27 سبتمبر 2018
ما لا تفهمه الطبقات الحاكمة
تصرّ الطبقات المسيطرة على الاستمرار في تنفيذ سياساتها الاقتصادية، على الرغم من أن هذه السياسات هي التي أدت إلى نشوب الثورات. هي لا تريد الاقتناع بهذه المسألة، أي بأن سياستها الاقتصادية هي التي أفضت إلى الثورات. نهبت الاقتصاد، وفرضت سطوتها من خلال دولة استبدادية، استبدادية بالفعل، ربما على الرغم من بعض الانفراج. وبالتالي، نهبت من دون رادع، أو كشف، أو محاسبة، تحت ستار الاستبداد. واستمرت في نهبها، وما زالت مستمرة، على الرغم من كل الذي حدث. وهي تستغرب استمرار الاحتجاج الاجتماعي، وتشعر بأن الاحتقان ما زال في توتره، وأنه يمكن أن ينفجر من جديد في ثورة جديدة، لكنها تستمر في سياستها الاقتصادية القائمة على النهب، وتجريف المجتمع. باتت عاجزة عن التوقف عن النهب، لأنها تريد التراكم السريع، بعد أن حصرت نشاطها في قطاع ريعي، وهو قطاع يفترض التراكم السريع، في ظل اقتصاد عالمي بات يعتمد على النهب من خلال المضاربات والبورصات واللعب بالمال. ولهذا، لا ترى أنه من الممكن أن تتراجع من أجل تخفيف الأعباء الملقاة على الشعب، ومحاولة تحسين وضعه، بل تصرّ على أن "من حقها" أن تستمر في النمط الاقتصادي نفسه الذي يقوم على النهب وزيادة النهب، ومراكمة النهب.
أفقرت الكتلة الأكبر في المجتمع، حيث ارتفعت البطالة بشكل كبير، وأصبح الأجر لا يفي العيش، وانهار التعليم والوضع الصحي والبنية التحتية، لأن الدولة سحبت دعمها لهذه القطاعات، على الرغم من أنها زادت الضرائب على الشعب. وهي تمعن في إهمال كل هذه القطاعات، وتزيد في الضرائب، وتستمر في خصخصة القطاعات التي لم تخصخص بعد، مثل التعليم والصحة والماء والكهرباء. الأمر الذي يعني زيادة كلفة هذه القطاعات، لتشكل عبئاً جديداً على الشعب. حيث تعمل على أن تقلل من مصاريف الدولة مع زيادة مداخيلها، من خلال فرض ضرائب جديدة، وجمارك جديدة. المداخيل التي يسرق بعضها، ويدفع معظمها سداداً لأقساط الديون وفوائد عليها.
على الرغم من ذلك كله، تريد الطبقة الحاكمة من الشعب أن "يهدأ"، وأن يوقف احتجاجاته و"مطالبه الفئوية"، وألا يعترض على السياسات التي تمارسها، لأنها "تخدم" الاستقرار، وسوف تؤدي إلى "تحسين وضع الشعب". لكنها كذلك، وبالتوازي مع هذا الخطاب، تزيد من ميلها إلى السيطرة على المجتمع من خلال العنف، والتخويف، والاعتقال، والخطف والقتل. وهي تشدد العنف ضد المجتمع، وتعيد تكريس قوى القمع، من دون أن تسمح بمحاسبة أي عنصر فيها، فهي تريد استمرار النمط الاقتصادي القائم الذي عبره تحقق النهب والتراكم السريع، وهو النمط الذي أدى إلى كل المشكلات التي أنتجت الثورات. وبالتالي، فلا تسعى إلى حل مشكلة البطالة، على العكس تزيدها، ولا تسعى لزيادة الأجور، بل تميل إلى تخفيضها. وإضافة إلى ذلك، تزيد الضرائب، وتوغل في الخصخصة كما أشرت. حيث أنها لا تستطيع التوقف عن تحقيق التراكم السريع الآتي عن طريق النهب، بالتالي، هي معنية بتوسيع طرق النهب، وليس وقفه.
ولهذا، ولأنها تريد استمرار اقتصادها، فهي تعتبر حراك الشعب مؤامرة، وبفعل تدخّل
"خارجي"، بالضبط لأنها تريد تشويهه، بعد أن أوجدت ظروفاً تفرضه. هي تستعيد نظرية المؤامرة، لكي تُقنع أتباعها بأن ما يجري هو من فعل خارجي، كما لكي تغطي على السبب الحقيقي الذي يتعلق بها هي بالذات، بمصالحها التي تفرض ممارسة مزيد من النهب، وبالتالي، الإفقار والتهميش، ودفع المجتمع إلى "الموت". فهي لا تريد أن يُعمم أن السبب الحقيقي لحراك الشعب هو الفقر والتهميش والبطالة التي تنتج كلها عن السياسات الاقتصادية التي تتبعها هي. تريد تشويه الصراع من خلال اعتبار أنه نتيجة "مؤامرة" خارجية، من عملاء، بالضبط لأنها لا تريد أن يظهر أن سبب ذلك كله هو سياساتها، ونهبها. من الأسهل أن تقول، وأن يصدح إعلامها بأن ثورات الشعب هي نتاج افتعال خارجي، ومؤامرة خارجية، لأنها لن تعترف بأن نهبها هو السبب الجوهري في انفجار الشعب في الثورة.
ذلك كله يعني أنْ لا خيار لدى الطبقات المسيطرة والنظم التي تحكمها سوى "القتال المستميت" من أجل الحفاظ على النمط الاقتصادي الذي يحقق مصالحها، ورفض كل دعوة إلى تغييره أو حل المشكلات التي تنتج عنه. ولهذا، تميل إلى زيادة "التشدد" الأمني، وخنق الحريات، وملاحقة كل النشطاء. وهي في الدفاع عن نمطها تزيد من حدة الصراع ضد المجتمع، ومحاولة سحق كل احتجاج أو حراك أو تظاهر. وبالتالي، هي تميل إلى الوحشية، وليست ممارسة النظام السوري سوى الشكل الأوضح لممارسة سلطةٍ طبقيةٍ، تريد الحفاظ على مصالحها. هذا يعني أنه ليس الاحتجاج هو الذي يفضي إلى العنف والقتل، فالاحتجاج مشروع ضد الفقر وضد الجوع، بل إن تمسك الطبقة المسيطرة، المتمثلة في النظم هي التي تريد العنف والوحشية، من أجل الحفاظ على نهبها المجتمع، وتوسيع مصالحها. لأنها تريد القتال حتى النهاية، دفاعاً عن مصالحها، حيث سيكون التنازل للشعب خسارة كبيرة لها، وإنْ كان تنازلاً شكلياً.
هذه هي المعادلة التي تؤسس للمآل الذي وصل إليه الوضع في ليبيا واليمن وسورية، ويمكن أن يوصل إليه الوضع في بلدان أخرى ربما. فالمسألة لا تتعلق لا بالإرهاب ولا بالأصولية، فهذه نتاج أو إفراز سلطوي أكثر من كونها نتاجاً مجتمعياً، بل تتعلق بالضبط في التمسك المفرط من الطبقات الحاكمة بنظمها. فهي التي تدافع، إلى حدّ التدمير والقتل والإبادة عن نهبها الذي توفره لها نظم مستبدة. هي لا تريد الرحيل، بعد كل الذي نهبته، ولا يهمها التدمير والقتل، ما دامت حصرت الاقتصاد في قطاع ريعي.
لكن، ما لا تفهمه هذه الطبقات يتمثّل في أن تمرُّد الشعب لن يتوقف، وأنه سوف يفرض التغيير بالضرورة. وإنْ كان يتسم الآن بالعفوية، نتيجة غياب الفاعلين السياسيين الذين يستطيعون تنظيم الصراع وتطويره، لكي ينتصر ضد تلك الطبقات. لكن التجربة تعلِّم، وستعلم الشعب كيف ينتصر.
أفقرت الكتلة الأكبر في المجتمع، حيث ارتفعت البطالة بشكل كبير، وأصبح الأجر لا يفي العيش، وانهار التعليم والوضع الصحي والبنية التحتية، لأن الدولة سحبت دعمها لهذه القطاعات، على الرغم من أنها زادت الضرائب على الشعب. وهي تمعن في إهمال كل هذه القطاعات، وتزيد في الضرائب، وتستمر في خصخصة القطاعات التي لم تخصخص بعد، مثل التعليم والصحة والماء والكهرباء. الأمر الذي يعني زيادة كلفة هذه القطاعات، لتشكل عبئاً جديداً على الشعب. حيث تعمل على أن تقلل من مصاريف الدولة مع زيادة مداخيلها، من خلال فرض ضرائب جديدة، وجمارك جديدة. المداخيل التي يسرق بعضها، ويدفع معظمها سداداً لأقساط الديون وفوائد عليها.
على الرغم من ذلك كله، تريد الطبقة الحاكمة من الشعب أن "يهدأ"، وأن يوقف احتجاجاته و"مطالبه الفئوية"، وألا يعترض على السياسات التي تمارسها، لأنها "تخدم" الاستقرار، وسوف تؤدي إلى "تحسين وضع الشعب". لكنها كذلك، وبالتوازي مع هذا الخطاب، تزيد من ميلها إلى السيطرة على المجتمع من خلال العنف، والتخويف، والاعتقال، والخطف والقتل. وهي تشدد العنف ضد المجتمع، وتعيد تكريس قوى القمع، من دون أن تسمح بمحاسبة أي عنصر فيها، فهي تريد استمرار النمط الاقتصادي القائم الذي عبره تحقق النهب والتراكم السريع، وهو النمط الذي أدى إلى كل المشكلات التي أنتجت الثورات. وبالتالي، فلا تسعى إلى حل مشكلة البطالة، على العكس تزيدها، ولا تسعى لزيادة الأجور، بل تميل إلى تخفيضها. وإضافة إلى ذلك، تزيد الضرائب، وتوغل في الخصخصة كما أشرت. حيث أنها لا تستطيع التوقف عن تحقيق التراكم السريع الآتي عن طريق النهب، بالتالي، هي معنية بتوسيع طرق النهب، وليس وقفه.
ولهذا، ولأنها تريد استمرار اقتصادها، فهي تعتبر حراك الشعب مؤامرة، وبفعل تدخّل
ذلك كله يعني أنْ لا خيار لدى الطبقات المسيطرة والنظم التي تحكمها سوى "القتال المستميت" من أجل الحفاظ على النمط الاقتصادي الذي يحقق مصالحها، ورفض كل دعوة إلى تغييره أو حل المشكلات التي تنتج عنه. ولهذا، تميل إلى زيادة "التشدد" الأمني، وخنق الحريات، وملاحقة كل النشطاء. وهي في الدفاع عن نمطها تزيد من حدة الصراع ضد المجتمع، ومحاولة سحق كل احتجاج أو حراك أو تظاهر. وبالتالي، هي تميل إلى الوحشية، وليست ممارسة النظام السوري سوى الشكل الأوضح لممارسة سلطةٍ طبقيةٍ، تريد الحفاظ على مصالحها. هذا يعني أنه ليس الاحتجاج هو الذي يفضي إلى العنف والقتل، فالاحتجاج مشروع ضد الفقر وضد الجوع، بل إن تمسك الطبقة المسيطرة، المتمثلة في النظم هي التي تريد العنف والوحشية، من أجل الحفاظ على نهبها المجتمع، وتوسيع مصالحها. لأنها تريد القتال حتى النهاية، دفاعاً عن مصالحها، حيث سيكون التنازل للشعب خسارة كبيرة لها، وإنْ كان تنازلاً شكلياً.
هذه هي المعادلة التي تؤسس للمآل الذي وصل إليه الوضع في ليبيا واليمن وسورية، ويمكن أن يوصل إليه الوضع في بلدان أخرى ربما. فالمسألة لا تتعلق لا بالإرهاب ولا بالأصولية، فهذه نتاج أو إفراز سلطوي أكثر من كونها نتاجاً مجتمعياً، بل تتعلق بالضبط في التمسك المفرط من الطبقات الحاكمة بنظمها. فهي التي تدافع، إلى حدّ التدمير والقتل والإبادة عن نهبها الذي توفره لها نظم مستبدة. هي لا تريد الرحيل، بعد كل الذي نهبته، ولا يهمها التدمير والقتل، ما دامت حصرت الاقتصاد في قطاع ريعي.
لكن، ما لا تفهمه هذه الطبقات يتمثّل في أن تمرُّد الشعب لن يتوقف، وأنه سوف يفرض التغيير بالضرورة. وإنْ كان يتسم الآن بالعفوية، نتيجة غياب الفاعلين السياسيين الذين يستطيعون تنظيم الصراع وتطويره، لكي ينتصر ضد تلك الطبقات. لكن التجربة تعلِّم، وستعلم الشعب كيف ينتصر.