مانويل فالس .. فرنسا تخون مُثلها

06 ابريل 2014

فالس لدى وصوله الجمعة إلى أول اجتماع لحكومته (Getty)

+ الخط -
تلقى الاشتراكيون الفرنسيون، في أثناء الانتخابات البلدية في 23 و30 مارس/آذار الماضي، هزيمة تاريخية. خسروا الأغلبية في أكثر من 150 مدينة، يتجاوز سكانها 10 آلاف نسمة.

واستطاع حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف الذي تترأسه مارين لوبين، اكتساح نحو عشرة من المدن المهمة، وأظهر نفسه باعتباره القوة السياسية الثالثة بين الاشتراكيين واليمين. وعزا كل المراقبين الهزيمة إلى السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها الرئيس، فرانسوا هولاند، منذ انتخابه في مايو/أيار 2012.

ومع كل هذا، اختار، هولاند، أن يستبدل رئيس وزرائه، جان مارك أيرو، بالرجل الأكثر يمينية في حزبه، مانويل فالس، والذي لا يمثل كبير شيء في حزبه. وفي أكتوبر/تشرين أول 2011، في أثناء الانتخابات الداخلية التي نظمها الحزب الاشتراكي، من أجل تعيين مرشح رئاسي، جاء في المرتبة ما قبل الأخيرة،  وحصل على نسبة 5,7 % من الأصوات. ويعتبر من المعجبين، بدومينيك شتروس كاهن وتوني بلير، وهو من أنصار سياسة ليبرالية فائقة، والحماية الضريبية للشركات والتقشف بالنسبة للدولة. كتبت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي، مارتين أوبري، عنه في يوليو/تموز 2009: "إذا كان الخطاب الذي تعبر عنه يعكس، بعمق، تفكيرك، فإنه يتوجب عليك أن تستخلص، بلا تحفظ، النتائجَ، وتغادرَ الحزب الاشتراكي". 

اشتهر مانويل فالس، قبل أن يكون وزيراً للداخلية، على أرضيتي الأمن ومكافحة المهاجرين والإسلام. أَراد أن يبرهن على أن اليسار يستطيع، هو أَيضاً، أَن يكون قمعيّاً، بل وقمعياً أكثر من اليمين. وقد ضاعف من نشر المقالات والكتب في الموضوع، ومنها كتاب "الأمن، يستطيع اليسار تغيير كل شيء" (منشورات مومونت، 2011).

ويوجه فالس، في كتابه هذا تحية الى قوات الأمن، من دون أن يتطرق، أبداً، إلى العنف الذي تمارسه الشرطة، ولا إلى الشباب الذين يتم اغتيالهم في الأحياء (الضواحي)، ولا إلى محاكمات الشرطة التي تنتهي دائما بتبرئتهم. مَثَلُهُ الأعلى رئيس الوزراء الفرنسي، جورج كليمونصو، الرجل الذي لم يتردد، بين 1906 و1908، في إطلاق الرصاص على العمال. وفي أثناء انتفاضة الضواحي سنة 2005، كان فالس، أحد ثلاثة نواب فرنسيين لم يعارضوا تمديد حالة الطوارئ التي قررها، نيكولا ساركوزي، وهو إجراءٌ لم يُطبَّقْ منذ حرب الجزائر.              

يرى فالس، أَن العنف في المدن الفرنسية "يتضاعف بشكل مستمر"، منذ أكثر من ثلاثين سنة. ويستعيد حُجَج صديقه، ألان بُوير، والذي كان، أيضاً، مستشاراً لنيكولا ساركوزي، ويرى أن الأمن ليس حكراً على اليسار ولا على اليمين (وكذلك الاقتصاد...). يُقدِّم،ُ لورونت موشييللي، وهو أحد المتخصصين في الأمن، واستعرض فالس، اسمه مرات عديدة، وبصفة تقريظية، يقدم حُكما مُدمِّراً عن الرجل: "توصيفَهُ سطحيّ. خطاباته تشبه، بشكل غريب، خطابات بعض نقابات الشرطة، وأحياناً تشبه بعض مقاهي التجارة (نقاشات تخلو من أي تحليل واقعي): العنف ينفجر، والمجرمون يستعيدون شبابهم دونما انقطاع، لا وجود لأي قِيَم ولا أَي حدود. العدالة لا تقوم بوظيفتها، يتم اعتقالهم مساء، ويُطلَق سراحهم في اليوم التالي... إلخ"    

لا يمكننا سوى أن نشعر بالذهول، حين يقرظ، مانويل فالس، عالم الاجتماع، هوغ لاغرانج، والذي يطرح في الواجهة "الأصل الثقافي للمهاجرين"، لكي يفسّر صعوبات الاندماج، وهو البرهان الثقافي نفسه الذي قُدِّم تفسيراً لصعوبات مهاجري يهود أوروبا الوسطى، والإيطاليين، أو البرتغاليين، في الاندماج في سنوات 1930 و1940 أو 1950.
واشتهر فالس، باعتباره وزيراً للداخلية، بسياسة "الطرد" (الإبعاد إلى الحدود)، وبمطاردة يومية للمهاجرين السريين، وبخطاباته العنصرية ضد الغجر. ولم يَكَلَّ، أبداً في إدانة الأصولية الإسلامية، والجماعوية (انطواء الجماعة على نفسها)، واقترح حظر الحجاب في الجامعات (ليس محظوراً سوى في المدارس) وفي أماكن عمومية أخرى، إلا أَنه يشرح لنا كيف يتوجب على يهود فرنسا أَن يكونوا فخورين بوضع القلنسوة. وفي الوقت نفسه، يبدو سلبياً تجاه الاعتداءات التي تتعرض لها النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب.

وفي ما يخص القضية الفلسطينية، لا نندهش إذا كان فالس، يتموقع في اليمين المتطرف لحزبه، والذي لا يمكن اعتباره مؤيداً للفلسطينيين. وحينما كان في المعارضة، وقّع على نداء يدعو الى متابعة قضائية للمناضلين الذين ينادون بمقاطعة البضائع الإسرائيلية. وقال في 17 يونيو/حزيران 2011، على أمواج راديو جوداييكا (ستراسبورغ): "عن طريق زوجتي، أَصبحت مرتبطاً بطريقة أبدية بالجماعة اليهودية وبإسرائيل". 

ربما سيتقلَّبُ الجنرال، ديغول، في قبره، وهو يعلم أن، مانويل فالس، سيدير، من الآن فصاعداً، السياسةَ الفرنسية.