تتفاقم ظاهرة استهلاك المخدرات بمختلف أنواعها في الأوساط الشبابية في تونس، لا سيما القنب الهندي المعروف باسم "الزطلة". وهو ما يثير انتقادات واسعة في المجتمع، مع مطالبات مستمرة بتطويق الظاهرة، ومراعاة البعدين العلاجي والوقائي، والبعدين الجزائي والقانوني من خلال مراجعة سلم العقوبات.
تكشف الإحصاءات الرسمية عن إحالة 12 ألف تونسي على القضاء عام 2014 بسبب تعاطيهم "الزطلة". معظم هؤلاء من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 عاماً و35. وتشير إحصاءات وزارتي الداخلية والعدل إلى أنّ نسبة الإدمان على المخدرات في تونس ارتفعت بنسبة 70 في المائة خلال السنوات الأخيرة. بينما لوحظ أنّ 30 في المائة من الفتيات في تونس يدمنّ المخدرات.
كما يؤكد بحث تجريبي أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي حول تعاطي التدخين والكحول والمخدرات داخل المؤسسات التربوية في ولاية تونس العاصمة لعام 2013 أنّ 11.6 في المائة من التلاميذ جربوا مواد مخدرة، وأنّ 50 في المائة من تلاميذ الولاية استهلكوا مواد مخدرة أو كحولية أو سجائر. من بين هؤلاء 61.1 في المائة من الذكور، و38.9 في المائة من الإناث.
من جهته، يؤكد رئيس "الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات" عبد المجيد الزحاف لـ"العربي الجديد" أنّ العدد الهائل من الطلبات التي يتلقاها مركز الجمعية لتوفير العلاج يعكس حجم المشكلة وانتشارها. لكنّ المركز يعاني من طاقة استيعاب محدودة فضلاً عن بعض المشاكل الأخرى بسبب ضعف الموارد المالية، ما يهدده بالإقفال اليوم. وعن أسباب تفاقم الظاهرة، يؤكد الزحّاف أنّ "السبب الرئيسي يكمن في توفر المادة في الشوارع بسبب الانفلات الأمني".
بدورهم، يدعو حقوقيون ومحامون ونشطاء في المجتمع المدني إلى ضرورة تنقيح القانون رقم 52 المتعلّق بالمخدرات، وذلك بسبب ارتفاع عدد الموقوفين سنوياً نتيجة التعاطي لا سيما من فئة الشباب. يؤكد هؤلاء أنّ القانون لم يأت بنتائج إيجابية على مستوى تخفيض عدد المستهلكين. وهو القانون الذي يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام، وبغرامة مالية لكلّ من تعاطى شخصياً من دون ترويج، نباتاً أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانوناً. كما ينصّ على أنّه يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية كلّ من تردد على مكان مجهز لتعاطي المخدرات ويجري فيه تعاطيها مع علمه بذلك، حتى وإن لم يتعاط بدوره.
كما يعاقب بالسجن من 6 أعوام إلى 10 وبغرامة مالية كلّ من قام بأعمال الزراعة أو الحصاد أو الإنتاج أو الملكية أو العرض أو النقل أو التوسط أو الشراء أو الإحالة أو التسليم أو التوزيع أو الاستخراج أو التصنيع للمواد المخدرة بنية الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانوناً. كما يعاقب بالسجن من 10 أعوام إلى 20 عاماً وبغرامة مالية كلّ من هرّب أو صدّر أو استورد مادة مخدرة بنية الترويج أو الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانوناً.
لكنّ تسليط العقوبات خصوصاً على المستهليكن ترفضه منظمات حقوقية ومحامون، ويطالبون منذ سنوات بضرورة تنقيح القانون وتخفيف العقوبات على المتعاطين باعتبارهم ضحايا لا مذنبين.
تؤكد منظمة "هيومن رايتس ووتش" لـ"العربي الجديد" على ضرورة عدم تجريم استهلاك المخدرات الخفيفة أي "الزطلة". وتستند في ذلك إلى الدراسات المقارنة في العديد من الدول التي أثبتت أنّ اللجوء إلى السياسة الردعية يؤدي إلى نتائج سلبية من دون الحد من الظاهرة. تقول مديرة مكتب المنظمة في تونس منة قلالي: "توجد طرق أخرى يمكن انتهاجها على غرار السياسة التوعوية. لأنّ عقوبة السجن خصوصاً للمبتدئين في الاستهلاك تمثل خطراً كبيراً عليهم مع تعريضهم للاحتكاك بأنواع مختلفة من السجناء".
من جهتها، استجابت وزارة العدل التونسية للمطالب وأعدت قانوناً عرض على البرلمان للمصادقة عليه. لكن، في المقابل تعالت أصوات رافضة لمبدأ التخفيف من العقوبة باعتبار تعديل القانون يفتح الباب على مصراعيه لتزايد الاستهلاك. كما ندد آخرون بفحوى مشروع القانون الجديد بعد التسريبات التي أشارت إلى عدم إلغاء عقوبة السجن للمستهلكين المبتدئين (أول مرة). في هذا الإطار، يؤكد المحامي غازي مرابط لـ"العربي الجديد" أنّ القانون الجديد سيبقي على العقوبة بالسجن لمدّة 5 سنوات للمتعاطي مع منح سلطة تقديرية للقاضي. يتابع: "السياسة العقابية ستبقى. أما منح السلطة التقديرية للقاضي فهو خطوة إيجابية، لكنها غير كافية".
اقرأ أيضاً: سياحة تونسيّة داخليّة لتحدّي الإرهاب