يعتبر اليمن موطناً لحضارات متعاقبة منذ ما قبل الميلاد مثل معين وسبأ وحمْيَر وحضرموت وقتبان، وقد تركت هذه الحضارات آثاراً عديدة ومتنوعة تعرض الكثير منها للنهب والطمر بمرور الأزمان، ورغم ذلك؛ فقد ظل لدى اليمن موروث آثاري كبير تم جمع بعضه في حدود 27 متحفا حكومياً وأقل من هذا العدد متاحف خاصة داخل البلد. عدا عن قطع أثرية يمنية عديدة تتواجد في متاحف عالمية بباريس وإسطنبول ولندن وبرلين وروما.
وتسببت الحرب في اليمن، منذ انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) خريف عام 2014 وما أعقبها حتى اليوم، بنزيف كبير لبنك الآثار اليمني، حيث جرت عمليات نهب وتدمير للعديد من المتاحف الهامة، وأبرزها المتحف الوطني بحي كريتر قلب مدينة عدن جنوبي البلاد، الذي يعود بناؤه إلى العام 1918 وتحول إلى متحف في العام 1971، وقد تعرض المتحف لقصف مباشر، ثم تعرّضت محتوياته للنهب، ويربو عددها على خمسة آلاف قطعة أثرية تعود إلى مختلف مراحل التاريخ اليمني القديم والحديث والمعاصر. ولايزال مصير هذه الآثار مجهولا حتى اليوم كما لايزال مبنى المتحف مدمراً يحتاج لعملية ترميم شاملة.
أما في العاصمة اليمنية صنعاء، فتفيد مصادر مهتمة قريبة من الحكومة الشرعية بأن عناصر من الحوثيين قامت بنهب بعض مقتنيات المتحف الحربي الواقع في حيّ التحرير، بقلب العاصمة، فيما أكد سكان لـ"العربي الجديد"، أن متحف التراث الوطني الواقع في نفس الحيّ، بات مغلقاً في وجه الزوار، وخلا في الفترة الأخيرة من محتوياته من القطع الأثرية باستثناء الكبيرة (التماثيل ونحوها).
ويفيد القائمون على حراسة المتحف بأن الهيئة العامة للآثار، الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحلفائهم من أنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، قامت بنقل محتوياته إلى "مكان آمن"، لأسباب يتردد، وفقاً للمصادر ذاتها، أن من بينها وقوع المتحف بالقرب من أهداف عسكرية محتملة للتحالف العربي بقيادة السعودية. غير أن الخشية تظل قائمة حول مصير هذه الآثار خصوصا مع توارد الحديث عن عمليات تهريب طاولت قطعاً أثرية يمنية في الأعوام الثلاثة الماضية أبرزها نسخة قديمة من القرآن الكريم مكتوبة على جلد الغزال كانت محفوظة في الجامع الكبير بصنعاء وتتوجه أصابع الاتهام لقيادات حوثية قيل إنها "باعت النسخة النادرة لرجل أعمال إيراني مقابل 3 ملايين دولار أميركي عبر وسيط خليجي".
إلى ذلك، تواتر الحديث عن قيام الحوثيين بتسهيل تهريب نسخة قديمة من التوراة، عمرها 500 سنة ظل يتوارثها حاخامات اليهود اليمنيين إلى أن ظهرت مؤخرا بمعية مجموعة من يهود اليمن تم تهريبهم إلى إسرائيل في الأعوام الأخيرة بعد سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء.
وبالعودة إلى المتاحف التي تضررت جرّاء الحرب الدائرة باليمن، تعرّض متحف تعز (العاصمة الثقافية لليمن) لقصف من الحوثيين، فيما طاول القصف الجوي "دار الحسن" الأثرية الواقعة بقرية دمت التاريخية بمحافظة الضالع، والتي يعود تاريخها إلى فترة عصور ما قبل الإسلام. أما المتحف الوطني في أبين فقد نال حصته من التدمير على يد جماعة القاعدة أو من يسمّون أنفسهم "أنصار الشريعة".
ولعل قائمة الأضرار التي ألحقتها القاعدة بالآثار اليمنية تتركّز أكثر في جانب المزارات الصوفية جنوبي وجنوب شرق البلاد بدعوى أنها تُتّخذ أماكن للتبرّك والشرك، وفي هذا السياق قامت الجماعة بتدمير العديد من الأضرحة والقباب التاريخية في حضرموت ولحج وتسويتها بالأرض.
عسكرة المواقع الأثرية
وعلاوة على المتاحف والمزارات الصوفية، تعرّضت مواقع أثرية عديدة لعمليات هدم وقصف وحفر وزراعة ألغام وتخزين سلاح، ومنها مدينة "براقش" الأثرية في محافظة الجوف، والتي بُنيت في فترة ما قبل الميلاد، وقد تعرّض سورها للهدم جراء الحرب. أما في محافظة مأرب فقد تعرّض سور "معبد أوعال" للتشقق، ويعود تاريخه إلى الدولة السبئية، وبُنِي في القرن السابع قبل الميلاد. والمعضلة كما يقول مهتمون، أن الوصول إلى بعض هذه المواقع بات محفوفاً بالمخاطر بسبب قيام المليشيات بزرع الألغام قبل رحيلها من هذه المواقع.
ويذكر عبدالهادي العزعزي وكيل وزارة الثقافة، أن الحروب عموماً كانت استنزافا لليمن، مؤكداً أن الثراث المادي اليمني تعرّض عبر المراحل التاريخية لإهلاك كبير وتدمير منظّم خصوصاً في فترات الصراع السياسي فقد ذكرت كتب التاريخ أن الأسلحة الحديثة خصوصا المدفعية، دمرت عدداَ كبيراً من القلاع والحصون والآبار والأفلاج وأنظمة الري والمدرجات بهدف إجبار الخصوم على الاستسلام. وبالذات في فترة الأئمة الزيديين من آل شرف الدين وآل القاسم وأخيرا بيت حميد الدين. ومنذ تقدّم الحوثيون (يُصنّفون بأنهم امتداد لنظام الإمامة)، "شنوا حرباً على الأصول المادية للثقافة اليمنية واستهدفوا المتاحف في المحافظات الجنوبية خصوصا في عدن وتعز، ففي عدن جرى نهب المتحف وفي تعز جرى قصف المتحف الوطني وتعرضت قلعة القاهرة ومساجد تعز التى تعود الى عصر الدولة الرسولية مثل جامع ومدرسة الأشرفية، للقصف".
ويضيف عبدالهادي العزعزي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الميليشيا الحوثية "حوّلت المواقع الأثرية الى مخازن للأسلحة بشكل متعمّد، إما لاعتقاد الانقلاب أنها مناطق لن تقصف من الطيران أو أنه عمل مقصود بهدف تعريضها للقصف وبالتالى يستغلها الانقلابيون لشحن السكان ضد الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي وتوسيع قاعدة الموالين للانقلاب".
ويشير العزعزي إلى أن نظام الإمامة كان على خصومة مع التاريخ اليمني، ومردُّ ذلك، حسب رأيه، هو أن كل جماعة استبداد تعتبر التاريخ والآثار أحد أهم الأسباب لمقاومة الاستبداد، لأن المآثر التاريخية تُشعر المجتمع بالتجذّر والعزة، و"الأئمة جماعة استبداد وبالتالى يشكّل التاريخ والتراث المادي للشعب أحد روافع المقاومة والمواجهة لأنها تذكّر اليمنيين بتاريخ أجدادهم كشعب، وتبعث فيهم العزة والأنفة".
ويلفت المسؤول اليمني إلى أنه ليس هناك إحصائية واضحة إلى الآن، بالمنهوبات والمسروقات من القطع الأثرية المسجّلة لدى وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار، ويقول "ليست لدينا إمكانيات مادية للعمل فنحن منذ قرابة 11 شهراً بدون رواتب". داعياً الجهات اليمنية والدولية المهتمة بالتراث لدعم وزارة الثقافة من أجل استعادة منهوبات التاريخ اليمني.
وإزاء هذا الخطر الذي لا يزال يتهدد ما تبقى من آثار اليمن، تتعالى صيحات ومناشدات العديد من المهتمين لكافة الهيئات الحكومية اليمنية، وكذا المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الإنساني وعلى رأسها منظمة "يونسكو"، للضغط على أطراف الحرب بتحييد المواقع الأثرية عن المواجهات، وتحريز الآثار المتبقية وترميم ما تعرّض للهدم وحصر الآثار المهرّبة وتعقّبها بغية إعادتها إلى اليمن.
اقــرأ أيضاً
أما في العاصمة اليمنية صنعاء، فتفيد مصادر مهتمة قريبة من الحكومة الشرعية بأن عناصر من الحوثيين قامت بنهب بعض مقتنيات المتحف الحربي الواقع في حيّ التحرير، بقلب العاصمة، فيما أكد سكان لـ"العربي الجديد"، أن متحف التراث الوطني الواقع في نفس الحيّ، بات مغلقاً في وجه الزوار، وخلا في الفترة الأخيرة من محتوياته من القطع الأثرية باستثناء الكبيرة (التماثيل ونحوها).
ويفيد القائمون على حراسة المتحف بأن الهيئة العامة للآثار، الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحلفائهم من أنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، قامت بنقل محتوياته إلى "مكان آمن"، لأسباب يتردد، وفقاً للمصادر ذاتها، أن من بينها وقوع المتحف بالقرب من أهداف عسكرية محتملة للتحالف العربي بقيادة السعودية. غير أن الخشية تظل قائمة حول مصير هذه الآثار خصوصا مع توارد الحديث عن عمليات تهريب طاولت قطعاً أثرية يمنية في الأعوام الثلاثة الماضية أبرزها نسخة قديمة من القرآن الكريم مكتوبة على جلد الغزال كانت محفوظة في الجامع الكبير بصنعاء وتتوجه أصابع الاتهام لقيادات حوثية قيل إنها "باعت النسخة النادرة لرجل أعمال إيراني مقابل 3 ملايين دولار أميركي عبر وسيط خليجي".
إلى ذلك، تواتر الحديث عن قيام الحوثيين بتسهيل تهريب نسخة قديمة من التوراة، عمرها 500 سنة ظل يتوارثها حاخامات اليهود اليمنيين إلى أن ظهرت مؤخرا بمعية مجموعة من يهود اليمن تم تهريبهم إلى إسرائيل في الأعوام الأخيرة بعد سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء.
وبالعودة إلى المتاحف التي تضررت جرّاء الحرب الدائرة باليمن، تعرّض متحف تعز (العاصمة الثقافية لليمن) لقصف من الحوثيين، فيما طاول القصف الجوي "دار الحسن" الأثرية الواقعة بقرية دمت التاريخية بمحافظة الضالع، والتي يعود تاريخها إلى فترة عصور ما قبل الإسلام. أما المتحف الوطني في أبين فقد نال حصته من التدمير على يد جماعة القاعدة أو من يسمّون أنفسهم "أنصار الشريعة".
ولعل قائمة الأضرار التي ألحقتها القاعدة بالآثار اليمنية تتركّز أكثر في جانب المزارات الصوفية جنوبي وجنوب شرق البلاد بدعوى أنها تُتّخذ أماكن للتبرّك والشرك، وفي هذا السياق قامت الجماعة بتدمير العديد من الأضرحة والقباب التاريخية في حضرموت ولحج وتسويتها بالأرض.
عسكرة المواقع الأثرية
وعلاوة على المتاحف والمزارات الصوفية، تعرّضت مواقع أثرية عديدة لعمليات هدم وقصف وحفر وزراعة ألغام وتخزين سلاح، ومنها مدينة "براقش" الأثرية في محافظة الجوف، والتي بُنيت في فترة ما قبل الميلاد، وقد تعرّض سورها للهدم جراء الحرب. أما في محافظة مأرب فقد تعرّض سور "معبد أوعال" للتشقق، ويعود تاريخه إلى الدولة السبئية، وبُنِي في القرن السابع قبل الميلاد. والمعضلة كما يقول مهتمون، أن الوصول إلى بعض هذه المواقع بات محفوفاً بالمخاطر بسبب قيام المليشيات بزرع الألغام قبل رحيلها من هذه المواقع.
ويذكر عبدالهادي العزعزي وكيل وزارة الثقافة، أن الحروب عموماً كانت استنزافا لليمن، مؤكداً أن الثراث المادي اليمني تعرّض عبر المراحل التاريخية لإهلاك كبير وتدمير منظّم خصوصاً في فترات الصراع السياسي فقد ذكرت كتب التاريخ أن الأسلحة الحديثة خصوصا المدفعية، دمرت عدداَ كبيراً من القلاع والحصون والآبار والأفلاج وأنظمة الري والمدرجات بهدف إجبار الخصوم على الاستسلام. وبالذات في فترة الأئمة الزيديين من آل شرف الدين وآل القاسم وأخيرا بيت حميد الدين. ومنذ تقدّم الحوثيون (يُصنّفون بأنهم امتداد لنظام الإمامة)، "شنوا حرباً على الأصول المادية للثقافة اليمنية واستهدفوا المتاحف في المحافظات الجنوبية خصوصا في عدن وتعز، ففي عدن جرى نهب المتحف وفي تعز جرى قصف المتحف الوطني وتعرضت قلعة القاهرة ومساجد تعز التى تعود الى عصر الدولة الرسولية مثل جامع ومدرسة الأشرفية، للقصف".
ويضيف عبدالهادي العزعزي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الميليشيا الحوثية "حوّلت المواقع الأثرية الى مخازن للأسلحة بشكل متعمّد، إما لاعتقاد الانقلاب أنها مناطق لن تقصف من الطيران أو أنه عمل مقصود بهدف تعريضها للقصف وبالتالى يستغلها الانقلابيون لشحن السكان ضد الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي وتوسيع قاعدة الموالين للانقلاب".
ويشير العزعزي إلى أن نظام الإمامة كان على خصومة مع التاريخ اليمني، ومردُّ ذلك، حسب رأيه، هو أن كل جماعة استبداد تعتبر التاريخ والآثار أحد أهم الأسباب لمقاومة الاستبداد، لأن المآثر التاريخية تُشعر المجتمع بالتجذّر والعزة، و"الأئمة جماعة استبداد وبالتالى يشكّل التاريخ والتراث المادي للشعب أحد روافع المقاومة والمواجهة لأنها تذكّر اليمنيين بتاريخ أجدادهم كشعب، وتبعث فيهم العزة والأنفة".
ويلفت المسؤول اليمني إلى أنه ليس هناك إحصائية واضحة إلى الآن، بالمنهوبات والمسروقات من القطع الأثرية المسجّلة لدى وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار، ويقول "ليست لدينا إمكانيات مادية للعمل فنحن منذ قرابة 11 شهراً بدون رواتب". داعياً الجهات اليمنية والدولية المهتمة بالتراث لدعم وزارة الثقافة من أجل استعادة منهوبات التاريخ اليمني.
وإزاء هذا الخطر الذي لا يزال يتهدد ما تبقى من آثار اليمن، تتعالى صيحات ومناشدات العديد من المهتمين لكافة الهيئات الحكومية اليمنية، وكذا المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الإنساني وعلى رأسها منظمة "يونسكو"، للضغط على أطراف الحرب بتحييد المواقع الأثرية عن المواجهات، وتحريز الآثار المتبقية وترميم ما تعرّض للهدم وحصر الآثار المهرّبة وتعقّبها بغية إعادتها إلى اليمن.