مبالغات ترافق تقدم "سورية الديمقراطية" على طريق الرقة-دير الزور

08 مارس 2017
عنصران من "قوات سورية الديمقراطية" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
رأى عدد من المراقبين والمحللين العسكريين المُطلعين على تفاصيل الميدان في سورية، أن تقدم "قوات سورية الديمقراطية" الأخير قبل يومين، في محور منطقة أبو خشب، الواقع شمال نهر الفرات، عند منتصف المسافة تقريباً بين مدينتي الرقة ودير الزور، وحديث هذه القوات، عن قطعها لطرق مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بين المدينتين، مجرد "بروباغندا" ترويجية، لـ"إنجازات كبرى" على صعيد "محاربة الإرهاب"، معتبرين أن تقدم القوات المعروفة اختصاراً بـ"قسد"، وإن كان قد قطع طريقاً يربط مناطق سيطرة "داعش" بين دير الزور والرقة، إلا أن للتنظيم طرقاتٍ بديلة كثيرة، في منطقة شاسعة الامتداد، لا يُمكن حصرها بسهولة، وإن كانت طائرات التحالف الدولي تقوم بمسحها ومراقبتها جوياً على مدار الساعة.

في هذا السياق، تقدم مقاتلو "قوات سورية الديمقراطية" وبدعم جويٍ تقدمه طائرات التحالف الدولي، من مناطق سيطرتهم، في شرقي الرقة، نحو محور أبو خشب قرب ضفاف النهر الشمالية، مُسيطرين على نحو سبع قرى كانت خاضعة لـ"داعش"، وهي: حشوحال، وأبو رفيعة، ومناصرة، وبير حسين عمو، ورضا، والسفر، والحميش. وتقع هذه القرى جميعها في محيط أوتوستراد يربط ما بين مدينة الرقة معقل "داعش" الأهم في سورية، ومناطق سيطرة التنظيم في محافظة دير الزور، التي تقع جنوب شرقي الرقة بنحو 120 كيلومتراً.

في هذا الإطار، رأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "ما حققته قوات سورية الديمقراطية من تقدم أخير، لا يشكل أهمية كبيرة كما روجت له هذه القوات التي اعتمدت التهويل الإعلامي كثيراً، في حين أن واقع خارطة السيطرة ميدانياً، تشير بوضوح إلى امتلاك تنظيم داعش لطرقات كثيرة بديلة. وباعتباره ما زال مسيطراً على معظم مناطق البادية، فإن هذه الطرقات البديلة، تصل حتى أرياف حمص وحماة الشرقية من دون تأثر بما جرى خلال اليومين الماضيين". وأشار إلى أن "التنظيم لا يعتمد أساسا على الطرق الرئيسية، كونها مكشوفة ومرصودة بالكامل من قبل طيران التحالف الدولي". ولفت الأسمر إلى أن "حركة تنظيم داعش وإن لم تتأثر كثيراً من خلال خسارته لقرى صغيرة قرب محور أبو خشب قبل يومين، لكن سلسلة غارات التحالف خلال الأسابيع الماضية، التي استهدفت الجسور الرئيسية على مجرى نهر الفرات، هي التي تُثقل فعلاً حركته العسكرية، كون تدمير التحالف لجسور حيوية، حرمت التنظيم من حرية الحركة والتنقل بالأسلحة الثقيلة ما بين مدينة الرقة وريفها، وحَدَّتْ كثيراً من مناورة عناصره".


من جهتهم، اعتبر ناشطون من محافظة الرقة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إخضاع قوات قسد لقرى عدة، ورصدهم بالتالي لطريق دير الزور - الرقة الذي يمر شمالي نهر الفرات، يأتي بالمحصلة كضربة جديدة يتلقاها داعش، الذي يتعرض لإنكساراتٍ متتابعة على جبهات مفتوحة في ريفي حمص وحلب الشرقيين. غير أن التنظيم لا يزال مسيطراً على كامل المساحات الواقعة جنوبي الفرات بين دير الزور والفرات". بالتالي فإن الأوتوستراد الدولي الذي يخرج من دير الزور بموازاة ضفاف نهر الفرات الجنوبية نحو الرقة، ثم الطبقة، وصولاً إلى دير حافر بريف حلب الشرقي، ما زالت المناطق المُحيطة به خاضعة للتنظيم، الذي يسيطر عليه بالكامل، لكن مسلحيه حذرون في استخدامه، خشية غارات طيران التحالف الدولي.

من جانبه، أشار ضابط منشق من جيش النظام، من محافظة دير الزور، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تنظيم داعش يمر الآن بمرحلة ضعف وتقهقر كبيرين، لكن رغم ذلك، فإن المُلاحظ أنه لم يبد مقاومة كبيرة أمام تقدم المليشيات الكردية في الفترة الأخيرة، وهو عادة لا يستشرس في الدفاع عن منطقة بعينها، إلا إذا كان تقدم أعدائه فيها يشكل له خسارة استراتيجية. ومن هنا فإن التقدم السلس للمليشيات الكردية نحو ضفة الفرات الشرقية منذ يومين، يُدلل على أن داعش لم يتلق ضربة مؤثرة بخسارته لطريق هنا وآخر هناك، في منطقة يفرض سيطرته عليها منذ سنوات، ويعرف جغرافيتها جيداً، ويُجيد مقاتلوه إخفاء وتمويه تنقلاتهم فيها".

في هذا السياق، واصل طيران التحالف الدولي حملة غاراته الهادفة لتدمير الجسور الرئيسة في شمال شرقي سورية، ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش"، ودمّرت غارةٌ جديدة أمس الثلاثاء، جسر البقعان، في منطقة جزيرة قرب مدينة البوكمال الحدودية مع العراق. كما استهدفت هجماتٌ مماثلة، مواقع عدة في محيط مدينة البوكمال على الشريط الحدودي مع العراق، في حين قصف الطيران الحربي الروسي أحياء الصناعة والحويقة والعمال الخاضعة لتنظيم "داعش" في مدينة دير الزور.

وتسبب قصف طيران التحالف، بتدمير عشرات الجسور الرئيسية في محافظتي الرقة ودير الزور، إذ تهدف هذه الهجمات، لحرمان مسلحي "داعش" من استخدام هذه الجسور، وبالتالي الحد من حركتهم ضمن المناطق الواسعة الخاضعة لسيطرتهم شرقي وشمال شرقي سورية. لكن تدمير الجسور، زاد في نفس الوقت، من معاناة المدنيين المقيمين في تلك المناطق، إذ قوضت مساعيهم للنزوح إلى مناطق أكثر أمناً، في حين تتعرض بلداتهم وقراهم لغارات شبه يومية، تشتد كلما اقتربت المعارك البرية منها.