أدّت إصابة العشرات بالتسمّم في محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، نتيجة تناول البطيخ، إلى إثارة مشكلة استخدام مبيدات الحشرات السامة والقاتلة في المنتجات الزراعية، علماً أنها تدخل مصر سنوياً بكميات كبيرة ومن دون رقيب، من بينها مواد محرمة دولياً كانت سبباً في منع تصدير الكثير من المنتجات الزراعية، خضراوات وفاكهة مصرية، إلى خارج البلاد، سواء إلى بلدان عربية أو أجنبية.
وتكشف تقارير طبية مصريّة عن مبيدات حشرات في البطيخ والخوخ والكنتالوب، إضافة إلى الطماطم والخيار والفلفل، مؤكدة أن المئات من الأطفال يترددون يومياً على عيادات الأطباء والمستشفيات، نتيجة إصابتهم بنزلات معوية حادة بسبب تناولهم فاكهة غير صالحة. والأمر ليس محصوراً بالأطفال، بل يشمل الشباب وكبار السن. تضيف التقارير أن كمية المبيدات التي تدخل مصر سنوياً تزيد على 20 ألف طن، ويتم استيرادها من الصين وألمانيا وإنكلترا، و70 في المائة منها محرمة دولياً ويصل عددها إلى نحو مائة، وتدخل البلاد بأسماء مزورة، وتوضع عليها ماركات محلية في في مصانع "بير السلم" التي انتشرت في المحافظات المصرية لإنتاج مبيدات الحشرات، ما يشكل خطراً كبيراً وداهماً على الزراعة والمواطن والحيوانات والبيئة عموماً.
تضيف التقارير الطبية نفسها أن المستشفيات المصرية في المحافظات تستقبل سنوياً نحو 800 ألف حالة تسمم، نصفها بسبب المبيدات. وتشرح أن وصول بعض من بقايا المبيدات إلى جسم الإنسان يؤدي إلى تقيؤ وإسهال شديد وآلام في المعدة وارتفاع في درجة حرارة الجسم. وتتابع أن الأعراض وحِدّتها تختلف وفقاً لنوع المبيد وبقاياه التي وصلت إلى الشخص والثمار التي تناولها، وقد تؤدي إلى الوفاة.
وقرّرت لجنة الزراعة في مجلس النواب المصري فتح ملف "المبيدات" من جديد، بعد إصابة عدد من الأهالي بالتسمم نتيجة تناول البطيخ. وطالبت بضرورة تعديل التشريعات لتشديد العقوبات على تجار المبيدات المغشوشة، والرقابة على المصانع والتجار، وإنتاج المبيدات من المنبع، وإغلاق المصانع التي تغش المبيدات قبل وصولها إلى التجار، من أجل الحفاظ على صحة المواطنين، والحد من الأمراض التي تفشّت خلال السنوات الأخيرة بسبب تلك المبيدات، وأخطرها "الفشل الكلوي وأمراض الكبد والسرطان". ويطالب وكيل لجنة الزراعة في مجلس النواب رائف تمراز، بضرورة مواجهة خطر المبيدات المغشوشة وأثرها على صحة المواطن، والتي تتسبب في العديد من الأمراض، وتشكيل لجان لفحص تلك المبيدات قبل دخولها البلاد، للتأكد من مدى صلاحياتها وفاعليتها وأضرارها على حياة المواطنين. ويطالب بتكثيف الرقابة على أسواق المبيدات ومستلزمات الإنتاج الزراعي.
يقول محمد التيجاني، وهو مهندس زراعي، إنّ مصر تعد من أكثر الدول استيراداً للمبيدات. وترى الشركات العالمية الكبرى في السوق المصري رواجاً كبيراً لمنتجاتها، لافتاً إلى وجود الكثير من المصانع التي تنتج مبيدات مغشوشة، منها مصانع "بير السلم". كما تنتشر مطابع غير مرخصة تطبع لاصقا لماركات عالمية وكأنها مستوردة من الخارج، عازياً السبب إلى ضعف الرقابة وتحقيق المصالح الشخصية. ويشير إلى أن المُزارع يلجأ أحياناً إلى السوق الموازي أو سوق بير السلم لشراء المبيدات، إما بسبب ارتفاع أسعارها لدى الشركات المرخصة، أو لأسباب أخرى، موضحاً أن الشركات المرخصة التي تعمل تحت مظلة القانون تعاني بسبب الأسواق الموازية التي انتشرت بشكل كبير.
ويطالب رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات في وزارة الزراعة ممدوح السباعي، بتعديل قانون الزراعة في مجلس النواب، ليكون هناك رادع لكل مخالف، علماً أن المبيدات قد تؤدي للموت. ويشير التيجاني إلى أن سوء استخدام المبيدات يشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان، سواء من يستخدمها في الزراعة أو المستهلك الذي يتعامل معها بالبيع والشراء والأكل، ووصل الأمر إلى حد شراء مبيدات لتسريع إنضاج الفاكهة والخضار قبل موعدها، وزيادة الإقبال على الشراء، علماً أنها غير صالحة للأكل، وقد ظهر الأمر في البطيخ. كما أن استخدام المبيدات بكميات كبيرة يؤدي إلى تلوث البيئة، لأن متبقياتها في التربة تكون عالية، وينتج عن استخدامها تراكم كميات منها أو من مشتقاتها السامة في المحاصيل الزراعية.
من جهته، يقول أستاذ طب الأطفال في جامعة عين شمس إيهاب خيري، إنّ تناول الفاكهة المحقونة بالهرمونات يؤدي إلى الإصابة بالنزلات المعوية، موضحاً أن غالبية الفاكهة التي ترش بمواد كيميائية تكون رائحتها غريبة. وحين يتناولها الأطفال، يتقيؤون كثيراً. ويشدّد على أن استخدام مبيدات محظورة دولياً لرشّ المزروعات كارثة صحية خطيرة على المستهلكين من كافة الأعمار، مشيراً إلى أن استخدامها للحد من الخسائر، وقطافها بسرعة، يعدّ خطراً على الزراعة والأرض والمستهلك. كما أن الأضرار الناتجة عن تناول الأطعمة المرشوشة بالمبيدات كثيرة، من بينها الإصابة بالسرطان والفشل الكلوي ومشاكل في الكبد، والإصابة بالعقم والتشوهات (لحديثي الولادة) والتشنجات العصبية والشلل.