بدت الساعات الماضية في بغداد وكأنها سباق بين المبعوثين الأميركي والإيراني، بريت ماكغورك وقاسم سليماني، للحصول على أكبر مكاسب ممكنة داخل لعبة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. جاء ذلك في وقت بدت فيه الانتخابات وما تحمله من أسس الانتقال السلمي للسلطة في العراق مجرد غطاء لا أكثر، ذلك لأن سيناريو عام 2010 يتكرر هذه المرة، ليس مع إياد علاوي، بل مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي بدا في وضع حرج للغاية، محاولاً تداركه من خلال تقديم تنازلات لأطراف عدة، بهدف منع ظفر المعسكر الشيعي الآخر المقرب من إيران، أو ما بات يطلق عليه هذه الأيام في العراق "اليمين الشيعي" المتمثل في نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وقيادات شيعية أخرى معروفة بقربها من إيران، بلقب الكتلة الأكبر.
في هذا السياق، قال قيادي بارز في التيار الصدري لـ"العربي الجديد"، إن "سليماني وصل إلى العراق وانضم إلى باقي أعضاء الوفد الإيراني، والسفارة الإيرانية باتت غرفة عمليات لتشكيل الحكومة المقبلة"، مبيّناً أن "الجهود خلال الساعات الماضية استهدفت كتلة النصر بزعامة حيدر العبادي، والهدف هو تفتيتها وسحب أكبر قدر ممكن من أعضائها إلى معسكر المالكي ـ العامري، المدعوم إيرانياً". وعن كتلته، قال "نحن متماسكون مع الحزب الشيوعي العراقي. لكن بالنسبة لكتلة العبادي، لا أعتقد أنها ستصمد، وهناك معلومات عن أنها قد تنهار في أي وقت. وحزب الفضيلة وحركة عطاء بزعامة فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، قد ينفصلان عن العبادي، ما سيحوّله إلى كتلة بسيطة تتراجع من المرتبة الثالثة إلى السابعة في أفضل الأحوال".
وأكد أن "الجهود الإيرانية الحالية تهدف إلى إعادة تشكيل البيت الشيعي مجدداً، وبالنسبة لـ"سائرون" حتى الآن قرارنا هو رفض عودة القوالب الطائفية السياسية مرة أخرى"، مضيفاً أن "خيار النزول للشارع من قبل الصدريين قائم في حال وجدنا أن إيران وأميركا هما من وضعتا الحكومة ورسمتا ملامحها وليس صناديق الاقتراع".
من جانبه، ذكر حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق والمقرب من مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك انقسامات واضحة بين الكتل بشأن تشكيل الكتلة الكبرى، وحتى الآن هناك محوران رئيسيان هما محور (سائرون، والحكمة، والنصر)، ومحور (الفتح، ودولة القانون). وكلا المحورين يحاول أن يكون الكتلة الكبرى في سباق واضح لا يمكن إنكاره".
وتابع "حسب رؤية الشارع العراقي، التحالف الأقرب له هو سائرون والحكمة والوطنية، وهو أيضاً قادر على حل المشاكل الحالية في كل العراق"، محذّراً من أن "يكون هناك حل حقيقي وحل جذري للخلاص، ووقف الإملاءات من الخارج في تشكيل الحكومة، وإلّا سينهار البلد". وأكد أنه "لا يمكن لأحد أن يهمّش أو يُقصي تحالف سائرون من الخارطة السياسية أو تشكيل الحكومة الجديدة".
وعقد المبعوث الأميركي للعراق، بريت ماكغورك، سلسلة لقاءات مع قيادات سنية وشيعية وكردية مختلفة، خلال الساعات الماضية، بالتزامن مع لقاءات واجتماعات لزعيم فيلق القدس، قاسم سليماني، في بغداد. وقال عضو تحالف سائرون، فاضل العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين والإيرانيين موجودون في بغداد منذ ليل الأربعاء الماضي، ويستعجلون حسم التحالفات". وتابع "في النهاية، لن تكون هناك حكومة ما لم يتم التوافق بين الطرفين في الملف العراقي تحديداً، ولن يكون هناك منتصر بينهم على غرار حكومة 2014 الماضية، التي انتهت بحيدر العبادي، وهو من الشخصيات التي لم تكن مطروحة لتولي منصب وكيل وزير وليس رئيس الوزراء آنذاك".
وأنهت أغلب القوى السنية العربية العراقية خلافاتها بالاتفاق على كتلة موحدة تقترب من الستين مقعداً، استثنت كتلاً عدة من المكون ذاته فضّلت البقاء مع قائمتي علاوي والعبادي، مثل "عابرون" بزعامة قاسم الفهداوي، أو "بيارق الخير" بزعامة خالد العبيدي، و"الجبهة الوطنية" بزعامة صالح المطلك.
وقال عضو التحالف الجديد الذي أطلق عليه "المحور الوطني"، محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "التحالف هو الممثل عن المحافظات المنكوبة شمال العراق وغربه"، في إشارة منه إلى المكون العربي السني. وبيّن أن "التحالف لديه برنامج ومطالب هي التي ستحدد مع من سيكون صوتنا من الطرف الشيعي بغية تشكيل الحكومة". وختم بالقول "نحن ننتظر الآخرين الآن".
ولا يختلف الحال في إقليم كردستان العراق عن باقي مناطق البلاد، فالخلافات ما زالت مهيمنة على الكتل الكردية التي فشلت، لغاية الآن، في إعادة توحيد صفوفها للذهاب إلى بغداد بوفد واحد من أجل حسم التحالفات السياسية مع أحد المعسكرات هناك، أو حتى إعداد ورقة أو برنامج سياسي موحّد للأكراد. ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض الأطراف إلى إعادة هيكلة التحالف الكردستاني من جديد، ترى أخرى أنّ ذلك بات أمراً مستحيلاً في ظل انقسام كبير داخل البيت الكردي.
وقال قيادي بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأخير شكّل وفداً خاصاً للتباحث والتفاهم مع كافة الأطراف الكردية، بما فيها التغيير والجماعة الإسلامية لإعادة ترتيب البيت الكردي، وتشكيل التحالف الكردستاني مجدداً داخل البرلمان العراقي". وأكد أن "الوفد يسعى إلى إقناع الأحزاب بتشكيل التحالف داخل البرلمان، مع إبقاء المشاكل والخلافات داخل الإقليم وعدم تصديرها إلى بغداد، بغرض الدخول بقرار موحد لجميع الأكراد حول القضايا التي تخص الإقليم في الحكومة والبرلمان". وشدّد على أن "اسم رئيس الجمهورية لم يتم حسمه حتى الآن، فهناك خلافات حول من سيكون المرشح ومن أي حزب".
من جهته، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك شبه اتفاق بيننا وبين الاتحاد الوطني الكردستاني، على تشكيل تحالف والذهاب بوفد موحّد إلى بغداد"، مبيناً أنّ "ذلك سيتم بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات".
وأكد أنّ "الباب تُرك مفتوحاً أمام الكتل السياسية الكردية الأخرى، وهناك بوادر إيجابية من بعض الكتل السياسية الكردية، بشأن الانضمام إلى هذا التحالف، بعد المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات، للحفاظ على حقوق ومكتسبات الشعب الكردستاني وتحمّل المسؤولية". وتحدّثت الأحزاب الكردية المعارضة عن انقسام كبير بين الأحزاب الكردية، مستبعدة التوصل إلى اتفاق لإعادة التحالف الكردستاني.
وقال النائب عن الجماعة الإسلامية، عادل نوري، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس هناك تحالف كردستاني، وليست هناك توافقات بين الأحزاب الكردستانية، بل هناك انقسام شديد بين الأحزاب الكردستانية المتصدرة"، مؤكداً "توجد ستة أحزاب كردية معارضة، عارضت وطعنت في الانتخابات برمّتها، وقدمت آلاف الأدلة والإثباتات على التزوير فيها، وهنالك حزبان اتهما بعملية التزوير (في إشارة إلى حزبي جلال الطالباني ومسعود البارزاني)".
وشدّد على أنه "حتى هذين الحزبين لم يتفقا بعد حول كيفية الذهاب إلى بغداد والمشاركة في أي تحالف من التحالفات"، لافتاً إلى أنّ "كل الأبواب مفتوحة حالياً، لكن هنالك امتعاض وانزعاج شديد من قبل المواطن الكردستاني، وكذلك المواطن العراقي، وليس هناك أي اعتراف، وليس هناك أي اطمئنان، وليست هناك ثقة في هذه الانتخابات ولا في نتائجها، ولا بهذه التضاربات التي تنسف كل العملية الانتخابية".
كما أعلن حراك الجيل الجديد، في السليمانية، نيته المشاركة بأي وفد مع الحزبين الكرديين الرئيسين، للتوجه إلى بغداد للمشاركة في مباحثات تشكيل الحكومة المقبلة. وقال عضو المجلس الأعلى في الحراك، كاوة عبد القادر، إن "حراكه لن يعقد أي تحالفات مع الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني"، غير أنه أكد أنهم "مستعدون للاتفاق مع الأحزاب الأربعة المعارضة في الإقليم، لكن بشروط". وأضاف أن "حراك الجيل الجديد يبدي استعداده للاتفاق مع الأحزاب المعارضة الأربعة في أقاليم كردستان، ولكن بشرط ألا تتلقى تلك الأحزاب الدعم المادي من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي ولا تعقد أي تحالفات معهما".