18 نوفمبر 2024
ما وراء قصة آية حجازي
بعد الإفراج عن الناشطة الاجتماعية المصرية/ الأميركية، آية حجازي، حاول البيت الأبيض تسويق الأمر على أنه انتصار سياسي للرئيس دونالد ترامب وتنفيذ لوعوده بأميركا قوية، مقارنة بأميركا الضعيفة المتردّدة في عهد سلفه باراك أوباما. وفي مصر، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالجدل حول دور التدخل الأميركي في إطلاق سراح آية.
ما أغفله الأميركيون ونسيه المصريون، أنها ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها موقوفون أجانب أو مزدوجو الجنسية، فلا زالت قضية "منظمات المجتمع المدني" الشهيرة ماثلةً في الأذهان. عندما بعثت واشنطن طائرةً عسكريةً خصيصاً لتحمل المتهمين الأجانب (بينهم 19 أميركياً)، في مشهد أكثر سينمائيةً مما جرى في قضية آية حجازي. إذن، لا جديد حول قدرة واشنطن على حماية مواطنيها أو استعادتهم، أو حول طبيعة الميزان الحاكم للعلاقة بين واشنطن والقاهرة، خصوصاً أن دوافع إدارة ترامب لإثارة قضية حجازي، وتضخيم إطلاقها إعلامياً، داخلية بامتياز. حيث الهدف الأساس هو تسويق ترامب منقذاً وحامياً لأميركا ومواطنيها، كما وعد في حملته الانتخابية.
أما ما حاولت بعض دوائر المعارضة المصرية إبرازه حول ما اعتبرته انصياعاً مصرياً "لإملاءات" ترامب، فلم يكن بالضرورة هدفاً لترامب، إذ لا يعنيه كثيراً مظهر حلفائه، سواء تسبب في إحراجهم أو لا. ما يهم ترامب ومستشاريه هو مظهر الإدارة واستعادة سمعة "أميركا القوية". سواء توافق ذلك مع حسابات دولةٍ حليفة، أو أدى إلى العكس، فوضع سلطاتها في مأزق أو حرج داخلي. في الحالين، لا يمثل الأمر أهميةً لترامب، ولا تلتفت إدارته إلى حسابات الجانب الآخر وتقديراته، إلا إذا اضطرت لذلك، ويبدو أنها، في تلك الحالة، غير مضطرة. بل على العكس، كان واضحاً أن واشنطن غير حريصةٍ بالمرة على حفظ ماء وجه القاهرة، أو إخراج المسألة "بشياكة". وليس أدل على ذلك من التمسّك بترتيب مغادرة آية بصورة عاجلة على متن طائرة عسكرية، وبصحبة دينا باول. ثم راح ترامب وإدارته بل وأسرته يتباهون بإعادة آية إلى "وطنها" حسب تعبير ترامب الذي استقبلها في البيت الأبيض. وما من إشارة أميركيةٍ أو لفتةٍ ما تعكس مراعاة خاطر القاهرة، أو تأخذ موقف السلطة في مصر وتعقيداته الداخلية في الحسبان.
وإذ لم تعلق السلطات المصرية على حملة الانتقادات التي وُجهت إليها بسبب توقيت إطلاق حجازي ودراماتيكيته، وجد القضاء المصري نفسه في الواجهة. فقد حصلت آية على البراءة من الاتهامات التي وجهت إليها، وأثار ذلك تساؤلاتٍ وانتقادات، ليس تشكيكاً في براءة آية، وإنما استغراباً ودهشة من براءتها المفاجئة بعد توقيفها ثلاث سنوات رهن الحبس الاحتياطي. وبالطبع، كان للتوالي الزمني بين زيارة رأس السلطة في مصر وتبرئة آية النصيب الأكبر من موجة الانتقاد والسخرية لدى المصريين. غير أن الحكم بالبراءة، وليس بالإدانة، جنّب السلطة حرج اتخاذ قرار بالعفو عنها. على الرغم من أن السيسي صرّح في حوار مع "فوكس نيوز" في أثناء وجوده في واشنطن إنه إذا صدر حكم القضاء بإدانة آية فسيستخدم صلاحياته الدستورية لإخراجها. لكن جاءت التبرئة القضائية لتعفيه من الخطوة، وتبعد الحرج عنه نسبياً، باتجاه القضاء.
المسكوت عنه في ذلك كله، أن قضية حجازي، السيدة المصرية التي تحمل الجنسية الأميركية، جدّدت الحديث عن العلاقات المصرية الأميركية والوزن النسبي للطرفين فيها. لكن لم يتطرّق أحدٌ، لا في واشنطن ولا القاهرة، إلى حقيقة براءة آية أو إدانتها. فقد انشغل الجميع بإطلاقها وطريقته وسيناريو إخراجه، من دون البحث فيما إذا كانت تستحق البراءة فعلاً أم لا. وليس واضحاً إذا كان هذا يعني يقيناً وتسليماً بعدالة القضاء المصري واستقلاليته، أم أن الأهم من حقيقة براءتها هو ثبات وتكرار طريقة ونمط إدارة قضايا وملفاتٍ كهذه، من أوباما الهادئ الليّن إلى ترامب الشعبوي الصاخب.
ما أغفله الأميركيون ونسيه المصريون، أنها ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها موقوفون أجانب أو مزدوجو الجنسية، فلا زالت قضية "منظمات المجتمع المدني" الشهيرة ماثلةً في الأذهان. عندما بعثت واشنطن طائرةً عسكريةً خصيصاً لتحمل المتهمين الأجانب (بينهم 19 أميركياً)، في مشهد أكثر سينمائيةً مما جرى في قضية آية حجازي. إذن، لا جديد حول قدرة واشنطن على حماية مواطنيها أو استعادتهم، أو حول طبيعة الميزان الحاكم للعلاقة بين واشنطن والقاهرة، خصوصاً أن دوافع إدارة ترامب لإثارة قضية حجازي، وتضخيم إطلاقها إعلامياً، داخلية بامتياز. حيث الهدف الأساس هو تسويق ترامب منقذاً وحامياً لأميركا ومواطنيها، كما وعد في حملته الانتخابية.
أما ما حاولت بعض دوائر المعارضة المصرية إبرازه حول ما اعتبرته انصياعاً مصرياً "لإملاءات" ترامب، فلم يكن بالضرورة هدفاً لترامب، إذ لا يعنيه كثيراً مظهر حلفائه، سواء تسبب في إحراجهم أو لا. ما يهم ترامب ومستشاريه هو مظهر الإدارة واستعادة سمعة "أميركا القوية". سواء توافق ذلك مع حسابات دولةٍ حليفة، أو أدى إلى العكس، فوضع سلطاتها في مأزق أو حرج داخلي. في الحالين، لا يمثل الأمر أهميةً لترامب، ولا تلتفت إدارته إلى حسابات الجانب الآخر وتقديراته، إلا إذا اضطرت لذلك، ويبدو أنها، في تلك الحالة، غير مضطرة. بل على العكس، كان واضحاً أن واشنطن غير حريصةٍ بالمرة على حفظ ماء وجه القاهرة، أو إخراج المسألة "بشياكة". وليس أدل على ذلك من التمسّك بترتيب مغادرة آية بصورة عاجلة على متن طائرة عسكرية، وبصحبة دينا باول. ثم راح ترامب وإدارته بل وأسرته يتباهون بإعادة آية إلى "وطنها" حسب تعبير ترامب الذي استقبلها في البيت الأبيض. وما من إشارة أميركيةٍ أو لفتةٍ ما تعكس مراعاة خاطر القاهرة، أو تأخذ موقف السلطة في مصر وتعقيداته الداخلية في الحسبان.
وإذ لم تعلق السلطات المصرية على حملة الانتقادات التي وُجهت إليها بسبب توقيت إطلاق حجازي ودراماتيكيته، وجد القضاء المصري نفسه في الواجهة. فقد حصلت آية على البراءة من الاتهامات التي وجهت إليها، وأثار ذلك تساؤلاتٍ وانتقادات، ليس تشكيكاً في براءة آية، وإنما استغراباً ودهشة من براءتها المفاجئة بعد توقيفها ثلاث سنوات رهن الحبس الاحتياطي. وبالطبع، كان للتوالي الزمني بين زيارة رأس السلطة في مصر وتبرئة آية النصيب الأكبر من موجة الانتقاد والسخرية لدى المصريين. غير أن الحكم بالبراءة، وليس بالإدانة، جنّب السلطة حرج اتخاذ قرار بالعفو عنها. على الرغم من أن السيسي صرّح في حوار مع "فوكس نيوز" في أثناء وجوده في واشنطن إنه إذا صدر حكم القضاء بإدانة آية فسيستخدم صلاحياته الدستورية لإخراجها. لكن جاءت التبرئة القضائية لتعفيه من الخطوة، وتبعد الحرج عنه نسبياً، باتجاه القضاء.
المسكوت عنه في ذلك كله، أن قضية حجازي، السيدة المصرية التي تحمل الجنسية الأميركية، جدّدت الحديث عن العلاقات المصرية الأميركية والوزن النسبي للطرفين فيها. لكن لم يتطرّق أحدٌ، لا في واشنطن ولا القاهرة، إلى حقيقة براءة آية أو إدانتها. فقد انشغل الجميع بإطلاقها وطريقته وسيناريو إخراجه، من دون البحث فيما إذا كانت تستحق البراءة فعلاً أم لا. وليس واضحاً إذا كان هذا يعني يقيناً وتسليماً بعدالة القضاء المصري واستقلاليته، أم أن الأهم من حقيقة براءتها هو ثبات وتكرار طريقة ونمط إدارة قضايا وملفاتٍ كهذه، من أوباما الهادئ الليّن إلى ترامب الشعبوي الصاخب.