متسوّلو تركيا... انتحال صفة السوريين لكسب المال

15 ديسمبر 2017
من يحمي طفولتها في الشارع؟ (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

الفقر ليس السبب الوحيد لانتشار التسوّل في تركيا، خصوصاً مع تزايد نسبة اللاجئين السوريين في البلاد. اللافت أن التسوّل تحوّل إلى مهنة تدرّ ربحاً معقولاً. وتسعى الحكومة التركية إلى نقل الأطفال إلى مخيمات، تمهيداً لإعادتهم إلى المدارس وضمان مستقبل جيد لهم.

"ما هو الحل؟ لدي ثلاث بنات وزوج مُقعد أصيب خلال الحرب، وما من معيل لنا غير الله، إضافة إلى 500 ليرة تركية (نحو 130 دولاراً) معونة، علماً أن بدل إيجار البيت هو 800 ليرة (نحو 208 دولارات)، عدا عن الفواتير الأخرى. ماذا أفعل؟". تسأل أم سامي الحلبية (اسم مستعار)، هي التي تبيع المناديل والجوارب أمام مطعم مندي حضرموت وسط إسطنبول. تضيف: "يلاحقون المتسوّلين، لكنني لا أتسوّل. هذا عمل. أنا بائعة جوالة، لكنّهم يلاحقونني. وكلّما جاءت دورية شرطة، أختبئ وابنتي في المطعم من دون أن يتذمّر صاحبه، بل إنه يقدم لي ولابنتي وجبتين بالمجّان يومياً".

معظم السوريين الذين كانوا يتسوّلون في شوارع إسطنبول غيّروا أسلوب عملهم. ترى طفلة تبيع السكاكر، وآخر يبيع المناديل. ويدخل آخرون المطاعم والمقاهي للتسوّل أو بيع لزوم ما لا يلزم.

مؤخراً، أعلنت السلطات التركية أنها ستنقل السوريين المتسوّلين في المدن إلى مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء المؤقتة، وإن كانت لم تبدأ التطبيق. إلا أن هذا الإعلان أرعب المتسوّلين، إذ أن الحياة في المخيمات تختلف كثيراً عن أضواء إسطنبول وشواطئ أنطاليا. والتحذير التركي الذي صدر مؤخّراً، بحسب كُتيّب مشروع موازنة إدارة الهجرة التركية لعام 2018، لم يشمل المتسوّلين فقط، بل المشردين أيضاً الذين ينامون على الأرصفة وفي الحدائق العامة. وتضمّن كتيب مشروع الموازنة أن تشرف "دائرة التكامل والاتصالات" على تأسيس قناة "الهجرة" التي ستبث عبر الانترنت بهدف توعية الأجانب المقيمين في تركيا، وسيقدّم الموقع الإلكتروني لإدارة الهجرة التركية خدماته باللغات الألمانية والروسية والإسبانية والفرنسية والإيطالية والبلغارية واليونانية، إضافة إلى اللغتين العربية والفارسية.


يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار السوريين في تركيا، غزوان قرنفل: "لكلّ دولة الحق في تطبيق القانون على أرضها وعلى كل من هو مقيم فيها، سواء أكان مواطناً أو لاجئاً أو زائراً، وهذا جزء من أعمال السيادة. ويأتي القرار ضمن هذا المفهوم، إذ أن التسوّل في حد ذاته جريمة تستوجب المساءلة والعقاب، لكن السلطات هنا لم تنحُ منحى العقاب بقدر ما تسعى في قرارها إلى معالجة الأسباب التي تجبر هؤلاء على التسوّل. هي ترى أن هذا يؤمن لهم المأوى والتعليم والرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية للعيش بكرامة".

وفي حال لم يستجب البعض واستمر بالتسوّل، ماذا يمكن أن تفعل تركيا من الناحية القانونية؟ يوضح قرنفل لـ "العربي الجديد": "في حال إصرار بعض الذين يتخذون من التسوّل مهنة للارتزاق على الاستمرار، فإنهم بذلك يخالفون القانون ويرتكبون فعلاً يعد جريمة يعاقب عليها وتستوجب الترحيل عن أراضي الدولة، بحسب قانون الحماية الثانوية الذي يخضع له معظم السوريين في تركيا". ويصف القرار التركي بـ "الناضج، والذي يصب في الاتجاه الصحيح خصوصاً أن تلك الظاهرة تحولت إلى مهنة، تدر دخلاً جيداً". ويشير إلى أنه على الأرجح سيبدأ تنفيذ القرار مطلع العام المقبل.

ألا تتحمل تركيا مسؤولية تأمين عمل أو دخل للسوريين خصوصاً أنهم لاجئون على أراضيها؟ يجيب قرنفل أن "مجرد تأمينها لملاذ للعيش وخدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والحاجات الأساسية أكثر من كاف، وما قدمته تركيا للسوريين لا تفعله دول كثيرة أكثر غنى من تركيا".

أمام مقهى "كاتشي نت" في منطقة تقسيم في إسطنبول، صادفنا شابة تتسوّل بطريقة تثير الشفقة والاستفزاز في آن. كانت تقول إن أهلها ماتوا خلال الحرب في سورية، علماً أن لهجتها ليست سورية. ولدى سؤالها عن موطنها، قالت إنها من حمص. طلبنا منها تحديد المنطقة، فأجابت "أبو عمر". تقصدين بابا عمرو؟



في تركيا، يتسوّل كثيرون باسم السوريين. ونشرت وسائل الإعلام قصصاً كثيرة تشير إلى استغلال أوضاع السوريين، سواء خلال الهجرة واللجوء، أو خلال استعطاف الناس والتسوّل. ولعلّ ما قاله والي مدينة إسطنبول التركية، واصب شاهين، في مايو/ أيار الفائت بعد دراسات وتقصٍ، دليل على ما سبق. وأكد أن معظم المتسوّلين المنتشرين على طرقات المدينة، خصوصاً الأطفال، ليسوا لاجئين سوريين، مؤكّداً أن الدولة التركية فتحت أحضانها لهؤلاء اللاجئين، وبالتالي ينبغي عدم تحميلهم أوزار الآخرين. أضاف أن معظم المتسوّلين في إسطنبول ليسوا من اللاجئين السوريين "في الحقيقة، اكتشفنا لاحقاً أنهم مواطنون أتراك. كما أن عدد اللاجئين الذين يزعجون الناس في الطرقات ويظهرون بصورة سيئة أو يرتكبون الجرائم، يصل إلى 10 آلاف كحد أقصى من أصل 600 ألف لاجئ يقيمون في المدينة".

ويلفت الوالي إلى ضرورة عدم تحميل اللاجئين السوريين في عموم البلاد أخطاء وأوزار الآخرين، إذا هم ليسوا مسؤولين عنها أصلاً، مضيفاً: "نحن كدولة فتحنا أحضاننا لهم، وهم يستفيدون من هذه الخيرات". ويوضح أن عدد السوريين في عموم تركيا يقدر بنحو ثلاثة ملايين شخص، ويصل عددهم في إسطنبول إلى نحو 600 ألف، وهم يتمتعون بالحق في التعليم والسكن والأمن والغذاء.

وما زالت حلقة معالجة مشكلة المتسوّلين السوريين مفقودة. ففي وقت نسمع عن تحركات الحكومة التركية، لم يصدر أي تصريح لمسؤول سوري، سواء في الائتلاف الوطني المعارض في إسطنبول، أو الحكومة المؤقتة في غازي عنتاب، رغم أن الحكومة السورية المؤقتة، ومنذ عام 2014، كانت قد أعلنت أنها ستعمل بالتنسيق مع الحكومة التركية لنقل المتسوّلين في شوراع تركيا إلى منطقة آمنة داخل سورية، على مقربة من الحدود مع تركيا.

وفي اتصال لـ"العربي الجديد" بمسؤول كبير في المعارضة السورية في إسطنبول، فقال: "للأسف، ليس في إمكان الائتلاف ولا الحكومة المؤقتة فعل أي شيء في ما خص هذا الموضوع". وتمنى عدم ذكر اسمه.