ماكرون في منتدى باريس للسلام: أزمة غير مسبوقة تواجه النظام الدولي

12 نوفمبر 2019
ماكرون خلال كلمته في المؤتمر (فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الثانية، تستقبل العاصمة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، وعلى مدى يومين، "منتدى باريس للسلام"، بحضور شخصيات سياسية، ضمت نحو ثلاثين من رؤساء الدول والحكومات، من أجل "مناقشة مشاريع مشتركة ومبتَكَرة".

ويحرص هذا المنتدى الدولي، كما يريد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على إبراز التعددية القطبية، واجتراح حلولٍ يكون الهدف منها الدفع بالسلام في العالم، عبر "احتضان" مشاريع تعود بالنفع على الجميع.


وهذا المنتدى أراد منه الرئيس الفرنسي ماكرون، في دورته الأولى، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي صادف مرور مائة سنة على انتهاء الحرب العالمي الأولى، أن يواجه به النزعات الفردية التي تصدُرُ عن الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولهذا السبب يريده على غرار اتفاق باريس حول المناخ، أي أن يكون شاملا، ويستدرج قوى من أنحاء المعمورة.

ويمتدح الرئيس الفرنسي، منذ وصوله إلى الإيليزيه، التعددية القطبية، ويراهن عليها، على الرغم من حساسية الأمر، مع بقاء فرنسا عضوا فعالا في "الناتو"، وحيث لا نقاش، علنيا على الأقل، حول الريادة الأميركية، والحاجة إلى مظلتها.

ولكن ماكرون تعوزه الوسائل لتحقيق هذا الطموح، فمجموعة السبع، لم تنجح في أي تحدّ كبير، فقد ضمت روسيا إليها ثم طردتها، ولم تستطع إدراج الصين فيها. بل إن الرئيس الفرنسي يكتشف عجز هذه المجموعة في الحركة، حين يرى الحليف الأميركي يفعل نقيض ما يريده الأعضاء الآخرون، ليس فقط في اتفاق المناخ، والنووي الإيراني، بل وحتى المعاهدة حول القوى النووية.

ويشهر ماكرون، في كل مناسبة، التعددية القطبية في مواجهة "الأنانيات القومية"، وهنا يحرص ماكرون على التمييز بين القومية والوطنية.
وأمام كثرة المبادرات الدولية، يَحرص الرئيس الفرنسي على التذكير بأن منتدى باريس للسلام لا يندرج في أي إطار منافِس، وهو ما يعني أنه ليس على غرار منتدى دافوس الاقتصادي، أو "مؤتمر ميونخ للأمن"، بل يقترب ويستوحي نموذج "كوب21"، من حيث إتاحة الفرصة لزعماء الدول وللمنظمات غير الحكومية والشركات وأعضاء المجتمع المدني، إضافة إلى أكاديميين وخلايا تفكير، فضلًا عن ممثلي مجموعات دينية، للقاء والتبادل حول "مشاريع الحوكمة" وتقديم اقتراحات من أجل تنظيم أفضل للكرة الأرضية.

كما يطمح المنتدى، في آن واحد، إلى أن يكون قمة ومؤتمرا عالي المستوى وأيضا صالون مقترحات يُدمج فاعلين جدداً غير دوليين، من دونهم يستحيل الاقتراب، بفعالية كبيرة، من قضايا مهمة، كالاحتباس الحراري وحوكمة الإنترنت، والذكاء الاصطناعي، والتنمية.

المشاركون

ثمة ما يقرب من 6 آلاف مشارك في هذه الدورة الثانية من المنتدى، وعلى رأسهم نحو ثلاثين من زعماء الدول، أي أقل من النصف، مقارنة بالعام الماضي، كما يحضر زعماء المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، في شخص أنطونيو غوتيريس.

وكان ضيف الشرف في هذا اللقاء الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيكيسيدي، ورئيسة الحكومة البلجيكية، صوفي فيلمس، إضافة إلى الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، الألمانية أورسولا فون ديرلاين، ونائب الرئيس الصيني وانغ كيشان.

ولا شك في أن الرئيس الفرنسي كان يحتاج إلى حضور ضيوف مرموقين، من طراز المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، التي وقع معها خلاف خفيف في الأيام الأخيرة، حول موضوع حلف "الناتو" ووضعيته الحالية، ومن طراز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأميركي دوناد ترامب، الذي آثَر التغيب، كما العام الماضي. وبالتالي سيكتفي الرئيس الفرنسي بضيوفه من أفريقيا وآسيا ودول البلقان.

الأهداف المعلنة

وتبدو الأهداف طموحة للغاية، على صورة طموح الرئيس الفرنسي الشاب، وبالتالي يجب "البحث عن حلول"، كما يكرر الرئيس ماكرون، وكما هو شأنه في كل المؤتمرات التي يترأسها. ولعل الكثيرين يتذكرون سقف التوقعات في قمة مجموعة السبع، وكيف كانت النتائج مخيبة للغاية. ويُعبّر عن هذه الأهداف الطموحة 120 مشروعاً مقترَحاً، تشمل مجالات متعددة، تتوزع على السلام، وهو شعار اللقاء، والبيئة، وعلى رأسها الانحباس الحراري، والتكنولوجيات الجديدة والتعليم والثقافة، إلى مختلف أنواع التفاوتات، إضافة إلى الجرائم السبرانية، والتضليل الإعلامي وغيرها.

وسوف يعرض مختلف فاعلي الحوكمة العالمية مبادراتهم ومشاريعهم في أجنحتهم، في ردهات قصر المؤتمرات "لافيليت"، في شمالي باريس، وبالتالي سيتسنى لرؤساء الدول والحكومات الحاضرين أو ممثليهم وأيضا الشركاء المحتَمَلين اكتشافَها.

ويلخص باسكال لامي، رئيس المنتدى، والمدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، بدقة، سقف التوقعات، حين يتحدث عن الرغبة في أن يصبح هذا المنتدى، مع مرور الزمن، "مسارا للاحتضان"، وينتهي به الأمر إلى أن يصبح "منصة عالمية لحاملي المشاريع". أما في هذه الدورة، فسوف "يُعتبر إنجازاً نجاحُ هذه الدورة الثانية، في قبول نحو عشرة من المشاريع (من بين 120 مشروعا)، ومرافقَتها، خلال سنة، بالدعم الإعلامي والمالي المطلوب".

كلمة ماكرون

وقد حاول الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته الترحيبية، اليوم، أن يصف ظرفا تاريخيا صعبا، يعيشه العالَم، حيث يعتقد بـ"وجود أزمة، غير مسبوقة، لنظامنا الدولي".

واعتبر هذه الدورة هي الصعبة، لأن الأولى تصادفت مع المئوية الأولى لإعلان الهدنة، و"نجحنا في التقاط أكثر من 60 من رؤساء دول وحكومات"، أما الدورة الثانية من هذا المتدى، فتمثّل "بداية التحول إلى موعد ثابت". لكنه يرى أن المنتدى لا يزال يحمل "منفعة عميقة"، وأن العالم يمكن أن يتفكك "إذا لم نكرّس له مشروعا مشتركا، وأجندة مشتركة".

وحذَّر ماكرون من صعود القوميات، مؤكداً "وجود فرق بين الوطنية والقومية"، فـ"القومية هي الحرب، واللاتعاون سيُفكّك ما نجحنا في بنائه، خلال السنوات الأخيرة". وشدّد على أن القارة الأوروبية هي من دون شك: "المكان الذي نعرف فيه بشكل أفضل ثمن التعاون، أو بالأحرى، ثمن اللاتعاون".

وفي رسالة مبطنة إلى الدول التي لم تحضُر المنتدى، والتي ترى في هذا اللقاء منافسا للقاءات أخرى مشابهة، أكد ماكرون أنه "يجب علينا إطلاق مبادرات جديدة، ليس في إطار تنافس مع المؤسسات المتعددة الأطراف، ولكن من خلال إضافة الجهد إلى أعمالها".

وحذّر الرئيس من كل أنواع الهيمنة، مذكّرا بما فعلته فرنسا الكولونيالية، باسم الحرية، ولكنها، "لم تعُد ممكنة"، مضيفا بأن الهيمنة "تنتج الحرمان والإهانة"، وشدد على "بناء تعاون متوازن وعالم متعدد الأقطاب، حيث تسود الوساطات والتعاون".

ثم ذكّر بثلاث تحديات كبرى، يجب التصدي لها، وهي التحدي الديمغرافي، وما ينتج عنه من الهجرات الكبرى التي نعيشها، والتحدي التكنولوجي والرقمي، وأخيرا التحدي المناخي، وما يتضمنه من كفاح ضد الانحباس الحراري وأيضا التنوع البيولوجي.

يبقى أن نشير إلى أن هذا المنتدى، وإن لم يحضره زعماء كثيرون فاعلون، فإن حضور نائب الرئيس الصيني فيه، دليل على نجاح زيارة ماكرون الأخيرة إلى الصين، إذ أكدتها اتفاقات اقتصادية كبيرة.

كما أن منح الرئيس الكونغولي الجديد ميزة ضيف الشرف، يؤكد بداية الاستقرار في هذا البلد، الغني بموارد طبيعية تُسيل لعاب الدول العظمى، وخاصة فرنسا.

المساهمون