مبادرة السراج: عودة المسار السياسي في ليبيا؟

17 يونيو 2019
تاجوراء بعد قصف مليشيات حفتر(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -


أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، أمس الأحد، عن مبادرة لحلّ الأزمة في ليبيا، مؤكداً على استمرار قوات حكومة الوفاق في الوقت ذاته في مقاومتها لـ"عدوان القوات الغازية"، في إشارة إلى مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تحاول اقتحام طرابلس منذ إبريل/نيسان الماضي. وأوضح السراج أن "حكومته تطرح مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة ملخصة في: أولاً، الدعوة لعقد ملتقى ليبي يمثل جميع مكونات الشعب الليبي ومن جميع المناطق، بتنسيق مع البعثة الأممية في ليبيا، للتوصل إلى حل سلمي وديمقراطي وضد عسكرة الدولة، وأن يكون المشاركون ممن ينادون بحق المواطنة وبناء دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات، واحترام إرادة الشعب في اختيار مصيره ومصير وطنه. ثانياً، يتفق المشاركون في الملتقى الليبي على قاعدة دستورية مناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية العام الحالي، من خلال لجنة قانونية لصياغة القوانين الخاصة بالاستحقاقات التي يتم الاتفاق عليها. ثالثاً، يقوم الملتقى باعتماد قوانين العملية الدستورية والانتخابية المحالة من اللجنة القانونية مرفقة بجدول زمني لتنفيذ الاستحقاقات وإحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات. رابعاً، إنشاء هيئة عليا للمصالحة تنبثق عن المنتدى الذي اقترح تأسيسه، وإيجاد آلية لتفعيل قانون العدالة الانتقالية والعفو العام وجبر الضرر، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. خامساً، دعوة الملتقى لمجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى ضرورة تأييد مخرجات الملتقى الخاصة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام الحالي، ومطالبة الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحادين الأوروبي والأفريقي بدعم الاستحقاقات لوجستياً وأمنياً. سادساً، تشكيل لجان مشتركة من المؤسسات التنفيذية والأمنية الحالية في كافة المناطق وبإشراف أممي، لضمان توفير كل الإمكانات والموارد اللازمة للعملية الانتخابية. سابعاً، اتفاق المشاركين في الملتقى على آلية لتفعيل الإدارة اللامركزية، والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا، تكون ملزمة للأجسام السياسية المقبلة المنبثقة عن الانتخابات الجديدة".

ميدانياً، فشل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر حتى الآن في تحقيق هدفه من الهجوم على العاصمة طرابلس، مع عجزه عن تحقيق تقدّم إضافي عن مواقع سيطرته جنوب العاصمة بعد الأسبوع الأول للهجوم، الذي بدأ في 4 إبريل/نيسان الماضي، مقابل استعادة القوات الموالية لحكومة الوفاق المبادرة وسعيها لطرد مليشيات حفتر. في هذه الأجواء، برزت محاولات من البعثة الأممية لتفعيل المسار السياسي المتوقف. وأعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في 9 إبريل الماضي، "تأجيل موعد إجراء الملتقى الوطني الجامع إلى أجل غير مسمى"، بعد أشهر من الرحلات المكوكية في كل اتجاه للإعداد له لـ"تقرير مصير الانتخابات والدستور الدائم للبلاد" كخطوة أخيرة لحل الأزمة المستمرة. وقتها اعتبر مراقبون أن المسار السياسي انتهى وأن حفتر أرسل إشارة لرفضه أي حل سياسي، لا سيما أن توقيت إعلان حملته على طرابلس تزامن مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في العاصمة الليبية، لـ"بحث الترتيبات الأخيرة لعقد الملتقى الوطني الجامع في غدامس".

ويبدو أن المبادرة للرجوع إلى المسار السياسي مرتبطة بنتائج الميدان الذي يعيش مراوحة وجموداً منذ فترة، فحفتر أقر بـ"ضرورة وجود عملية سياسية" منذ زيارته باريس في 13 مايو/أيار الماضي، لكنه في الوقت ذاته ربطها بتوفر شروط لوقف إطلاق النار، من دون أن يفصح عن تلك الشروط، مقابل رفض مستمر من قبل حكومة الوفاق لحفتر كـ"شريك سياسي"، وأكد السراج في وقت سابق أن حفتر "انقلب على نتائج المفاوضات في أبوظبي".

وفي الأيام الأخيرة، بدأت البعثة الأممية في زيارات كان بعضها معلناً في طرابلس، كلقاءات سلامة الأسبوع الماضي مع السراج، ووزير الخارجية محمد سيالة، لكن بعضها أفصح عنه في وقت لاحق، كلقائه بحفتر. وقال سلامة، خلال مؤتمر صحافي من تونس مساء الجمعة، إنه التقى حفتر "منذ حوالي عشرة أيام مطولاً وقضيت الأسبوع الماضي أتحاور مع أركان حكومة الوفاق مطولاً أكثر من مرة مع السراج ومعيتيق وسيالة وغيرهم".
وحملت لهجة سلامة ما يشير إلى دعم دولي لوضع حد للحرب القائمة جنوب طرابلس، فقد أكد أنه أبلغ قادة الأطراف المختلفة بأنه "لا يمكنك القول إنني غير راضٍ من دون أن تبيّن عن ماذا غير راضٍ وما هي شروطك لكي نخرج من هذا المأزق".

ومن جانب آخر، كشفت تصريحات سلامة عن تغير وشيك في الموقف الدولي، إذ قال "كل الدول دائمة العضوية وعدد من الدول غير دائمة العضوية (في مجلس الأمن) لديها صورة أكثر واقعية لحال الميدان وللمأزق العسكري الذي دخلت فيه العملية العسكرية في تخوم طرابلس، والتي تستدعي العودة بسرعة لإيجاد أو التوصل إلى حل سياسي يسمح بإعادة الحياة إلى العملية السياسية". بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتأكيد قرب تبلور رأي دولي موحد بشأن ليبيا وصدور قرار أممي على أساسه.

في المقابل، لا يبدو أن الواقع الميداني يشير إلى ظروف مهيأة لعودة المسار السياسي، فعلاوة على استمرار الاقتتال جنوب طرابلس، ما يعني إصرار حفتر في المضي في خياره العسكري، يبدو أن مبدأ وقف إطلاق النار أول شروط عودة العملية السياسية، وسط تضارب كبير في شروطه. فالحكومة تؤكد ضرورة "انسحاب قوات حفتر من مواقعها جنوب طرابلس ورجوعها إلى قواعدها الأصلية" كشرط لعودة المسار السياسي، لكن حفتر الذي لم يفصح عن شروطه التي أشار إليها اثناء زيارته لباريس في مايو الماضي، يعرف أن تركه لمواقعه الاستراتيجية جنوب العاصمة يعني فقدانه ورقة هامة للضغط والمساومة.

علاوة على ذلك وبينما يمتلك حفتر القرار العسكري داخل مليشياته ويمكنه تقرير وقف المعركة أو استمرارها، لا تبدو حكومة الوفاق مسيطرة بشكل كافٍ على قرار قواتها، التي تتألف من مجموعات عسكرية عدة، كان أكثرها إلى وقت قريب مختلفا وفي حالة اقتتال، أبرزها حالة "لواء الصمود" بقيادة صلاح بادي من مصراتة، ولواء "ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري من طرابلس، اللذين خاضا معارك جنوب شرقي العاصمة ضد بعضهما حتى يناير/كانون الثاني الماضي. كما أن مجموعات عسكرية أخرى كلواء "رحبة الدروع" في تاجوراء، لم يكن حتى وقت قريب يعترف بشرعية حكومة الوفاق. وبالتالي فإن خضوع تلك المجموعات، التي تعتبر حفتر من أعداء ثورة فبراير ويحمل مشروعاً عسكرياً دكتاتورياً، لقرار الحكومة بالقبول بوقف إطلاق النار، أمر يلقى شكوكاً.

ويرى مراقبون للشأن في ليبيا أن الآمال التي تحملها تصريحات وجهود سلامة الأخيرة، لا تعدو كونها بوادر لعودة المسار السياسي، ولا تزيد عن حد الدعوة والضغط. ومن جانب آخر يتهم بعضهم البعثة الأممية بمحاولة إنقاذ أوضاع حفتر المتأزمة بدفع من أنصاره الدوليين والإقليميين من خلال إعادته إلى طاولة التفاوض كشخص أساسي. لكن آخرين يعتبرون أن تورط حفتر في معركة طرابلس سيكون بمثابة عامل ضغط عليه للقبول بأي نتائج للعملية السياسية الجديدة.

إقليمياً ودولياً، تدل عدة لقاءات جرت في الآونة الأخيرة، على إمكانية عودة العملية السياسية وسحب الأطراف من ميادين القتال ونقلهم إلى طاولة المفاوضات، ومنها اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ولقاء آخر بين وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونظيره التركي مولود جاووش أوغلو، وأخيراً لقاء جمع وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، توازياً مع لقاءات تسربت أنباء عنها بين نواب من مجلس النواب في طبرق وأعضاء من مجلس الدولة في طرابلس.

ولا شك أن الرغبات الدولية والداخلية لعودة المسار السياسي ستتأسس على شكل جديد مبني على حقيقة الميدان ونتائجه، ورغبة الكثير من الليبيين بترك الخيار المسلح والجنوح للحلول السلمية، لكنها حتى الآن لا تتجاوز الدعوة وممارسة الضغوط في اتجاهها وتمهيد الظروف الملائمة.


المساهمون