متى يحطّم علاء الدين فانوسه؟

08 نوفمبر 2016

علينا أن نتخلص من علاء الدين وفانوسه (Getty)

+ الخط -
هل يحق لنا، نحن العرب، أن نكون أكثر من "حديقة أساطير" في نظر الغرب؟ هو سؤالٌ ممضّ يتجدّد، في كل مرحلة تحول عربية تنتهي بانتكاسةٍ مريرة، حين يخفق جنيّ الفانوس في تلبية حلم جديد من أحلام علاء الدين الذي لا يزال مقتنعاً بالمعجزات والخوارق.
وفي المقابل، يسترخي الغرب على مقاعده المخملية، يراقب عن بعد كل مغامرةٍ جديدةٍ في "حديقة الأساطير"، يشرب الجعة، ويقرمش "البوشار"، متلذذاً بهذا العالم الغامض الذي اكتشفه ذات ليلة من "ألف ليلة وليلة"، فاستهوته تلك المغامرات، حتى باتت جزءًا، ليس من ملذاته الترفيهية وحسب، بل دخلت أساساً عضوياً في ملذاته السياسية أيضاً، حين بدأ التدخل في رسم مآلات الأسطورة على النحو الذي يشتهيه، لتبقى الأسطورة أسطورةً، حتى وإن امتزجت بالدماء والنفط، واختراع مزيدٍ من الطغاة واللصوص.
تلذّذ الغرب بمغارة السمسم، فسطا على كلمة السر التي فتحت له مغاليق النهب والسطو على مصراعيها، من هذا العالم السحري، بتواطؤ أزيد من "عشرين حراميّاً"، كانوا يعرفون جيداً أن أدوارهم لا تتعدّى ترفيه أسيادهم في مقابل الاحتفاظ بكراسيهم. وتلذّذ الغرب بتقسيم الحديقة السحرية، وتفتيتها، على النحو الذي يحفظ مصالحه، ومنح كل قطعة علماً وزعيماً وعبيداً، كي يسرف على نفسه بمزيدٍ من الإثارة والتشويق، وهو يرى أبشع مشاهد الطغيان واستلاب الحريات وقتل الإرادات في مهدها، لتطول الحكاياتُ إلى مليون ليلة وليلة، لا يصيح فيها ديك، ولا يتسلل خيط واهن من الأمل إلى زنازينها المصمتة.
غير أن لذة المشاهدة كان يشوبها ما ينغّصها أحياناً، إذا تعلق الأمر بتجاوز سقف الفانوس، ومن ذلك ثورات الربيع العربي التي هدّدت حديقة الأساطير بالتحول إلى واقعٍ يشبه الحديقة الغربية ذاتها، فثارت ثائرة الغرب، واضطر أن يستخدم كل أشكال دهائه السياسي لإعادة المارد إلى الفانوس، وهو ما نجح فيه، أيضاً بفضل تواطؤ منظومة الاستبداد من داخل الحديقة السحرية ذاتها، حتى إذا اطمأن إلى عودة المارد، رجع إلى مقاعده، وراح يشاهد تداعيات "الربيع" السحرية، في البلاد التي تجرأت على التمرّد، ليتلذذ من جديد بمشاهد القمع والتنكيل والذبح، مع تدخلٍ هنا وهناك أحياناً، لتأجيج الفتن والصراعات، من دون اكتراثٍ بمجاميع الضحايا الذين يسقطون يومياً، على اعتبار أن الجثث في "حديقتنا" سحرية، تضفي على المشهد مزيداً من المتعة والإثارة للمشاهد الغربي.
ولمّا داخل المشاهد الغربي بعض الملل، سطا على الفانوس كله، وحشا فيه الأقزام من الحكام، الذين باتوا مهيئين لتلبية أوامره ونواهيه ورغباته، بحكةٍ بسيطةٍ على الفانوس، أو بإشارةٍ من بعيد، وأحياناً بركلةٍ على المؤخرة، رغبة من المشاهد في مزج الأسطورة بالواقع، وإضفاء الدهشة على هذه الحديقة السحرية التي غدت محميّة صناعية يرسم حدودها كيف يشاء، ويتحكّم بكائناتها في أوقات فراغه.
في مقابل هذا وذاك، يتحمل علاء الدين قسطاً من المسؤولية، لأنه ارتضى لنفسه أن يظلّ دائراً في فلك الأسطورة التي اخترعها له أجداده، ورسّخها فيه خصومه، فعلاء ما يزال مؤمناً بأن التغيير الذي ينشده لن يتحقق بغير معجزةٍ عاجلة، تأتيه بدقائق معدودات، على يد جنيّ خارق، ولا حاجة، إذن، لإعمال العقل وبذل الجهد ومقاومة الطغاة، وإذا يئس تماماً، أوكل أمره للمعجزات السماوية، بانتظار جلطةٍ ربانيةٍ تطيح الزعيم والعدو معاً، أما التمدّن واللحاق بركب العصر، فلن يحتاج، هو الآخر، أكثر من معجزةٍ مماثلةٍ لا بدّ وأن تتحقق، لأن الدين نفسه، بالنسبة لعلاء الدين، أصبح قائماً على الأسطورة، أيضاً، ما دام ثمّة "مهدي منتظر" سيأتي ليخلص البلاد والعباد من مآزقهم.
هذا ما تفرضه شروط الأسطورة علينا، ما دمنا متمسكين بها.. وإلى أن نغادر "الحديقة السحرية".. ربما صار علينا أن نتخلص من علاء الدين وفانوسه معاً.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.