ما يعيق تقدم التحالف في اليمن

27 يونيو 2017
+ الخط -
كل حروب المنطقة هي اقتصادية تتبناها وترعاها الولايات المتحدة الأميركية والقوى الاستعمارية العظمى، من أجل بيع الأسلحة ورفد خزينتها، فمن غير المعقول أن تنفق مليارات الدولارات لتصنيع تلك الأسلحة، ثم تتركها في المخازن، من دون أن تبحث لها عن سوق بيع. ومن غير المعقول أن تذهب لتعرض أسلحتها على دول فقيرة، لا تستطيع أن تنوء بقيمتها الباهظة التي لا تقدر عليها سوى الدول العربية النفطية.
ولذلك، من البديهي أن تتحول نعمة النفط إلى نقمة ووبال على المنطقة العربية، بل صار لعنةً على العرب، ويكاد لا يمر عقد على المنطقة العربية منذ اكتشف النفط فيها إلا وتشهد فيه حرباً ضروساً بشكل أو بآخر. وجاءت حرب اليمن لتتوّج الصراعات النفطية التي تخطط لها الولايات المتحدة لبيع الأسلحة وشفط الثروات.
وعليه، نستطيع الآن أن ندرك سبب تأخر الحسم بالنسبة لقوات التحالف السعودي، ومن معهم من اليمنيين، في جبهات نهم وميدي وحرض وتعز، لأن تقدمهم ونجاحهم في دخول العاصمة صنعاء ودحر الحوثيين وعلي عبدالله صالح يعني ببساطة انتهاء الحرب، وانتهاء مسوّغ التدخل الخارجي في اليمن، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به الأميركان حاليا.
لا تقتصر أهدافهم هذه المرة على بيع الأسلحة ونهب ثروات المنطقة، بل يهدفون أيضاً لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بناءً على مخطط واتفاق كيري/لافروف، فهما من أبرما اتفاق تقسيم المنطقة في القرن الحادي والعشرين، كما حدث في سايكس بيكو مطلع القرن العشرين. وبموجبه، أضحت روسيا شريكاً فاعلاً للولايات المتحدة في حروبها على المنطقة العربية التي تقودها تحت يافطة محاربة الإرهاب الذي تكوّن له فصيل داعش برعاية أميركية، بين عشيةٍ وضحاها. فداعش شماعة للتدخل في دول النفط العربية لبيع الأسلحة وشفط النفط والتمهيد لتجزئتها، مع أنّ "داعش" يتنافى تماماً والإسلام. صحيح أن هناك فكر ديني متطرّف ساعد أميركا في إخراج "داعش" للوجود وبسرعة البرق، لكن ذلك لم يكن كافياً لتبرير هذا التدخل السافر في العراق وسورية.
وحين عجزوا عن إيجاده في اليمن والخليج، بادروا لاستغلال الأحقاد بين الأطراف السياسية المتصارعة في اليمن، ورغبتهم جميعا في إقصاء بعضهم بعضا، فأذكوا ذلك الصراع، ومهدوا له بطرد السلفيين من صعدة، وتشجيع الحوثيين لاجتياح المناطق، واحدة تلو الأخرى، بدعم من صالح والعناصر الموالية له قبلياً وعسكريا، وبموافقة تامة من الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي جاء به الأميركان من دون منافس، بعد أن أقنعوا صالح وحزب الإصلاح وتكتل اللقاء المشترك بأنّه أفضل من يمكن أن يتولى الحكم، واجهة ضعيفة وهم يحكمون من خلاله، وأوهموا كل طرف على حدة، فظن صالح أن هادي سيظل الطائع له كما كان، وظنّ "الإخوان المسلمون" أنهم يستطيعون تمرير كل شيء ويحكمون البلد من خلال هادي.
وبعد فرار هادي من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون وصالح من صنعاء إلى عدن، كان صالح يدرك أنّ فرار هادي سيجلب له ولليمن المتاعب، وسيكون شمّاعة للتدخل الخارجي، وهو ما كان. وكان في وسع صالح تفادي ذلك، لولا حبه وهوسه المطلق بالسلطة، ورغبته الانتقامية من خصومه الذين أخرجوه من السلطة، لهذا فهو يتحمل الوزر الأكبر في هذه المأساة التي يعيشها اليمن، كونه عاملاً رئيسيا فيها، والأكثر إدراكاً للمخطط الأميركي من غيره.
جبهة تعز بالذات لو سقطت بيد الطرف الذي تدعمه السعودية سيجعل من تعز بؤرة للإرهاب الحقيقي الذي تقوده الفصائل الجهادية الإسلامية، من سلفيين وإخوان مسلمين، والذين يتم تجيير "داعش" والقاعدة عليهم من الولايات المتحدة وحلفائها، وبالتالي انتصارهم سيهدّد المنطقة القريبة من باب المندب والملاحة الدولية، وانتصارهم سيرفع الروح المعنوية لدى بقية الجبهات في نهم وميدي وحرض، والذين هم على استعدادٍ لخوض معارك ضارية للقضاء على الحوثيين والسيطرة على العاصمة صنعاء.
ولو وقف معهم التحالف كما يريدون وبصدق، لكانوا قد أنهوا الانقلاب في العام 2016، حين قويت شوكتهم وأعادوا ترتيب أوضاعهم تماماً. لكن التحالف الذي ترعاه الولايات المتحدة لا يريد ذلك، والدليل أنّ القوات المسماة بالشرعية كلما تقدمت بدون إذن أميركي، يتم قصفها في مواقعها، مرة تلو أخرى، حتى بات معظم العناصر يشتم هادي و"التحالف" جهاراً نهارا، ويتبرمون من سياستهم التي تحد من تقدمهم، وتعيق وصولهم إلى الأرض المنشودة التي تحن لها قلوبهم (صنعاء).
أظن بعد ذلك لم يعد هناك من يشكو عدم فهمه لعرقلة تقدم ما تسمّى بالمقاومة والشرعية في جبهات نهم وميدي وحرض وتعز.

D9CA01CC-BE2E-46F2-B1ED-138052F370D7
D9CA01CC-BE2E-46F2-B1ED-138052F370D7
فايز محيي الدين (اليمن)
فايز محيي الدين (اليمن)