الضحية هذه المرة شاب لاجئ، يدعى علي بارنيان (19 سنة) وينحدر من إيران، شرع في تأسيس مخبزه بعد عامين من حصوله على اللجوء، فوجد نفسه تحت ضغط "عصابات الابتزاز" لدفع مبلغ "مقابل حمايته"، كما يقول علي.
طلب من الشاب دفع 100 ألف كرونه (نحو14 ألف يورو)، لأجل "حمايته والسماح له بالاستمرار بالعمل ليلا ". وظل يرفض أسلوب الابتزاز إلى أن حطموا له أخيرا مخبزه أمام زبائنه، بعد فترة من تحطيم واجهة المحل.
قضية علي تثير هذه الأيام في الصحافة والشارع الدنماركيين، وبتعاطف كبير معه، غضبا وصل بالمواطنين للمطالبة بتشريعات تغلظ من عقوبة "الابتزاز المافيوية". وأدت موجة التعاطف مع هذا اللاجئ، الذي عبّر من خلال مترجمته، سهيلة غايسفاند، عن "الخوف والاستسلام وضياع الحلم"، إلى تدشين حملة تبرعات لإعادة إصلاح مخبزه ومطعمه بمبلغ تجاوز ثلاثة أضعاف ما طالب به المبتزون. فحتى صباح الثلاثاء، وخلال 48 ساعة، وصل مبلغ التبرع من مواطنين عاديين وبرلمانيين إلى حوالى 360 ألف كرونة دنماركي.
وزير العدل الدنماركي، سورن بابي بولسن، عقّب على قضية علي بالقول: "كل شيء متاح لمساعدة اللاجئ الذي حطم حلمه خلال ثوان من ملثمين جبناء (وهو يشير إلى 5 ملثمين حكموا المخبز)". فيما يؤكد بولسن أيضا أن "المذنبين يجب جلبهم إلى العدالة بأسرع وقت ممكن".
من جهتها، أكدت مسؤولة اللجنة البرلمانية في حزب المحافظين، المشارك في الحكومة، ميتا أبيلغورد أنه "يعمل الآن على اعتقال المنفذين، وسيكون من الذكاء أن نأخذ من قضية تينبيرغ أمثولة لما يجب القيام به قانونيا ومع الشرطة، لأن لدينا مشكلة كبيرة حقا". وتطالب أبيلغورد، مع ساسة آخرين، "بالمزيد من الشرطة في هذه القضايا، لأن من غير المقبول أبدا أن نسكت على هذه الممارسات في الدنمارك".
وفي بعض ضواحي كوبنهاغن تسود ممارسات يصفها الدنماركيون بـ"المافيا"، حيث تنشط "فرق جباية" تتردّد على المحلات (بشتى أنواعها، من مطاعم ومقاه إلى صالونات حلاقة وتصليح الحواسيب والهواتف والدراجات الهوائية إلى بقاليات من أصل عربي ومهاجر)، لتجمع مبالغ مالية من أصحابها بحجة "الحماية من تخريب العصابات". ولا يستثنى لا مهاجر ولا دنماركي من الابتزاز في تلك المناطق.
ممارسات العصابات، وبحسب ما يذكر بعض مالكي المحلات في ضواحي كوبنهاغن لـ"العربي الجديد"، بشرط عدم ذكر الأسماء، هي "ابتزاز مالي بإرسال من يخرب لك شيئا، دون أن تعرف تماما من فعلها، ثم يأتيك شخص يعتبر نفسه وسيطا، وأحيانا بربطة عنق، وهو أصلا جزء أصيل من العصابات، بل ربما تلتقي بالعقل المدبر، ليشرح لك بأنه أفضل لك أن ترتب أمورك مع بعض الشباب وهم يتصرفون...".
وفي حالة أخرى، تشير إلى حجم هذه الممارسات، التي تثير غضبا منذ بداية العام الماضي 2017، وفقا لما يذكره صاحب مقهى لـ"العربي الجديد" أنهم "يسرقونك، مثلا ماكينة قهوة أنت حملتها معك من إحدى سفراتك، ويعرفون أنك لم تدخلها بعد في التأمين، ثم يعرضونها من السارقين لقاء مبلغ ابتزاز.. بل إن البعض يمارس الابتزاز بالتهديد بالعائلة وما يسمى عندنا بـ(الفضيحة) إذ سيلقون عليك تهما لا علاقة لك بها... هذه الأساليب للأسف فيها خراب بيوت"، وفقا لوصف هذا الرجل الذي حل مسألة ابتزازه "بطريقته الخاصة".
لا تنجح دائما "الطريقة الخاصة" في وقف عمليات الضغط، واضطرار البعض لغلق الأبواب وإنهاء أعمالهم، أو الانتقال إلى مناطق بعيدة عن شوارع رئيسية في القرب من الضواحي، كما يقول الشهود لـ"العربي الجديد".
وعلى الرغم من أن حكومة يمين الوسط في كوبنهاغن ذهبت في مارس/آذار العام الماضي، إلى طرح حزمة من التشديدات لوقف ظاهرة الابتزاز ضمن ما يسمى "حزمة مكافحة العصابات"، بمناقشة رفع الأحكام للمبتزين إلى 8 أعوام سجنا فعليا، إلا أنّ وزير العدل، سورن بابي بولسن، يتعرض هذه الأيام إلى حملة من التهكم والهجوم لعدم تطبيقه "عقوبة صارمة بحق ممارسي الابتزاز الممنهج"، كما طُبق في السابق على عصابات الروك الدنماركية.
ومع اشتعال "حرب العصابات"، ومعظمها من أجيال مهاجرة، منذ صيف العام المنصرم، تزايدت في الدنمارك الأصوات المطالبة بحبس من ينتمي إليها وترحيله عن الدنمارك، مهما كان وضعه القانوني. ولم يجر تنفيذ الكثير من أحكام الترحيل، ويعتقد على نطاق واسع بأن هذه العصابات تنتشر وتتنافس على مناطق ضواحي مدن الدنمارك.
وتعتبر ممارسات الابتزاز قديمة في كوبنهاغن، وخصوصا في الضواحي التي تتواجد فيها عصابات مهاجرين. ففي مناطق مثل نوربرو، حيث تنتشر المتاجر في شارع رئيسي، يعاني بعض أصحابها منذ 2012 للابتزاز المنظم. وأشهر تلك القضايا هي قضية "مقهى الفايكنغ" الذي قامت عصابة "بروذاس" (من شبان مهاجرين) بتهديد مالكته الدنماركية يانا بيدرسن باعتبار أنها تدين لهم بمال، كما قالت (...) "لكنني رفضت هذا الابتزاز تماما وبدل السكوت ذهبت إلى الإعلام لأفضح هذه الممارسات". وكل ما جرى مع الفاعلين أن اعتقل شاب (19 سنة) وحكم بثمانية أشهر.
وقامت مؤخرا وزيرة الهجرة، إنغا ستويبرغ، بزيارة مقهى "موكي" تعرض للابتزاز وذهب إلى وسائل الإعلام وهي "مخاطرة كبيرة وشجاعة" للتعبير عن تضامنها معه، وطلب أن "يرفع الناس صوتهم ضد الابتزاز". فالشائع أن أصحاب المتاجر يخضعون ولا يتحدثون للصحافة أو عن هذا الابتزاز المستمر.
وفي عام 2015 اشتهرت قضية عصابة "الجيش الأسود" Black Army لابتزازها لدنماركيين يملكون متاجر في أودنسه. وتذكر الشرطة الدنماركية بأنها تواجه "عصابات منظمة تمارس الابتزاز والعنف والاتجار بالمخدرات والإثراء بالتهديد بالقتل والتخريب إن لم يستجب الناس لمطالبهم".
وتحضر أيضا قضية مالك متجر "الوشوم الكهربائية" في أودنسه، لارس بيدرسن، الذي تعرض إلى جانب عدد من متاجر رسم الوشم، لابتزاز من عصابة "الجيش الأسود" لـ"دفع أموال حماية". أثارت هذه القضية العام الماضي ضجة كبيرة حينما ذهبت نقابة رسامي الوشوم إلى الشرطة. وكان مبرر عصابة الابتزاز "أنت في منطقتنا وعليك دفع حماية"، ما أشاع جوا من الغضب بين الدنماركيين إلى حد تساؤل كثيرين منهم "أنحن في منطقتهم؟ ماذا يفعلون هنا في بلدنا إذا"، ما دفع حزب الشعب الدنماركي المتشدد إلى طلب المزيد من "تشديد قوانين الهجرة والأحكام وتسهيل الترحيل". فيما ذهب آخرون إلى اعتبار "أن عصابات الشباب تلك لا تمثل بأي حال من الأحوال المهاجرين، بل بعضهم لا يدرك أهاليهم بأنهم منخرطون فيها".