متعة محتلة.. تشكيليون فلسطينيون في نيويورك


24 ابريل 2014
"حصار ثقافي" لـ محمد مسلّم
+ الخط -

في شارع هادئ، بعيداً عن صخب مانهاتن المعتاد، خلف باب زجاجي أسود، يفاجئك عند الدخول إلى مركز "وايت بوكس" (Whitebox) للفنون "فراغ" القاعة، وتشتت الأعمال المعروضة. جدران عالية بيضاء اللون تنتشر إضاءة النيون في زواياها التي احتضنت خمسة عشر عملاً لفنانين تشكيليين فلسطينيين من فلسطين المحتلة والشتات تحت عنوان "كم كان واديّ أخضر!".

حالما يبدأ الزائر جولته تخف وطأة الشعور بالفراغ الذي يولده حجم المكان و"جغرافيا" العرض. فتطالعه أعمال تجريبية في غالبها، تتوزع بين تصوير فوتوغرافي وفيديو وتجهيز ورسم. يعبّر كل من الفنانين الخمسة عشر عن أحد معاني الاحتلال والتشتت في حياة الفلسطينيين، تارة بشكل مباشر وشخصي وتارة بشكل رمزي واستعاري. فتجد ثيمات كالبيئة وتدميرها، و"التمدن"، والاعتقال، والحدود والانتظار بشتى تأثيراتها على الحياة اليومية للفلسطينيين أينما كانوا.

تحاول تانيا حبجوقة في سلسة صور فوتوغرافية بعنوان "متعة محتلة" التقاط لحظات في حياة أشخاص عاديين في فلسطين يصرون على "التمتع" بالحياة والتعبير عن إنسانيتهم رغم أنف الاحتلال المستمر منذ أكثر من ستة وخمسين عاماً. ففي إحدى الصور، أب يلعب مع أطفاله أمام حطام بيت يبدو أنه منزله، ما يُشعِر الناظر أن الدمار أمر عادي وأن الاستثناء هو القاعدة بالنسبة للفلسطيني تحت الاحتلال.

في صورة ثانية نرى ثلاثة أطفال يلعبون في بركة سباحة بلاستيكية صغيرة تحت شجرة زيتون. وغياب الحضور المباشر للاحتلال عن المشهد لا يعني غيابه للمتأمل في الصورة. فمن يتابع الأخبار سيستحضر صورة المستوطنين الذين يهاجمون حقول الزيتون. وبالتالي، يبدو هؤلاء الأطفال وكأنهم يسرقون المتعة حتى إشعار آخر.

 

أما محمد مسلّم (غزّة) فيلتقط في "حصار ثقافي" صورة برغي سميك ونظيف يخترق برتقالة صفراء، ما زالت معلقة على الشجرة، محاطة بأوراق خضراء. وتحيلنا البرتقالة المطعونة إلى "أرض البرتقال الحزين" بالطبع وإلى "الحداثة" التي تحاصرها وتصادرها وتستنزفها إلى آخر قطرة.

وفي عمله الموسوم "عبور" يوثق تيسير البطنيجي (غزة) في سلسلة صور ملتقطة من زوايا غريبة ومضببة أو باهتة عمداً، ساعات الانتظار التي يمضيها الفلسطينيون بانتظار تصاريح الدخول والخروج بين قطاع غزة ومصر، والتي قضاها هو نفسه في رحلة التصوير السرّي. وتعرض الصور تباعاً على شاشة ويرافق تغييرها صوت تغيير الشرائح.

من جهتها، تستخدم رنا بشارة (ترشيحا) عدداً كبيراً من السلاسل البلاستيكية التي تستخدمها قوات الاحتلال لتكبيل معاصم الفلسطينيين عند اعتقالهم. وتنسج منها شبكة كبيرة الحجم ثنائية الأبعاد معلّقة على جدار. ويحيلنا العمل إلى محنة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ويستحضر معاناتهم.

طغى الطرح المباشر على الكثير من الأعمال. وقد يبدو هذا الطرح مهماً للوصول إلى قلب الزائر الأميركي لهذا المعرض النيويوركي، إذ يريه حيوات الفلسطينيين أو جوانب منها، بحلوها ومرها. لكن الإفراط في المباشرة قد يؤدي أحياناً إلى مساومة يدفع ضريبتها الفني لصالح السياسي.

تبقى إشارة أخيرة إلى أن المعرض نُظّم بالتعاون بين مركز "وايت بوكس" ومؤسسة "Art Palestine International" وقيّمة المعرض ماري إفنجليستا. أما الفنانون المشاركون فهُم: محمد أبو سل، طارق الغصين، محمد الحواجري، يوسف عوده، سميرة بدران، تيسير البطنيجي، رنا بشارة، هيثم النصر، تانيا حابجوقه، وفاء حوراني، جيفار الخالدي، محمد مسلم، لاريسا صنصور، عامر الشوملي وماري توما.


 
_____________________

يستمر المعرض حتّى 27 نيسان/ أبريل 2014

Whitebox Art Center - 329 Broome St #1, New York, NY 10002

المساهمون