"، المنبثقة عن مؤتمر برلين، الذي عقد في فبراير/ شباط الماضي، بغية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وحقيقي، لكن ذلك بعيد المنال في المنظور القريب، إذ على الرغم من أن مؤتمر برلين شكل دفعة للأمم المتحدة ومبعوثها السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، إلا أن فشل وقف إطلاق النار بسبب الانتهاكات المستمرة، وغياب دعم دولي قوي للأمم المتحدة، دفع الرجل إلى مغادرة منصبه بعد عامين ونصف العام من تعيينه، الأمر الذي قدم دليلاً إضافياً على فشل مخرجات مؤتمر برلين التي ركزت على النفط وتقاسم السلطة، ولم تولِ اهتماماً كافياً لمسألة الاقتتال وإراقة الدماء، فضلاً عن تغييب أطراف مهمة وفاعلة في المشهد الليبي.
وإذا كان لدى الأطراف الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي الإرادة والرغبة الفعلية في التوصل إلى حل لإنهاء الصراع، فإنها قادرة على ذلك عبر التوافق على تسوية عادلة تحقق رغبة الليبيين في وقف معاناتهم، وأن تكف عن وضع مصالحها ونفوذها فوق مصالح الليبيين، وهذا ما لا تسعى إليه، لأن مصالحها الجيوسياسية باتت تتجاوز مصالح الليبيين الذين باتوا، مثل السوريين واليمنيين والعراقيين، مجرّد أدوات لصراعات النفوذ والمصالح الدولية والإقليمية، لذلك فإن إنهاء الصراع الدائر في ليبيا منذ سنوات بعيد المنال.