رغم اقتراب شهر على توقيع اتفاق بحري-أمني بين أنقرة وطرابلس، إلا أن أياً منهما لم تتمكن من تفعيل الاتفاق وبدء تطبيقه على الأرض. وفيما تؤكد حكومة الوفاق في طرابلس أن نصوص الاتفاق السياسي تخولها توقيع اتفاقات مشتركة دون الرجوع إلى السلطات التشريعية في البلاد، صادق البرلمان التركي على الاتفاقين، البحري في الخامس من الشهر الجاري، والأمني أمس السبت.
ورغم تراجع الجدل الذي ثار حول الاتفاق في شقه الأول، المتعلق بترسيم الحدود المائية في المتوسط، يبدو أن الجدل اشتعل بنحو متزايد إزاء نية تركيا وتحفزها لإرسال قواتها إلى طرابلس، خصوصاً بعد أن أعلن مجلس وزراء حكومة الوفاق، الخميس الماضي، قبوله تفعيل الاتفاق الأمني مع تركيا. فما الذي يؤخر تطبيقه؟
لم تُعلَن نصوص الاتفاقين، إلا أن الاتفاق البحري سربت منه العديد من البنود التي تحدثت عن تحديد المجالات البحرية وضبط حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية وفق إحداثيات جغرافية تحدد مناطق سيادة كل من البلدين، بحسب الاتفاق، إلا أن بنود الاتفاق الأمني وتفاصيله لا تزال غير معلنة حتى الآن.
وليس جديداً انحياز أنقرة إلى حكومة الوفاق، فمنذ إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعمه للحكومة، وتأكيده أن بلاده "لن تسمح لأحد بالسيطرة على ليبيا"، قبل أن تتناقل وسائل إعلام دولية ومحلية صور مدرعات تركية في موانئ تابعة لحكومة الوفاق يبدو أنها وصلت كدعم تركي لقوات الحكومة، رغم عدم إعلان الأخيرة لها رسمياً.
كذلك تحدثت وسائل إعلام عن بدء تدفق أسلحة تركية مجدداً خلال الأسابيع الماضية، منها دفاعات جوية مكّنت قوات الحكومة من إسقاط طائرة حربية تابعة لحفتر جنوب الزاوية في الثامن من الشهر الجاري.
هذه أبرز المعوّقات
ويرى الخبير الأمني الليبي، محيي الدين زكري، أن "أولى عراقيل تنفيذ الاتفاق تتعلق بالعوامل الميدانية"، موضحاً أن "الفارق كبير بين فاعلية دعم مصر جارة ليبيا والدعم الإماراتي الذي امتلك قواعد مبكراً داخل ليبيا، وبين سعي تركيا التي وصلت أخيراً إلى الساحة الليبية دون أن تمتلك موطئ قدم فيها".
ويشرح زكري في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "تركيا البعيدة حدودياً عن ليبيا تفتقر إلى قاعدة عسكرية داخل ليبيا، أو قريبة منها تساعدها على تحصين قواتها وجنودها، وأسلحة، ولا سيما الطيران، وهو ما تمتلكه الإمارات مثلاً من خلال قاعدتي الخادم والخروبة"، مرجحاً أن توفّر المقار العسكرية في مصراتة وطرابلس حصناً آمناً لأي وجود عسكري رسمي تركي.
وتابع قائلاً إن "منظومات الدفاع الجوية الروسية الحديثة والطيران المسيّر الإماراتي الحديث مكّنا حفتر من فرض حظر جوي في سماء طرابلس ومصراتة، ما يجعل أي أسلحة تصل إلى موانئ أو مطارات سلطة الحكومة هدفاً سهلاً لقوات حفتر".
وفيما يعتقد زكري أن بإمكان تركيا تزويد حلفائها في طرابلس بأسلحة نوعية ومنظومات دفاع متقدمة، بالإضافة إلى خبرات عسكرية للتخطيط والهجوم، يبدي المحلل السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، موانع قانونية أخرى.
ورغم استناد الحكومة إلى نصوص الاتفاق السياسي الذي يتيح لها عقد اتفاقات مشتركة مع أي دولة، إلا أن الأطرش يعتبر ذلك غير كافٍ، فالنصوص داخل الاتفاق لا تعطي الحكومة هامشاً واسعاً للحركة بحرية.
ويوضح الأطرش حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "أي اتفاق يجب أن تصادق عليه الجهات العليا المكونة من غرفتين، هما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولكون مجلس النواب متشظياً لقسمين: الأول في طبرق والآخر في طرابلس، فإن ذلك لا يعطي للحكومة حقاً في توقيع الاتفاق بل مذكرات تفاهم، وهو ما سيعوق تسجيلها لدى الأمم المتحدة كاتفاق رسمي، ما يعني افتقادها للكثير من الفاعلية القانونية".
لكنه في ذات الوقت يرى أن "ليبيا التي تعيش كل أشكال التدخل والفوضى السياسية والعسكرية آخر شيء يمكن أن يطلب من الحكومة التي تعيش حصاراً أن توفر أطراً قانونية ودستورية لإنقاذ نفسها"، مرجحاً أن تكون عراقيل تنفيذ اتفاق تحالفها مع تركيا خلفيات سياسية تتعلق بمواقف دول كبرى.
ويضيف أن "تركيا وجدت في الاتفاق مع طرابلس ما يمكّنها من الخروج من عزلتها إزاء العقوبات التي تواجهها إلى بحار أكثر سعة في المتوسط، يجب عليها المضي أكثر لتكافح من أجل إقناع حلفاء كبار لها مثل روسيا لدعمها"، مرجحاً أن عدم وصول أنقرة إلى تفاهم مع موسكو بشأن إرسال قواتها إلى ليبيا من بين أهم تلك الموانع.
ويرى أن محاذير عواصم الثقل الدولي من الوجود العسكري التركي في ليبيا تتمثل بمخاوفهم من انزلاق ليبيا إلى السيناريو السوري، وتحولها إلى بؤرة توتر تهدد أمن الساحل الجنوبي الأوروبي وإلى ملاذ آمن جديد لحركات الإرهاب، في الوقت الذي تسعى فيه تلك الأطراف الدولية إلى ايجاد حل سياسي مناسب في برلين وفق مصالحها.
ويؤكد الأطرش أن تركيا لن ترسل جنودها إلى ليبيا، لكنها ستكتفي بالدعم العسكري العلني لحكومة الوفاق كورقة للضغط المباشر على الأطراف المتدخلة في ليبيا الداعمة لحفتر، فالاتفاق الأمني مع طرابلس مرتبط باتفاق بحري له أبعاد وامتدادات أخرى تتجاوز فيه المصالح التركية ليبيا.