ما الذي أصاب "لعبة جارسيا"؟

21 مارس 2015
+ الخط -


اللعبة انكسرت. قد يكون هذا أنسب عنوان لوصف ما حدث وما يحدث لروما حالياً، فاللعبة التي أثارت إعجاب الكل بالموسم الماضي، أصيبت بعطب مزمن وأصبحت عاجزة عن تقديم ما أذهل الكل وخلق نوعاً ما منافسة حالت دون ترك اليوفي يفرض مونولوجاً من بداية الدوري إلى آخره. ولكن ما هي أسباب هذه الأزمة وما الذي حال دون مرورها بعد شهور من المعاناة؟

أهم هذه الأسباب نفسية، فبعد المواجهة المباشرة ضد يوفي والجدل بسبب قرارات تحكيمية، ارتكب رودي جارسيا، المدير الفني لروما، أحد أكبر الأخطاء الممكنة في بيئة نارية وهشة مثل روما، وهي الانسياق وراء الضغوطات وارتداء ثياب المشجع، تاركاً دور المدرب الأنيق والبارد والبعيد عن تسربات بيئة تتعمّد في بعض الأحيان تدمير أبطالها لعيب مزمن لطالما أثّر على الفريق.

تحوّل جارسيا المفاجئ من ناحية التعامل مع الإعلام ومع اللاعبين ومع الخصوم، والذي أصبح يتحدث فقط لخلق الجدل، ما جعل الفريق عرضة للانتقادات والعداوة المفرطة حتى من قبل المحايدين، وجعل روما يفقد نوعاً ما حلة المفاجأة السارة والفريق الممتع الذي يلعب بأسلوب أوروبي، سبب انشقاقات حتى في غرفة الملابس التي فقدت الوحدة التي ميّزت الموسم الماضي والتي على أرضية الميدان في أكثر من مناسبة لم تلعب من أجل المدرب (قال في تصريحه الأخير: من يرى نفسه رجلاً ويريد أن يرافقني في الحرب، فليأتِ، ومن هو غير ذلك، فليبقَ في المنزل. وكان ذلك أكبر دليل على وجود من فقد الثقة في الفرنسي)، وبدت بدون رغبة في بذل المجهود البدني الذي تحتاجه فلسفة جارسيا.

بالتأكيد هنا المسؤول جارسيا الذي ربما كان عليه أن يدرس تاريخ النادي لكي يتفادى خطأ إشعال بيئة ملتهبة بطبيعتها والتعلّم ممّن فاز بالماضي، مثل ليدهولم وكابيلو، كلاهما بارد الأعصاب وحازم وعزل الفريق عن كل ما يجري في الشارع وكل ما تأتي به الغابة الإعلامية المحلية والوطنية من عواصف ورياح.

بالتأكيد للعامل النفسي تأثيره، ولكن تُرجم هذا على أرضية الميدان؟ أولاً بفقدان روما إحدى أهم مميزاته الفنية، وهي الصلابة الدفاعية (بالموسم الماضي دفاع روما كان أحد أقوى الدفاعات أوروبياً)، فبرحيل بن عطية وإصابة كاستان وبالزاريتي (ونسبياً حتى مايكون)، الفريق خسر في أشهر معدودة الخط الدفاعي بالكامل (حتماً مانولاس وامبيوا وهوليباس ليسوا قادرين على تعويض من رحل ومن تغيّب بسبب الاصابات). ومع انعدام التماسك الدفاعي، أصيبت منظومة جارسيا بخلل مزمن، فقوة روما تكمن (أو بالأحرى كانت) في الانكماش الدفاعي وامتصاص طاقة الخصم وقلب اللعب والإيقاع عبر جيرفينيو وفلورينسي، وبدفاع يتلقى أهدافاً بسهولة، فقدت هذه المنظومة فعاليتها، لأننا غالباً ما نجده قلقاً بسبب هشاشته الدفاعية ويسعى للاستحواذ على الكرة أكثر للابتعاد عن دفاعه من الاقتراب من مرمى الخصم. وهذا الاستحواذ المطوّل جعل من البطء الشديد عيباً رافق الفريق، خصيصاً في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً بسبب عدم وجود منفّذ أو "مُترجم" في منطقة الجزاء لكل هذه المناورات، حيث نجد روما يدور بالكرة (مثل فريق كرة اليد) من اليمين إلى اليسار والعكس ولكن بدون وجود رأس حربة كلاسيكي، الأمر يصبح شبيهاً بالاستحواذ الدفاعي لصالح الفريق الخصم الذي ما عليه إلا الصعود لتطبيق التسلل وتفادي المراوغات الفردية للتوغل في منطقة الجزاء (غالباً ما يقوم بهذا لييايتش).

في الموسم الماضي، كان وسط الملعب أحد الحلول البديلة، فكان يضم ستروتمان وبيانيتش ودي روسي، الذي كان يضمن استحواذاً للكرة مفيداً ومثمراً ويفتح المجال لتوغل واحد من هذا الثلاثي على الأقل في كل عملية، وفي هذا الموسم، تلاشى بسبب إصابة الهولندي (ناينجولان لا يمكنه تعويض الهولندي مهما اجتهد لاختلاف الخصائص)، ولتدهور مستوى دي روسي الذي عند أول تراجع ولو نسبي للفريق نفسياً يدخل في دوامة شك وكأنه المسؤول الوحيد والمتهم الأول، ومع كل هذا تأثر بيانيتش الذي أصبح يكتفي بتقديم الواجب لا غير.

ما هي مسؤوليات جارسيا بخصوص النقاط الفنية أعلاه؟ عدم التنويع، تكرار المنظومة نفسها دائماً، وكأنها المنظومة المثالية وشيء مقدّس لا يُمسّ، والاكتفاء بتغيير الرسم (في بعض المباريات غيّر التركيبة حتى 4 مرات)، ولكن الرسم مجرد انتشار ولا فائدة منه في حال ظلت التحركات كما هي.

ولكن هل جارسيا هو المسؤول الوحيد؟ بالطبع لا، هنالك مسؤوليات على عاتق الكل انطلاقاً من اللاعبين، والأخطاء الفردية في الدفاع والهجوم وإهدار الفرص التي تتاح أثناء المباراة (وهنا نعني جيريفينيو)، ومن ثم للمدير الرياضي ساباتيني مسؤوليات كبيرة، انطلاقاً من عدم شرائه لحارس مقنع (في الأزمات قد يكون المنقذ لدفاع بأداء متذبذب) ولقلب دفاع إضافي في شهر يناير/ كانون الثاني وخصوصاً لمهاجم صريح يسمح للمدرب بأن يغيّر المعزوفة المملة المبنية على لاعبين بالخصائص نفسها تقريباً (إيباربو ـ فلورينسي ـ لييايتش ـ فيردي ـ إيتوربي ـ فلورينسي)، كلها عناصر حركية تحتاج لمساحات ولا تلعب في العمق. بينما يظل دومبيا الشيء المجهول، لغزاً دون حل، جسماً ميتاً يمشي في الميدان ضائعاً.

موسم النضج تحول الى موسم اللاعقلانية وقد يتحول الى كابوس حقيقي في حال استطاع فريق بيولي خطف المركز الثاني وهو بحد ذاته كالهبوط الى الدرجة الثانية بالنسبة لشارع حاول جارسيا ان يتقمص روحيته وكأنه جزء منه، ولكن شارع روما وحش مضطري فترس حتى من يقترب منه بود وإعجاب في حال لم يقدم ما يريد ومتى يريد.

المساهمون