رئيس قسم المراسلين الأجانب في صحيفة "تلغراف" البريطانية ديفيد بلير، اعتبر أن "الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة من شأنه أن يُغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط". وتوقّع الكاتب أن تردّ إسرائيل والدول العربية الخليجية على الاتفاق بتصعيد الحروب بالوكالة ضد إيران.
وعلى حدّ تعبير الكاتب فإن "ما يخيف إسرائيل وحكام الخليج هو أن يؤدي إبرام الاتفاق النووي إلى تغيير جذري في ميزان القوى بالشرق الأوسط، مع اعتقادهم بأن الاتفاق يعني ضمنياً قبول واشنطن بالهيمنة الإيرانية في المنطقة".
أما الكاتب روبرت فيسك، فسبق له أن ذكر في مقالٍ له نشره في أبريل/نيسان الماضي، أن "الاتفاق النووي سيُحدث زلزالاً سياسياً في الشرق الأوسط". وقال فيسك إنّ "إيران قدمت تنازلات نووية مقابل مكاسب سياسية استراتيجية، تجعل منها صاحبة الدور الأكبر إقليمياً".
اقرأ أيضاً: الاقتصاد الإيراني بحاجة لوقت طويل للتعافي رغم رفع العقوبات
وإن كان هذا ما تحقّق لإيران على مستوى وضعها الإقليمي، فما الذي تحقق أو سيتحقق للأطراف الجالسة على الجهة المقابلة من طاولة المفاوضات؟ لا شك أن السوق الإيرانية التي تضم أكثر من 80 مليون مستهلك، والمتعطشة لمئات المشاريع الاستثمارية في كافة القطاعات، تفتح شهية جميع الدول التي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في إنجاز الاتفاق.
وتنتظر الشركات الأوروبية المتخصصة في قطاعات النفط والبُنية التحتية والخدمات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الأخبار من فيينا للانقضاض على السوق الإيرانية. وبالنسبة للفرنسيين والبريطانيين والصينيين، والروس، والهنود، والأتراك، وحتى جمهوريات آسيا الوسطى، فضلاً عن الأميركيين، فإن الاتفاق سيفتح باب التنافس على السوق الإيرانية، وستنخرط الشركات في سوق خام قادر على استيعاب استثمارات تزيد عن 100 مليار دولار، في قطاعات الاتصالات والمواصلات والتعليم والمصارف، والصناعات التعدينية والبتروكيماوية.
وتكفي الإشارة إلى أن أحدث الأرقام تكشف أن الولايات المتحدة خسرت من توقّف الصادرات إلى إيران بين عامي 1995 و2012 ما يقارب 175 مليار دولار، وقد كلّفها هذا فقدان 60 ألف فرصة عمل سنوياً، بالإضافة إلى أن كبريات الشركات النفطية الأميركية مثل "أكسون موبيل" و"شيفرون" ظلّت محرومة من الاستثمار في قطاع النفط الإيراني.
أما على مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الغرب وإيران، فلا شكّ أن الاتفاق سوف يُعبّد الطريق لعبور هذه العلاقات نحو التطبيع، بعد سنوات من القطيعة والجفاء، لا سيما أن إشارات لافتة صدرت من لندن، والتي قال وزير خارجيتها السابق وليام هيغ إن "الغرب وإيران لديهما مصالح مشتركة".
وأكد، في جلسة خاصة أمام نواب البرلمان، أن "هناك تطورات إيجابية تسمح بإتخاذ خطوات إضافية للأمام بالنسبة للعلاقات البريطانية ـ الإيرانية". أما في واشنطن فالإشارة الأوضح على هذا التوجه، والتي سبقت اتفاق فيينا، تمثلت في نقل مكتب رعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة من جناح في السفارة الباكستانية، إلى مكتب منفصل لا يبعد سوى بضعة أمتار عن مبنى وزارة الخارجية الأميركية في العاصمة واشنطن.
في المقابل، وافقت إيران على منح مبنى جديد لسفارة سويسرا في طهران، حتى يتم إنشاء مكتب لرعاية المصالح الأميركية هناك. هذا التطبيع في العلاقات الدبلوماسية بين طهران والعواصم الغربية، وما يعنيه من تأهيل إيران لتأدية دور أكبر في الشرق الأوسط، تحديداً في ملفات العراق وسورية واليمن، وربما ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، هو بالضبط ما يثير حفيظة، بل مخاوف دول الإقليم، خاصة في الخليج العربي، والتي طالما عبرت صراحة، وعلى لسان أكثر من مسؤول، عن مخاوفها من تمدّد نفوذ إيران في المنطقة.
يقول خبراء العلوم السياسية إن "لا صراعات دائمة ولا صداقات دائمة في العلاقات الدولية، هناك مصالح دائمة فقط". وربما يكون الاتفاق أفضل مثال على هذه القاعدة، فالمصالح الاقتصادية والسياسية دفعت القوى العظمى إلى القبول بـ"إيران نووية" مع كل ما قد يثيره ذلك من مخاوف لدى دول الإقليم، وفي المقابل رضيت إيران بالأقل من مطامحها النووية في سبيل مصالح تخرجها من ظلمات حصار اقتصادي وسياسي خانق إلى فضاء دور إقليمي أكبر.
اقرأ أيضاً أوباما: الاتفاق فرصة لاتجاه جديد في العلاقات مع طهران