ما بقي من محمد شكري في طنجة

21 يوليو 2018
(شكري في طنجة، تصوير: رشيد الوطّاسي)
+ الخط -

لا يغيب اسم الكاتب المغربي محمّد شكري (1935 - 2003)، عن "مهرجان ثويزا للثقافة الأمازيغية" الذي يُنظَّم في مدينة طنجة منذ 2005. ضمن فعاليات دورته الرابعة عشرة، التي انطلقت الخميس الماضي وتستمرّ حتى يوم غدٍ الإثنين، تُقام الدورة الثانية عشرة من "خيمة محمّد شكري" التي تُنظّمها مؤسّسةٌ تحمل اسمه.

تحمل "الخيمة" هذا العام عنوان "محمّد شكري مغاربياً" في ما يبدو محاولةً للإضاءة على الأبعاد المغاربية في كتاباته، وتستضيف كتّاباً من المغرب وخارجه للحديث عن تجربة صاحب "الخبز الحافي"، من بينهم من تصفهم بأنهم أصدقاء مقرّبون منه. لكن اللافت، هنا، أن أصدقاءه تزايدوا بشكلٍ كبير منذ رحيله. وتلك إحدى المفارقات المغربية.

أمّا التظاهرة، التي تُنظّمها مؤسّسةٌ لم تتمكّن بعد مرور سنوات على تأسيسها من الحصول على أرشيف شكري الخاص، فباتت أقرب إلى مناسبة اجتماعية لتكرار حديثٍ لا يُقدّم جديداً حول الكاتب.

يُمكن القول إن اسم شكري يتعرّض إلى أشكال متعدّدةٍ من الإساءة منذ رحيله؛ الرجل، الذي لم يكُن يتردّد في تقريع من يتمادى معه وصرفِه عن مجلسه، رغم ما عُرف عنه من دماثة، صار أشبه بالعلامة التجارية؛ فالعديد ممّن كانوا يُعادونه أصبحوا يدّعون صداقته، وبعضهم كتب عنه بحثاً عن بعض الشهرة، بل إن أحدُهم، وهو لم يعرف الكاتبَ عن قربٍ، أفرد له كتاباً، بينما باع آخر سترةً زائفة لإحدى هاويات جمع التحف، موهماً إيّاها أنها لصاحب "الخبز الحافي".

في الوقت نفسه، كانت متعلّقاته الشخصية تنتقل بين أيدي ورثةٍ لم تكن علاقته بهم جيّدة جدّاً، بعد تأخّر إنشاء مؤسّسة تحمل اسمه وتحفظ ميراثه الرمزي.

أمّا المطعم الذي كان يُجالس فيه أصدقاءه وزوّاره، فحوّل "الخبز الحافي" إلى علامةٍ تجارية، بينما حلّقت روح المؤلّف بعيداً تاركةً المكان لضوضاء الشاشات الخمس التي أصبحت تنقل مقابلات كرة القدم على مدار الساعة.

أحد الكتّاب حاول نسف "أسطورة شكري"؛ فتقمّص دور المحقّق للتشكيك في إمكانية تعلّمه الكتابة والقراءة في سن العشرين، ثمّ نسب العنوان لنفسه، مدّعياً أنه اقترحه على شكري. كما استبعد وجود أحداث السيرة على مستوى الواقع، وحاكم الكاتب والكتاب متقمّصاً دور الرقيب الاجتماعي والأخلاقي، معتبراً أنه يُشوّه القيَم المغربية ويُكرّس صوراً نمطية مثيرة عن الجنس تستهوي القارئ الغربي.

بلغة ركيكة، يقول حسن العشاب في كتابه اليتيم "محمد شكري كما عرفتُه" أن "الإثارة" كانت "وسيلة لينال الكتاب إعجابَ القرّاء" ولا يفوت العشاب العبقري الحديث عن "غياب الضوابط التي يجب أن تُفرَض على الكتابة، والتي يجب أن تحترم صاحبها وكذلك القارئ المهتم بالقراءة الأدبية الوطنية، ناهيك عن الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية بأسلوبٍ إنشائي دون المستوى المطلوب، تجعلك تتمعّن في مضمونها، فكأنك تشاهد أفلاماً للخلاعة"!

اختار شكري أن يُغرِّدَ خارج السرب لكنه اليوم غريبٌ غربتين في مدينته وبلده وسط جوقة من الرواة والأدعياء.

دلالات
المساهمون