بالقرب من ساحة "إلكسندر بلاتز" في العاصمة الألمانية برلين، وفي القسم الشرقي من المدينة، الذي كان تابعًا للاتحاد السوفييتي، والذي يمكن تمييزه عن القسم الغربي عن طريق الأبنية العملاقة الشاحبة والمساحات الشاسعة والبيوت الصندوقية المتشابهة، وهي صفاتٌ تميّز العمارة الاشتراكية التقليديَّة، يقعُ متحف تاريخ ألعاب الفيديو في إحدى هذه المباني القديمة. كان مبنى المتحف الحالي، دائرة رسميّة حكوميّة تابعة للحزب الديمقراطي الاشتراكي DDR، حاكم ألمانيا الشرقيَّة، حتّى لحظة ما قبل سقوط جدار برلين.
ما يميّز متحف ألعاب الفيديو في برلين، هو أنَّه إطلالة بعيدة تماماً عن عالم التكنولوجيا بمعناها الحرفيّ الدقيق أو التجاريّ التسويقي. هذا ليس معرضاً تتعرّف من خلاله إلى الألعاب الجديدة أو القديمة. بل عمل منظمو المعرض، وبشكل ذكي ومنهجي ودقيق، على وضع ألعاب الفيديو في سياقاتها التاريخيَّة، وربط كل لعبة، بالظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدةً وقت إنتاجها. ليس هذا فحسب، بل يلاحظ زائر المعرض، كيفية تغيّر محتوى ومضامين ألعاب الفيديو، بتغيّر الظروف الدولية ونمط القيم السائدة في كل لحظة تاريخيَّة. بمعنى أدقّ: سرد تاريخ ألعاب الفيديو كطريقة لسرد تاريخ العالم.
في القسم الخاصّ بألعاب القتال مثلاً، تجد أنّ العدوّ في الألعاب الأميركيَّة التي كانت موجودة في زمن الثمانينيات والتسعينيات، كان الرجل الشيوعي الذي يريد "تدمير الحضارة"، والقضاء على الولايات المتحدة الأميركيَّة، والإنسان المعاصر. ولكن، بعد نحو 20 سنة، وسقوط الاتحاد السوفييتي، يرى المتابع كيف تغيّر العدوّ في الألعاب الأميركيَّة من الرجل الشيوعي إلى "الإرهابي الإسلامي". وهذا يظهر بشكل واضح في الألعاب التي تتناول حرب العراق أو حرب الكويت أو حتّى الحرب في أفغانستان، إذْ إنّ البندقية موجّهة دومًا نحو أشخاص ملتحين يرددون جملة "الله أكبر". ويكتب منظّمو المعرض نصوصًا صغيرة يعلقونها أمام كل لعبة، تشير إلى كمية التنميط والأفكار العنصرية والهوياتيَّة التي تغرسها كلّ لعبة.
من جهة أخرى، يلاحظ الزائر آليات التقسيم الجندري بين الذكور والإناث منذ الصغر عبر ألعاب الفيديو، إذْ يتم تخصيص ألعاب العنف والقتل وكرة القدم للصبيان الذكور، أما الألعاب الأكثر "نعومة"، كألعاب الموضة والمكياج وتركيب أشكال الثياب فهي تخصّص للإناث. وواضحٌ من خلال وجهة منظّمي المعرض، أنّ ألعاب الفيديو ليست مفصولة بشكلٍ كامل عن "سياسات الهوية" التي تكرّس الاختلافات بين البشر، وتحوّلها إلى حقائق ثابتة. لكن المثير بأنّ هنالك بعض الألعاب الثابتة، التي تكون عابرة لكل العصور والتغيرات السياسية، كألعاب كرة القدم (FIFA) ولعبة الشطرنج. كما أنّ ثمة لعبة بقيت تمتلك شعبية كبيرة في كلّ الأوساط والثقافات وهي لعبة "سوبر ماريو".