مبادرة العمدة والتسوية في مصر

06 سبتمبر 2014

عسكر الانقلاب يغلقون المنافذ إلى ميدان التحرير (1ديسمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

فاجأ النائب المصري السابق الداعم للشرعية، محمد العمدة، الجميع بتقديمه مبادرة "فردية"، بعد خروجه من السجن، لتسوية الأزمة السياسية في مصر. وعلى الرغم من أن بعضهم يحسبه على التيار الإسلامي، الإخواني تحديداً، إلا أن الرجل تقدم بطرحٍ جعل بعضهم يشكك فيه، وهو الخاص بقبول مرحلة انتقالية لعبد الفتاح السيسي، من دون عودة محمد مرسي، المطلب الأساسي لتحالف دعم الشرعية. وحاول العمدة تقديم تفسير لذلك بأن العسكر، من خلال هيمنتهم على مؤسسات الدولة (الإعلام، القضاء)، بالإضافة إلى مؤسسات القمع (الجيش والداخلية)، لن يقبلوا بعودة مرسي، بل بفرض حدوث ذلك، جدلاً، فإنهم سيتبعون النهج السابق نفسه، في أثناء حكم مرسي، بتسيير تظاهرات ضده، وتعطيل الحياة المدنية من دون تدخل رادع لقمع ذلك، بسبب تواطؤ الجيش والشرطة، وبالتالي، سيستمر الانقسام وتستمر الأزمة.

لكن، في المقابل، طرح البرلماني السابق أموراً أخرى، ربما لا تروق لسلطات الانقلاب. ومن ذلك عودة الأحزاب الإسلامية إلى الحياة السياسية، وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي صدر قرار بحله، بل وعودة الجماعة نفسها، الموصوفة "قضائياً"، بأنها جماعة إرهابية. بل وجلوس الجميع معاً (عسكر وإخوان بالأساس)، وباقي القوى الأخرى، من أجل رسم معالم طريق تلك المرحلة الانتقالية. كذلك أكد على حق الشهداء، منذ ما جرى في ميدان رابعة العدوية، بتشكيل لجنة مستقلة، يتّفق عليها الجميع، للتحقيق في كل هذه الانتهاكات. وبالنسبة إلى توصياتها، إذا رفض بعضهم تنفيذها، في إشارة إلى السلطات المتهمة أساسا بارتكابها، فإن الرجل أشار إلى تجربة الانقلاب التركي عام 1980، وكيف أن مدبريه لم يقدموا للمحاكمة سوى العام الماضي.

أكد محمد العمدة أن مبادرته فردية، ولم يقم بالتنسيق بشأنها مع أي طرف (الإخوان) ولا العسكر، لأنه كان محبوساً انفرادياً في العام المنصرم، إلا أن التجربة التي عاشها في السجن، وما حدث له ولغيره من أضرار صحية ومادية واجتماعية، جعلته يتقدم بها آخذاً في الاعتبار "الأمر الواقع" الذي يحتاج تغييره إلى عملية "تدريجية"، على حد وصفه. وأوضح أن مبادرته ليست مفروضة على أحد، وسيقدمها لطرفي الأزمة، وقد يأخذا بها أم لا.

وحتى كتابة هذه السطور، لم تعلن السلطات الحاكمة موقفاً بشأنها، وإن كانت وزارة الأوقاف، وهذا غريب، هي التي أصدرت بياناً بشأنها لم تشر إلى بنودها أو تقييمها، وإنما اكتفت بالقول إنها مناورة من "الإخوان المسلمين"، بمعنى أن هناك تنسيقاً بينهم وبين العمدة. ولم يشكك تحالف الشرعية في المواقف الوطنية للعمدة، وإنما كانت نقطة الاعتراض الأساسية تتعلّق بعودة محمد مرسي، وأشار التحالف إلى عدم التنسيق أو التشاور المسبق معه بخصوصها.

ولعلّ ما سبق يدفعنا إلى استخلاص بعض الملاحظات، أولاها وجود شخصيات وطنية غير راضية على استمرار الأزمة في مصر على هذا النحو، فتحاول إلقاء حجر في الأزمة الراكدة على حالة عدم دحر الانقلاب وعدم تحقّق الاستقرار المنشود. ثانيتها أن المبادرة رعت، قدر الإمكان، تحقيق مكاسب للطرفين، وهذه طبيعة أي أطروحات أو مبادرات سياسية للتسوية. فهي تسعى إلى تلبية المطالب "الأساسية" لكلا الطرفين، ومعنى هذا أنها قد تكون محل انتقاد من كل طرف، لأنها لم تحقق كل مطالبه. وهذا هو الفرق بين مبادراتٍ قائمة على تحقيق مكاسب لكلا الطرفين، ومبادرات "الإذعان" الصفرية التي تنحاز، تماماً، لطرفٍ على حساب طرف آخر. ثالثتها، تتمثّل في أنها مبادرة "فردية"، وهذه نقطة ضعف أساسية، لأن من شروط الوسيط أن يكون له نفوذ وتأثير على طرفي الأزمة، بحيث يقبلا بالأساس بفكرة التفاوض، ثم بالنظر في بنود المبادرة.  لكن، من الواضح أن العمدة ليس له تأثير على أي طرف، بل إنه كان مسجون من سلطات الانقلاب. ومن ثم كيف تقبل بوساطته، وهي التي أقدمت على سجنه. وبالتالي، كان من الأفضل أن يطرح العمدة المبادرة على شخصيات وطنيةٍ، ربما تكسبها ثقلاً. لكن، واضح أن هذه الشخصيات تراجع دورها كثيراً، في ظل سياسة العصا الغليظة التي تتبعها سلطات الانقلاب. وهذه هي المعضلة الحقيقية في الأزمة الراهنة، حيث يتراجع دور هذه الشخصيات، بل والمؤسسات التي تسعى إلى التقريب بين وجهتي نظر الطرفين، بسبب انحيازها الراهن للطرف الحاكم. وبالتالي، يبقى السؤال: متى وكيف تنتهي الأزمة السياسية، في ظل غياب الوسيط الوطني (المؤسسات)، أو ضعفه (الأفراد)؟ هل ننتظر حلاً يهبط من السماء، أم يأتي من الخارج؟ وما أدراك ما الخارج!

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.