16 نوفمبر 2024
ما بعد جريمة "هاناو"
مضى عام على المجزرة الدمويّة التي أقدم عليها النيوزلندي "برينتون تارانت" في مدينة "كرايستشرش" في نيوزلندا والتي راح ضحيتها 51 مصلياً مسلماً يوم الجمعة 15 مارس/ آذار 2019، في أسوأ حادث إرهابي لقتل جماعي بخلفية فاشية عنصرية، حتى فجُعنا مساء الأربعاء 19 فبراير/ شباط في مدينة "هاناو" تبعد 30 كيلومتراً شرق فرانكفورت، بهجوم آخر على مقهى نرجيلة قُتل فيه أربعة شُبان تتراوح أعمارهم بين 21 والـ 44 عاماً، ومن ثم غادر القاتل المكان وبدم بارد دخل حانوتاً في الجوار فقتل أمّاً لطفلين حاملاً وأجهز على أربعة آخرين معها.
هذه الأماكن المستهدفة يرتادها بالعادة عرب وأتراك وجنسيات عديدة أخرى. راح ضحية هذا العمل الإرهابي الفاشي 10 أشخاص بين أتراك وبلغار، وروماني، وبوسني وأفغاني، بالإضافة إلى والدة القاتل التي أجهز عليها ولدها المجرم "توبياس راتجن" البالغ من العمر 43 عاما، بعد تنفيذ العملية الإرهابية، ومن ثم قتل نفسه ليكون هو العاشر ضحية إجرامه وكراهيته وتوّجهه الإرهابي اليميني المتطرّف المدمّر.
لم يمرّ أكثر من ثلاثة أيام حتى تكرّر الهجوم يوم السبت 22 فبراير/ شباط في جنوب ألمانيا في مدينة "شتُوتغَارت" على مقهى نرجيلة مماثل كالذي في "هاناو"، غير أنّ الهجوم لم يخلّف وراءه أضراراً بشرية لعدم وجود أحد لحظة إطلاق النار على المبنى. كذلك يوم الاثنين 24 فبراير/ شباط في مدينة "فولكمارسن" دخل سائق سيارة بسرعة فائقة بشكل متعمّد أثناء عرض كرنفال ليدهس حشوداً كبيرة من الناس بين أطفال ونساء وعجزة وشبان، متسبباً في إصابات كثيرة بالغة الخطورة، ولغاية الآن لم يُعرف شيء بعد عن خلفية الحادثة البشعة، أو عن وجود علاقة بالحالات السابقة أم لا.
في مرحلة ما بعد التحقيق بيوم أو بضعة أيام أو لعلّها تمتد حيناً إلى ما بعد حديث العامّة عن هذه الحادثة البشعة، مروراً بوقفات احتجاجية مندّدة بالحزب النازي والتي بلغ عدد المشاركين فيها حيناً في "ماربورغ" مثلاً وحدها 4500 شخص ضد الكراهية، وفي مدينة الواقعة "هاناو" لم يختلف الحال كثيراً عن "ماربورغ" من حيث العدد والغضب ورفع رايات رافضة لليمين في مجتمع ديمقراطي.
في هذه الأثناء قد يكون المحقّقون قد أجابوا عن كثير من الأسئلة التي يتداولها العامّة والمهتمون بقضايا الحريّات والحقوقيّات.
فمثلاً السؤال الذي طرحه "هانز جيورج ماسن" السياسي الألماني المخضّرم والرئيس السابق للمكتب الاتحادي لحماية الدستور، عبر موقعه في تويتر وهو: "إذا توجه قاتل "هاناو" إلى المسؤولين الحكوميين برسائل تشير إلى مرض نفسي، أتساءل لماذا لم تخبر أي من هذه السلطات الجهات المعنية كسجلّ الأسلحة الوطني؟"، ولقد أتى تساؤل الآخر بعد تصريح المدّعي العام "بيتر فرانك" بأنّ مكتب المدّعي الفيدرالي كان قد تلّقى اتصالاً بالفعل من القاتل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على شكل شكوى وتحذير ضد منظمة كبيرة خطيرة سريّة غير معروفة تحاول التأثير على آراء الناس وتوظيفهم من أجل السيطرة.
سؤال "ماسن" مبرّر، وهو ذاته الذي يتساءله الشارع في ألمانيا، لماذا كان يقتني "توبياس" أسلحة؟ ولمَاذا لم تتفاعل السلطات مع هذه الشكوى في الوقت المناسب؟
لقد أرجع رئيس مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية "هولجر مونش" سبب الواقعة عنصرية الخلفية حسب التقييمات الأولية إلى مرض نفسي ونفى ما دون ذلك، في الوقت ذاته صرّح وزير الداخلية الاتحادي "هورست سيهوفر" أنّ مسؤولية مرتكب الجريمة لا يمكن إرجاعها إلى حالة مرضية نفسية، لا بل إلى خلفية عنصرية واضحة لا جدال فيها.
المثير للجدل والاستفزاز في آن هي التصريحات التحقيقية في محاولة لنفي النزعة الفاشية عن المجرم وإلباسه رداء المرض، كما هي حال كثير من الحالات الإجرامية التي يرتكبها قتلة يمثّلون أحزاباً عنصرية أو توجّهات عرقية، واستثناء حقائق كإنهائه الدراسة الجامعية في إدارة الأعمال، وأخرى أكّدها الناطق الصحافي "جون مويز" حول كون الجاني رامي رصاص حي هاوياً منتسباً في مدينة "ماين كينزيغ كرايز" وعضويته أيضاً في نادي الرماية في مدينة "بيرغن إنكهايم"، كما أكّد الناطق حصول المجرم على رخصة سلاح قبل بضعة أعوام، والتي تم تسجيل ثلاثة أسلحة عليها وحصوله عليها.
كذلك نشر "راتجن" بياناً من خلال رسالة فيديو بصوته، والتي احتفظت بها الشرطة وأغلقت رصيده في الإنترنت، ولقد تضمّنت عبارات يقدّم فيها نفسه كبطل مع إشارة إلى غزو جديد، وهي دلالات على قناعات عنصرية متأصّلة في نظريات المؤامرة التي قدّمها في العام الماضي للسلطات الألمانية، وهي التي أهملتها الجهات المسؤولة، وهذا يعني بالضرورة شراكة تلك الجهات في هذه الجريمة، حتى لو بشكل غير صريح أو دون خلفية إجرامية أو دون قصد، فالإهمال المؤسّسي بحدّ ذاته جريمة يجب ألا يستثنيها القانون من عقوبة الجاني بشكل عام.
لا شك في أنّ جانباً كبيراً من الرسالة التي وجّهها القاتل إلى أقرانه الذين يشاركونه الآراء العنصرية من خلال الفيديو هي إحساسه بتزايد الأشخاص الذين يؤمنون بالنظرية العنصرية والتي خلت من الشك كونها رسالة موّجهة إليهم، وربما يتصدّر الآن قائمة الشرف لأبطال القضية الوطنية في الحزب الفاشي.
هذه الأماكن المستهدفة يرتادها بالعادة عرب وأتراك وجنسيات عديدة أخرى. راح ضحية هذا العمل الإرهابي الفاشي 10 أشخاص بين أتراك وبلغار، وروماني، وبوسني وأفغاني، بالإضافة إلى والدة القاتل التي أجهز عليها ولدها المجرم "توبياس راتجن" البالغ من العمر 43 عاما، بعد تنفيذ العملية الإرهابية، ومن ثم قتل نفسه ليكون هو العاشر ضحية إجرامه وكراهيته وتوّجهه الإرهابي اليميني المتطرّف المدمّر.
لم يمرّ أكثر من ثلاثة أيام حتى تكرّر الهجوم يوم السبت 22 فبراير/ شباط في جنوب ألمانيا في مدينة "شتُوتغَارت" على مقهى نرجيلة مماثل كالذي في "هاناو"، غير أنّ الهجوم لم يخلّف وراءه أضراراً بشرية لعدم وجود أحد لحظة إطلاق النار على المبنى. كذلك يوم الاثنين 24 فبراير/ شباط في مدينة "فولكمارسن" دخل سائق سيارة بسرعة فائقة بشكل متعمّد أثناء عرض كرنفال ليدهس حشوداً كبيرة من الناس بين أطفال ونساء وعجزة وشبان، متسبباً في إصابات كثيرة بالغة الخطورة، ولغاية الآن لم يُعرف شيء بعد عن خلفية الحادثة البشعة، أو عن وجود علاقة بالحالات السابقة أم لا.
في مرحلة ما بعد التحقيق بيوم أو بضعة أيام أو لعلّها تمتد حيناً إلى ما بعد حديث العامّة عن هذه الحادثة البشعة، مروراً بوقفات احتجاجية مندّدة بالحزب النازي والتي بلغ عدد المشاركين فيها حيناً في "ماربورغ" مثلاً وحدها 4500 شخص ضد الكراهية، وفي مدينة الواقعة "هاناو" لم يختلف الحال كثيراً عن "ماربورغ" من حيث العدد والغضب ورفع رايات رافضة لليمين في مجتمع ديمقراطي.
في هذه الأثناء قد يكون المحقّقون قد أجابوا عن كثير من الأسئلة التي يتداولها العامّة والمهتمون بقضايا الحريّات والحقوقيّات.
فمثلاً السؤال الذي طرحه "هانز جيورج ماسن" السياسي الألماني المخضّرم والرئيس السابق للمكتب الاتحادي لحماية الدستور، عبر موقعه في تويتر وهو: "إذا توجه قاتل "هاناو" إلى المسؤولين الحكوميين برسائل تشير إلى مرض نفسي، أتساءل لماذا لم تخبر أي من هذه السلطات الجهات المعنية كسجلّ الأسلحة الوطني؟"، ولقد أتى تساؤل الآخر بعد تصريح المدّعي العام "بيتر فرانك" بأنّ مكتب المدّعي الفيدرالي كان قد تلّقى اتصالاً بالفعل من القاتل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على شكل شكوى وتحذير ضد منظمة كبيرة خطيرة سريّة غير معروفة تحاول التأثير على آراء الناس وتوظيفهم من أجل السيطرة.
سؤال "ماسن" مبرّر، وهو ذاته الذي يتساءله الشارع في ألمانيا، لماذا كان يقتني "توبياس" أسلحة؟ ولمَاذا لم تتفاعل السلطات مع هذه الشكوى في الوقت المناسب؟
لقد أرجع رئيس مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية "هولجر مونش" سبب الواقعة عنصرية الخلفية حسب التقييمات الأولية إلى مرض نفسي ونفى ما دون ذلك، في الوقت ذاته صرّح وزير الداخلية الاتحادي "هورست سيهوفر" أنّ مسؤولية مرتكب الجريمة لا يمكن إرجاعها إلى حالة مرضية نفسية، لا بل إلى خلفية عنصرية واضحة لا جدال فيها.
المثير للجدل والاستفزاز في آن هي التصريحات التحقيقية في محاولة لنفي النزعة الفاشية عن المجرم وإلباسه رداء المرض، كما هي حال كثير من الحالات الإجرامية التي يرتكبها قتلة يمثّلون أحزاباً عنصرية أو توجّهات عرقية، واستثناء حقائق كإنهائه الدراسة الجامعية في إدارة الأعمال، وأخرى أكّدها الناطق الصحافي "جون مويز" حول كون الجاني رامي رصاص حي هاوياً منتسباً في مدينة "ماين كينزيغ كرايز" وعضويته أيضاً في نادي الرماية في مدينة "بيرغن إنكهايم"، كما أكّد الناطق حصول المجرم على رخصة سلاح قبل بضعة أعوام، والتي تم تسجيل ثلاثة أسلحة عليها وحصوله عليها.
كذلك نشر "راتجن" بياناً من خلال رسالة فيديو بصوته، والتي احتفظت بها الشرطة وأغلقت رصيده في الإنترنت، ولقد تضمّنت عبارات يقدّم فيها نفسه كبطل مع إشارة إلى غزو جديد، وهي دلالات على قناعات عنصرية متأصّلة في نظريات المؤامرة التي قدّمها في العام الماضي للسلطات الألمانية، وهي التي أهملتها الجهات المسؤولة، وهذا يعني بالضرورة شراكة تلك الجهات في هذه الجريمة، حتى لو بشكل غير صريح أو دون خلفية إجرامية أو دون قصد، فالإهمال المؤسّسي بحدّ ذاته جريمة يجب ألا يستثنيها القانون من عقوبة الجاني بشكل عام.
لا شك في أنّ جانباً كبيراً من الرسالة التي وجّهها القاتل إلى أقرانه الذين يشاركونه الآراء العنصرية من خلال الفيديو هي إحساسه بتزايد الأشخاص الذين يؤمنون بالنظرية العنصرية والتي خلت من الشك كونها رسالة موّجهة إليهم، وربما يتصدّر الآن قائمة الشرف لأبطال القضية الوطنية في الحزب الفاشي.
بعد الهجوم الغاشم على الأبرياء في "هاناو" بدأت المطالبة من سياسيي الاتحاد والحزب الديمقراطي الاشتراكي بضرورة مراقبة الحزب اليميني المتطرّف من قبل مكتب حماية الدستور، ومطالبة أخرى من الأمين العام للحزب الديمقراطي الاشتراكي "لارس كلينغبايل" بسحب ميزة "الموظف المدني" من أمين حزب اليمين المتطرّف "بيورن هوك".
حسب مؤسسة "كانتار"، وهي واحدة من المؤسّسات الرائدة في العالم بأكثر من 100 دولة تعمل في علوم البيانات والأفكار والاستشارات، فإنّ 60 بالمائة من الألمان يعتقدون أنّ حزب اليمين المتطرّف يساهم في المسؤولية عن العنف الذي يقف وراءه متطرّفون ألمان، بالإضافة إلى مطالبة رجال أعمال كمدير شركة "الراين اير" الأيرلندية "مايكل كيفن أوليري" في مقابلة للصحيفة البريطانية "ذا تايمز" بمزيد من التفتيشات الصارمة على الرجال المسلمين في المطارات، إذ قال: "الإرهابيون هم المسلمون، لأنّ هذا في العقيدة الإسلامية عامّة".
مثل هذه التصريحات من رجال أعمال عالميين لها كلّ الأثر في تهييج النعرات الفاشية، تحديداً ضد المسلمين، كما صرّح الآخر وكثير قبله وبعده.
الأمر اللافت للنظر أنّ الحزب النازي في الفترات الأخيرة أصبح البديل لإخفاق كثير من الأحزاب الألمانية، والدليل ما جرى في 5 فبراير/ شباط عندما نجح "توماس كيميرش" في انتخابات رئاسة الوزراء في ولاية "تورينغن" بدعم من حزب اليمين النازي، ممّا أثار سخط العامّة في جميع أرجاء ألمانيا ليجبره الشارع بذات الوسيلة على تقديم استقالته، وهذا ما فعله فعلاً في اليوم التالي.
وجزئية أخرى لا بدّ من طرحها حول والد القاتل الذي أُدخل مصحّة نفسية بعدما نفّذ ولده الجريمة البشعة. فحسب الصحيفة الألمانية "بيلد" فإنّ والده كان يعلم بتحركاته وعن نيته الهجوم على المقهى، وهذا ما قدّمته بعض التحقيقات كما أوردت الصحيفة.
هل أصبح المرض النفسي هو اللباس الرحراح للقتلة والمجرمين؟ أم أنّه المنفس القانوني لممارسة الإرهاب ضد العزّل والأبرياء بذريعة الاضطرابات النفسية؟
الحقيقة هي أنّ الشارع الألماني منقسم بين حزب فاشي استطاع أنّ يثبت نفسه من خلال غطاء سياسي، وآخر بمجموعة أحزاب كثيرها لا يخاطب المزاج الألماني من حيث القرارات الداخلية والسياسة الخارجية التي يعاني آثارها الآن المواطن البسيط وأهمّها قضية اللاجئين السوريين.
فهل إخفاق العمل السياسي الحزبي ساهم في العداء تجاه المسلمين وغير الألمان بشكل عام؟ أمّ أنّ الموروث المجتمعي الذي يرفض غير الألماني التخلّي عنه من عادات وتقاليد لا تنسجم مع التراث الغربي هو ما يؤرّق الألماني، فلا يجد بعضهم بدّاً من محاربته بطريقة وحشية أو بطريقة رفض أخرى.
وهل يُعذر الألماني من الطفرة الكبيرة الذي يصوّرها البعض بـ "المستفزّة" من حجم غير أبناء البلد في المؤسّسات وجميع القطاعات والشارع بشكل عام؟ أمّ أنّ قادة الحروب هم من غذّى بشكل غير مُبَاشر هذه النزعات في كثير من المجتمعات جرّاء نزوح من هنا وبطالة من هناك، وبين هذا وذاك نقف نحن المهاجرين بوجوه سمراء عربية وبعضنا بأرواح غربية، غرّبنا العرب ورفض جلّنا الغرب.