كانت المرة الأولى التي يتجرأ فيها هاري ويسافر مع ستوريا بعينٍ مفتوحة، ربما ما رآه في تلك الثواني هو أفضل ما في رحلته، رأى نفسه طائراً فوق شبه جزيرة تعانق بحراً ومحيطاً وسلسلة جبال، كان يحلم دوماً بأن يطير، لا يصدق أن جميع أحلامه تتحقق الآن بسبب أمنية تمناها وقت ابتسام القدر له، اقترب أكثر وبدأ شكل شبه الجزيرة يتلاشى وتُصبح الصورة أكثر وضوحاً، مكان هبوطه أصبح محدداً أكثر، مكان هبوطه هو ملعب كرة قدم بكل تأكيد.
لم تستغرق ابتسامة هاري الطفولية أكثر من ثوانٍ قليلةٍ، فستوريا كان قد أشار بيده إلى الملعب ليلفت نظر هاري أن الفريقين قد نزلا إلى الميدان.
تحوّل نظر هاري سريعاً إلى الملعب ليتأكد أن المباراة التي يشاهدها هي مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، لكن يبدو أن الأمر لم يكن مُمتعاً له، فهو يعلم نتيجة المباراة، يعلم أنها ستنتهي 5-0 لصالح ريال مدريد.
نظر هاري إلى ستوريا وكأنه خيّب ظنه هذه المرة: أعلم نتيجة تلك المباراة وأعلم آنها انتهت بنتيجة ثقيلة لصالح مدريد، ربما لا أتذكر من أحرز الأهداف ولكن الأمر غير مُمتع مقارنة بما رأيته من قبل.
ستوريا: لا تعتد أن تُطلق أحكاماً مُبكرة، انظر إلى الملعب الآن.
نظر هاري إلى الملعب مُستاءً، ولكن هذا الاستياء لم يستمر طويلاً، نظر ليجد أحد لاعبي مدريد يحرز هدفاً وينطلق نحو جماهير الأبيض مُشيراً إلى قميص وشعار ريال مدريد، جن جنون جماهير البلانكو ريال مدريد من حول هاري وهي تحتفل مع لاعبها لويس إنريكي بعد هدفه في الغريم التقليدي برشلونة.
هاري: ستوريا، هل هذا هو لويس إنريكي نفسه مُدرب برشلونة الحالي؟ هل كان يلعب لصالح ريال مدريد؟
ستوريا: نعم هي إجابة للسؤالين، لويس إنريكي كان معشوق جماهير ريال مدريد، ولكن لا شيء يبقى كما هو للأبد، لا شيء، إنريكي ظل مدريدياً لمدة 5 أعوام، 5 أعوام قضاها في أحضان البيرنابيو قبل أن ينتقل مباشرة إلى برشلونة. دعني أريك ما حدث بعد 5 سنوات من وقتنا هذا.
من جديد وجد هاري نفسه جالساً في ملعب سانتياغو بيرنابيو، وأيضاً مع جماهير ريال مدريد. من نظرة أولى وحيدة، استطاع أن يُميّز لويس إنريكي، ولكن هذه المرة كان يرتدي قميص البلوجرانا برشلونة. وكأن المشهد يُعاد من جديد مع بعض الاختلافات، إنريكي يحرز هدفاً، لكن في ريال مدريد، يركض نحو جماهير ريال مدريد في قلب البيرنابيو يحتفل الاحتفال نفسه الذي احتفله معهم منذ سنوات، ولكن تلك المرة لم تكن جماهير البلانكو سعيدة، فمعشوقهم السابق يشير بيده الآن إلى شعار برشلونة وقميصها. البعض لم يصدق ما كان يحدث أمام عينه، والبعض الآخر أطلق اللعنات على اللوتشو إنريكي، ولكن الجميع اعتبر لويس خائناً.
فتح ستوريا ذراعيه ليظهر بينهما لوح زجاجي أشبه ببلورة سحرية، نظر هاري بداخلها ليرى تاريخاً يمر أمام عينه. إنريكي يسجل هدفاً آخر في مدريد، إحصائية تقول إن إنريكي لم يخسر أمام فريقه السابق سوى مباراتين من أصل 9 مباريات، إنريكي يرفع كأس الملك كقائد لبرشلونة بعد فوزه على ريال بيتيس في ملعب السانتياغو بيرنابيو أيضاً وبجانبه لويس فيجو بقميص برشلونة، لويس فيجو نفسه يستعد للعب ضربة ركنية وهو يرتدي قميص ريال مدريد قبل أن تلقي عليه جماهير برشلونة رأس خنزير جزاءً لخيانته لهم وذهابه للغريم مدريد.
هاري: إذاً كلا اللويسين، فيجو وإنريكي، يُعتبر خائناً من وجهة نظر جماهير فريقهم القديم. أنا أعشق تلك التفاصيل في كرة القدم. أنا أعشق هذا الجنون.
ستوريا: حسناً، الآن سنذهب وغداً سنشاهد الجنون بلغة أخرى.
في طريقهم لمخبئهم، قال هاري: بذكر اللغات، كيف أستطيع أن أفهم كل تِلك اللغات وأنا لا أعلم عنها شيئاً؟
ستوريا: ساعة الحظ يا عزيزي، ساعة اكتمال القمر، تتعجب من فهمك للغات مُختلفة ولا تتعجب من ذهابك لتلك البلدان طائراً في السماء في غضون دقائق؟ ثم أردف مُبتسماً: اخلد للنوم يا صديقي وغداً سنسير تحت سماء ألمانيا.
(مصر)
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
