متفائل رغم أنف الثورات المضادة

03 يناير 2015

من أجواء انتخابات الرئاسة التونسية (23 ديسمبر/2014/ الأناضول)

+ الخط -

كلما تأملت ما حدث خلال ما تم في أربع سنوات، هي عمر الربيع العربي بحلوه ومرّه وخياناته، وكل ما حدث فيه، أجد نفسي في قمة التفاؤل، على الرغم من عدم ترحيبي بذلك على طول الخط، وذلك للخسارات والدماء في صفوف الثوّار في الشوارع والميادين، وتوهم بعضهم أن الماضي سيعود، كما يحلو لهم ثانية ولأذنابهم. ولكن، هيهات، حتى وإن اجتمع العالم كله معهم، بجنه وشياطينه، فعجلة الشعوب، تحت أي نكوص كان، لا تعود إلى الوراء، حتى وإن تحطمت تلك العجلة واستشهد راكبها، سيخلق من بدن هذا الشعب شخص آخر، يحيي أمل الأول، وهكذا دواليك حتى ينتهي العالم، أو لا ينتهي، فأسراب السلمون بالملايين تأكلها الدببة في أعالي البحار. وعلى الرغم من ذلك، تضع السمكة خمسة آلاف بويضة، ولا الدببة كفت عن الجوع والنهم، ولا السلمون كفّ عن ملء البحر البارد بالخير والحياة والأمل. وكل هذه الديباجة الفلسفية للأمل لا تخصني وحدي، بل تخص الفلسفة أيضاً، وحكمة الوجود ونشأة العالم من العدم إلى الدخول في مهرجان الحياة الذي هو نقيض تام للقتل والفناء، وهما حيلة الضعيف، من قابيل إلى ما شاء الله، فما بالك ونحن ما زلنا نحيا بالعناد والأمل؟

حينما أنظر إلى الوراء، أربع سنوات فقط، أرى شيئا عجيبا، شيئاً يفرحني، ويجعلني أقرب للأمل من اليأس، وخصوصاً حينما أحسب محصلة الفرح، فرح الشعوب العربية خلال سنة فقط من عمر ثورتها، وهي تعطي لخمسة حكّام عرب خمسة كفوف ساخنة، وتزيحهم عن عروشهم في سابقةٍ، لم يمر بها العرب في كامل عصورهم، ولا حتى العالم كله في مثل هذا الوقت القصير والقدري، وكأن قدر السماء كان معهم (شيء مدهش نقيض نظرية التآمر التي حاكها أصحاب النظريات، وبعد ذلك، تآمروا وكان على قلوبهم كشراب العنب).
ما زلت أتأمل ذلك باندهاش وفرح، مهما حاولوا في تقليل حجم هذا الفرح وتصغيره. ما زلت أرى بن علي بعد ربع قرن فوق الكرسي، وقد ركب طائرته وهرب، وما زلت ترن داخلي بحّة صوت ذلك الرجل التونسي وجنونه، وهو يعلن الهرب، وينادي على أمل تونس وحيداً، وبن علي هرب، كشاة كانت ترعى في غير مرعاها، بعدما رأت عيون صاحب الحقل قادمة، أما حسني مبارك، بنصف عين مكسورة ونصف عين أخرى تتأمل المشهد بروح ذئب عجوز خلعت أنيابه، وقد تمدد تحت غطاء فوق سرير متحرك أمام عيون العالم، بعد غباء وتنطع ثلاثين سنة، أظن أن هذا المشهد وحده لو تم في غابة لصار درساً قاسياً لغباء النمور القاسية، مع أن النمور حاشاها أن تكون غبية، وللأسف، يرث كل زبدة الغباء حكامنا.
أما القذافي، فلا شماتة في قتل، ولا فرح في تمثيل بجثة كائن، أي كائن، فقط قطع أصبع ابنه الذي طالما لوح به للشعب، محذراً إياهم من الجوع. كان وحده كفيلاً بتربية أولاد الحكّام في عالمنا العربي وتعليمهم، أن احذروا نهاية شهوة الملك، حينما يكون الملك قريباً من أسرتكم وذهبكم وسياراتكم وخليلاتكم وبساتينكم، وفقط تمتعوا بنعمة وجودكم الخاص وإنجازكم الخاص وعرقكم الخاص، ولكن، دائماً الذئاب الصغيرة لا تتعلم من الحكمة، أقالتها الكتب أم سنتها الشعوب.
أما علي عبد الله صالح، فيكفيه احتراق جلده ولم تنفعه ملايينه ولا أسلحته، ولولا مراهم السعودية وحقنها، لكان في مكان آخر. وأخيراً، انضم إلى باقي الأحبة يحاول، ولكن هيهات، فهل عادت، ثانية، المياه إلى سد مأرب، وهل سليمان زوج بلقيس عاد له ملك بعدما نخرت عصاته؟
يبقى ابن الأسد: معلق بمشيمة روسيا، والشعب الروسي، هو الآخر، على أعتاب الأمل. وكما يقول الناس: الحبل على الجرّار طويل.