سنة 2005 جمع الطبيب الفلسطيني محمد الخطيب، الذي يقطن في مخيم شاتيلا ببيروت، قطعاً وأدوات تراثية فلسطينيّة بهدف افتتاح معرض دائم داخل المخيم، يذكّر من خلاله الفلسطينيين بتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم.
"العربي الجديد" تحدّث إلى الخطيب عن فكرة المعرض، الذي شرح أنّه لم يجمع هذه الأدوات "من باب الهواية والتسلية، بل لأنّني وجدت فيها ضرورة في حياة كل فلسطيني"، مشيراً إلى أنّه "يجب على كل فلسطيني أن يعمل أيّ شيء قادر عليه من أجل فلسطين".
قبل الخوض في الحديث عن الآثار، روى لنا الخطيب حلم طفولته: "منذ أن كنت في الرابعة من عمري، وأنا أحلم بالعودة إلى فلسطين. وكانت المرّة الأولى التي أسمع بها بكلمات "فلسطين"، "بلدتي الخالصة"، "احتلال"، ومنذ ذلك الوقت، وأنا أطلب من والدتي أن تعيدني إلى بيتنا في فلسطين".
وأضاف الطبيب، أنّ فكرة العودة لم تأتِ من فراغ. "عند خروج أهلي من فلسطين، سكنوا في بلدة حبوش قرب النبطية في جنوب لبنان. كنت ألعب مع ثلاثة أطفال قرب المنزل، فقال أحدهم: "أنا ذاهب إلى حقلنا". وما هي إلاّ دقائق، حتّى ذهب وتبعه الآخرون فرحين. عندها شعرت بالوحدة وتملّكني حزن شديد. لا يزال هذا المكان في ذهني وأحياناً أذهب لزيارته".
وتابع: "عدت في ذلك اليوم إلى البيت وشاهدتني والدتي حزيناً، فسألتني عن السبب. فبادرتها بالسؤال: "لماذا لدى أصدقائي حقل وأنا لا؟ فبكت والدتي بشدّة. اعتقدتُ يومها أنّني سبب بكائها. وبعد قليل، أخبرتني أنّه لدينا حقول في بلدتنا، الخالصة، في فلسطين. عندها أمسكت يدها وقلت لها: هيا نذهب إلى فلسطين. فأخبرتني أنّ المحتلّين سيقتلوننا إذا ذهبنا. لم أستوعب أنّ لدينا وطناً وأرضاً لا نستطيع الذهاب إليهما".
علم والده بالأمر، فقال له: "عندما تدرس وتنجح ستذهب إلى الخالصة". كان هذا الوعد حافزاً للتعلّم وأصبح طبيباً. لكن عندما كبر، علم أنّ والده كان يشجعه على العلم "ولم نعد إلى بلدتنا في فلسطين".
أما عن فكرة المتحف التراثي فيشرح الخطيب، أنّه مع مرور الأيام، كانت تكبر معه فكرة العودة إلى فلسطين، وأصبح لديه شعور أنّ العالم كله متآمر عليه، لأنّه يحرمه من حقّه في العودة إلى أرضه. فقام بافتتاح قاعة للقاء حواري وأهداه شقيقه ثلاثة تماثيل صغيرة لنسوة فلسطينيات بالزيّ التراثي الفلسطيني، فأبرزهم في مدخل القاعة. ولاحظ فيما بعد أنّ كل من يدخل إلى القاعة يلتفت إلى التماثيل، فعلم منهم أنّها تعيدهم بالذاكرة إلى فلسطين، واقتنع بأنّ شعبه يحنّ إلى الماضي. لهذا قررّ إنشاء معرض تراثي فلسطيني في القاعة.
بدأ بالبحث عن أدوات وأوانٍ فلسطينية تراثية. سأل إحدى عجائز المخيم وأخبرته أنّها تملك طاستيْن من فلسطين وقدّمتهما له من دون أيّ بدل ماليّ. بعدها لجأ إلى الأصدقاء والجيران، يسألهم عمّا يملكون، وإذا كان باستطاعتهم الاستغناء عن بعض الأدوات، فجمع قدر ما استطاع منها مقابل مبالغ ماليّة معقولة، ومنها ما تبرّع بها مالكوها مجّاناً.
معظم الأدوات الموجودة في المعرض استُخدمت في فلسطين بين عامي 1948 و1951. ويعود السبب إلى أنّه خلال النكبة، كان سكّان بعض قرى الجليل، الذين نزحوا إلى جنوب لبنان، يعودون ليلاً إلى مناطقهم لإحضار بعض الأدوات التي يحتاجونها، بحكم أنّ الإسرائيليين كانوا يغادرون تلك القرى ليلاً خوفاً من هجمات المقاتلين.
لكن هناك بعض الأدوات لم يتم إحضارها من فلسطين، بل من السوق المحلي داخل المخيّم أو من بعض الفلسطينيين، إلاّ أنّها كانت شبيهة بتلك التي كانت تُستخدم هناك.
يملك الدكتور في متحفه سفينة صُنعت عام 1935 ومجسّماً لمنزل أحد سكّان المخيم، لكن في فلسطين، قبل نزوحه إلى لبنان. ويلقي الطبيب اللوم على المؤسسات الفلسطينية التي لم تولِ المتحف أيّ اهتمام، أو لفتة منها لتقدير هذا العمل التراثي الذي أنعش قلب كلّ الفلسطينيين الموجودين في المخيّم أملاً وروحاً.
يشير الدكتور أيضاً إلى أنّ "هذه المؤسسات لم توجّه حتّى زائري المخيم، من وفود أجنبية لمشاهدة المتحف، بل يقتصر عملهم دائماً على توجيه الزائرين ودفعهم إلى زيارة أكثر المناطق التي يملؤها البؤس والحرمان، ليرى العالم دائماً الوجه الحزين واليائس من فلسطين، علّهم بذلك يحزنون ويشفقون علينا، ولم يعمدوا يوماً إلى إبراز صورة المخيّم الحضاريّة والفنيّة، خصوصاً لما يحتويه هذا المتحف من جمال وآثار معبّرة".
"العربي الجديد" تحدّث إلى الخطيب عن فكرة المعرض، الذي شرح أنّه لم يجمع هذه الأدوات "من باب الهواية والتسلية، بل لأنّني وجدت فيها ضرورة في حياة كل فلسطيني"، مشيراً إلى أنّه "يجب على كل فلسطيني أن يعمل أيّ شيء قادر عليه من أجل فلسطين".
قبل الخوض في الحديث عن الآثار، روى لنا الخطيب حلم طفولته: "منذ أن كنت في الرابعة من عمري، وأنا أحلم بالعودة إلى فلسطين. وكانت المرّة الأولى التي أسمع بها بكلمات "فلسطين"، "بلدتي الخالصة"، "احتلال"، ومنذ ذلك الوقت، وأنا أطلب من والدتي أن تعيدني إلى بيتنا في فلسطين".
وأضاف الطبيب، أنّ فكرة العودة لم تأتِ من فراغ. "عند خروج أهلي من فلسطين، سكنوا في بلدة حبوش قرب النبطية في جنوب لبنان. كنت ألعب مع ثلاثة أطفال قرب المنزل، فقال أحدهم: "أنا ذاهب إلى حقلنا". وما هي إلاّ دقائق، حتّى ذهب وتبعه الآخرون فرحين. عندها شعرت بالوحدة وتملّكني حزن شديد. لا يزال هذا المكان في ذهني وأحياناً أذهب لزيارته".
وتابع: "عدت في ذلك اليوم إلى البيت وشاهدتني والدتي حزيناً، فسألتني عن السبب. فبادرتها بالسؤال: "لماذا لدى أصدقائي حقل وأنا لا؟ فبكت والدتي بشدّة. اعتقدتُ يومها أنّني سبب بكائها. وبعد قليل، أخبرتني أنّه لدينا حقول في بلدتنا، الخالصة، في فلسطين. عندها أمسكت يدها وقلت لها: هيا نذهب إلى فلسطين. فأخبرتني أنّ المحتلّين سيقتلوننا إذا ذهبنا. لم أستوعب أنّ لدينا وطناً وأرضاً لا نستطيع الذهاب إليهما".
علم والده بالأمر، فقال له: "عندما تدرس وتنجح ستذهب إلى الخالصة". كان هذا الوعد حافزاً للتعلّم وأصبح طبيباً. لكن عندما كبر، علم أنّ والده كان يشجعه على العلم "ولم نعد إلى بلدتنا في فلسطين".
أما عن فكرة المتحف التراثي فيشرح الخطيب، أنّه مع مرور الأيام، كانت تكبر معه فكرة العودة إلى فلسطين، وأصبح لديه شعور أنّ العالم كله متآمر عليه، لأنّه يحرمه من حقّه في العودة إلى أرضه. فقام بافتتاح قاعة للقاء حواري وأهداه شقيقه ثلاثة تماثيل صغيرة لنسوة فلسطينيات بالزيّ التراثي الفلسطيني، فأبرزهم في مدخل القاعة. ولاحظ فيما بعد أنّ كل من يدخل إلى القاعة يلتفت إلى التماثيل، فعلم منهم أنّها تعيدهم بالذاكرة إلى فلسطين، واقتنع بأنّ شعبه يحنّ إلى الماضي. لهذا قررّ إنشاء معرض تراثي فلسطيني في القاعة.
بدأ بالبحث عن أدوات وأوانٍ فلسطينية تراثية. سأل إحدى عجائز المخيم وأخبرته أنّها تملك طاستيْن من فلسطين وقدّمتهما له من دون أيّ بدل ماليّ. بعدها لجأ إلى الأصدقاء والجيران، يسألهم عمّا يملكون، وإذا كان باستطاعتهم الاستغناء عن بعض الأدوات، فجمع قدر ما استطاع منها مقابل مبالغ ماليّة معقولة، ومنها ما تبرّع بها مالكوها مجّاناً.
معظم الأدوات الموجودة في المعرض استُخدمت في فلسطين بين عامي 1948 و1951. ويعود السبب إلى أنّه خلال النكبة، كان سكّان بعض قرى الجليل، الذين نزحوا إلى جنوب لبنان، يعودون ليلاً إلى مناطقهم لإحضار بعض الأدوات التي يحتاجونها، بحكم أنّ الإسرائيليين كانوا يغادرون تلك القرى ليلاً خوفاً من هجمات المقاتلين.
لكن هناك بعض الأدوات لم يتم إحضارها من فلسطين، بل من السوق المحلي داخل المخيّم أو من بعض الفلسطينيين، إلاّ أنّها كانت شبيهة بتلك التي كانت تُستخدم هناك.
يملك الدكتور في متحفه سفينة صُنعت عام 1935 ومجسّماً لمنزل أحد سكّان المخيم، لكن في فلسطين، قبل نزوحه إلى لبنان. ويلقي الطبيب اللوم على المؤسسات الفلسطينية التي لم تولِ المتحف أيّ اهتمام، أو لفتة منها لتقدير هذا العمل التراثي الذي أنعش قلب كلّ الفلسطينيين الموجودين في المخيّم أملاً وروحاً.
يشير الدكتور أيضاً إلى أنّ "هذه المؤسسات لم توجّه حتّى زائري المخيم، من وفود أجنبية لمشاهدة المتحف، بل يقتصر عملهم دائماً على توجيه الزائرين ودفعهم إلى زيارة أكثر المناطق التي يملؤها البؤس والحرمان، ليرى العالم دائماً الوجه الحزين واليائس من فلسطين، علّهم بذلك يحزنون ويشفقون علينا، ولم يعمدوا يوماً إلى إبراز صورة المخيّم الحضاريّة والفنيّة، خصوصاً لما يحتويه هذا المتحف من جمال وآثار معبّرة".