مافيا الملازم.. طلاب مصر ضحاياها في التيرم الأوّل

13 يناير 2016
لا بدّ من تصحيح العمليّة التعليميّة برمّتها (Getty)
+ الخط -

انطلقت امتحانات منتصف العام في المدارس والجامعات المصرية أو التيرم الأوّل من العام الدراسي، وسط انتشار غير مسبوق لـ "مافيا المذكرات والملازم" التي تُفرَض بالقوة على التلاميذ والطلاب. وترتفع أسعار هذه المذكرات في حين تختلف بين مادة وأخرى. ويتراوح السعر ما بين 50 و75 جنيهاً مصرياً (6.4 - 10 دولارات أميركية) للملزمة الواحدة. وفي ظل تخوّف التلاميذ والطلاب من أن تتضمّن الامتحانات تلك المذكرات، لجأ كثيرون منهم عن طريق بعض المكتبات إلى كسر العلامة المائية للورق المشفّر الذي تضعه بعض المكتبات لمنع التصوير بالطرق العادية، وبالتالي أعادوا نسخ الملازم بأسعار أقلّ.

أمام الجامعات المصريّة، تكثر المكتبات وتأتي متراصة. كلّ واحدة منها تتعامل مع كليات بعينها، ويطمئن أصحاب تلك المكتبات أن جميع مواد الفرق الدراسية متوفّرة لديها فيما تختلف أسعارها وفقاً لطبيعة المادة. مذكرات المواد العلمية مثلاً، تختلف عن تلك الأدبية. وتعمد كليات عديدة إلى طبع آلاف من الملازم، خصوصاً تلك التي تضمّ أعدداً كبيرة من الطلاب مثل كليّتَي التجارة والحقوق، فتطبع كل واحدة منهما نحو أربعة آلاف ملزمة للفرقة الواحدة. وتُحجز الملازم مسبقاً قبل الطباعة، حتى لا تطبع الكليات أعداداً أكثر من المطلوب.

أما في المدارس، فالأمر مشابه، إذ يعمد المدرّسون إلى طبع المذكرات وتوزيعها على التلاميذ الذين يُلزَمون بشرائها، خصوصاً بعد تأكيد المدرّسين على أن الامتحانات لا تخلو من مواد منها. ويهرع عدد كبير من الأهالي إلى شرائها، إذ هي لصالح أبنائهم بحسب ما يقول المدرّسون. ويحاول هؤلاء الذين لا يملكون المال الكافي، تأمين ثمنها بأي وسيلة ممكنة، حتى لو اضطروا إلى بيع حاجيات لهم. أما التلاميذ، فيراودهم اعتقاد أقرب إلى اليقين بأن هذه الملازم والملخصات هي "إكسير النجاح".

مورد رزق

في الشارع الخلفي لجامعة عين شمس (القاهرة) الموازي لمحطة مترو أنفاق الدمرداش، تكثر اللافتات والملصقات بمختلف أشكالها وأحجامها وألوانها. وهي جميعها دعاية موجّهة إلى الطلاب، إذ نقرأ "يوجد لدينا..." و"احصل على نسختك من مادة..." وغيرهما. يُذكر أن عدداً كبيراً من المعيدين يشاركون في إعداد تلك المذكرات بالتعاون مع أساتذة الجامعات. ويتكرر الأمر نفسه أمام جامعة القاهرة، حيث تُباع الملازم التي أعدّها أعضاء هيئة التدريس والمعيدين.

إلى ذلك، يؤكد طلاب من جامعة حلوان ارتفاع أسعار الملازم عما كانت عليه في العام الماضي، لا سيما تلك الخاصة بالكليات النظرية التي يعتمد عليها عدد كبير من الطلاب بشكل رئيسي. ويعود ذلك إلى أن الكتاب الجامعي لا يقدّم لهم ما يحتاجونه بشكل كافٍ. ويشير هؤلاء إلى أنهم يضطرون إلى شراء الكتب الجامعية لضمان حصولهم على درجات من الأساتذة المحاضرين فقط، لكنهم لا يعتمدون عليه. ويقولون إن نسبة الذين يعتمدون على الكتاب الجامعي لا تتعدى ثلاثة أو أربعة في المائة. أما في جامعة الزقازيق، فيتّفق معيدون مع مكتبتَين شهيرتَين لطباعة مذكرات تباع في جوار الجامعة. والمستهدف من هذه الظاهرة خصوصاً، هم طلاب عدد من الكليات منها الخدمة الاجتماعية والتربية والهندسة، وذلك هرباً من أسعار الدروس الخصوصية المرتفعة جداً.

ويوضح الطلاب أن أسعار الملازم ترتفع من عام لآخر، ويتعمّد أساتذة الجامعات بيعها لهم. يقول أحمد عبد النبي وهو طالب في كلية التجارة، إن أساتذة الجامعة يعمدون إلى وضع علامات مائية خاصة بكل ملزمة، للحد من إمكانية تصويرها بالطرق العادية. ولعلّ أشهر هذه العلامات "الفراشة والسلحفاة". ويشرح أنه "في حال أراد أحدهم تصويرها، فإنها تخرج سوداء. بالتالي يضطر الطالب إلى شراء الأصلي منها". لكنه يلفت إلى أن "عشرات الطلاب تخصصوا في اختراق العلامات، وراحوا يصوّرون الملازم ويعيدون بيعها بأسعار أقل من المعتاد". ويؤكد عبد النبي أن "الأسعار ارتفعت خلال العام الحالي عن معدلاتها الطبيعية، والطلاب في الكليات النظرية يعتمدون عليها بشكل رئيسي". أما زميله مجدي علاء في كلية التجارة شعبة اللغة الإنجليزية، فيقول إن "طلاب الجامعات يعانون من استغلالهم لشراء الملازم والمذكرات الخارجية التي تُفرض عليهم". ويرى "ضرورة وضع حدّ لهذه الظاهرة من قبل وزارة التعليم العالي"، مؤكداً أن ما يحدث هو زيادة الأعباء المالية على الأسرة.

من جهته، يشير شريف محمد وهو طالب في كلية الآداب، إلى أن "الكتاب الجامعي أصبح بلا معنى وأن الاعتماد أصبح فقط على تلك المذكرات التي تُفرض علينا بالقوة". ويقول إن "التعليم أصبح بلا معنى، إذ يعتمد على التلقين والحفظ فقط". بالنسبة إليه، فإن "الملازم مع انتشارها في كل الجامعات المصرية، أصبحت باباً خلفياً للفساد يستغله بعض أعضاء هيئة التدريس ضدّ الطلاب. ومن لا يشتريها، يعمد أستاذه إلى إنقاص درجاته في الامتحانات". ويوافقه محمد كامل الطالب في كلية الهندسة الرأي، مضيفاً أن "ثمّة مافيا في بعض الجامعات تعدّ الملازم والمذكرات مورد رزق لها، إذ إن أرباحها تتخطى أضعاف رواتب واضعيها على حساب الطلاب".

وصفة التفوّق

في المدارس أيضاً، يسجّل مشهد مشابه في جميع مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. وتزدحم المكتبات بالتلاميذ بحثاً عن المذكرات التي أعدّها وطبعها مدرّسون في كل المواد. بالنسبة إليهم، أصبحت هذه الملازم مكمّلة للمادة الدراسية، بل يشعرون بالاستهجان تجاه المدرّس الذي لم يعدّ مذكرة أو ملزمة تغطي مادته العلمية. ويلحّون عليه قبل الامتحانات لإعداد ملزمة لمادته، في حين يتعامل بعض المدرّسين مع تلك المذكرات على أنها "سبوبة" تدرّ ربحاً كبيراً. لذا، ليس مستغرباً أن يلجأ معدّو هذه الملازم قبل الامتحانات بأسابيع، إلى صحف ومجلات الدعاية للإعلان عن بيع الملازم والمذكرات التي يطلق عليها أسماء يسيل لها لعاب التلاميذ وأولياء أمورهم، من قبيل "زبدة الامتحانات" و"وصفة التفوق" و"المراجعة النهائية" و"حقيبة التفوق الشاملة" و"مذكرات ليلة الامتحان" وغيرها.

اقرأ أيضاً: معلّم مصر لم يعد "رسولاً" بعد ضربه

وتلاميذ المذكرات نوعان، المجتهدون والكسالى. الأوائل وعلى الرغم من استعدادهم الجيد، إلا أن ثمّة هاجساً ينتابهم قبل الامتحانات بأنهم لم يستعدوا بشكل كافٍ، بالتالي فإن في الزيادة خيراً وبركة. أما الكسالى فلديهم ولع غريب بالمذكرات، ويعتقدون أنها ستساعدهم في النجاح، فهؤلاء أهملوا المذاكرة طوال الفصل أو العام وهم لا يعرفون شكل الكتب الدراسية إلا قبل ساعات من دخول قاعة الامتحان.

خطر يهدّد التعليم

يرى الخبير التربوي وأستاذ المناهج في جامعة عين شمس الدكتور حسن شحاتة أن "ظاهرة الملازم والمذكرات التي تنتشر في الجامعات بكلياتها المختلفة وفي المدارس بمراحلها المختلفة، أمر خطير يهدّد التعليم في مصر. وهي الظاهرة التي انتشرت بأسماء مختلفة لجذب الطلاب والتلاميذ على شرائها. كثيرون منهم يرون في تلك المذكرات بديلاً عن الكتاب الجامعي أو المدرسي الذين يعدّونه أنه ثقيل الظل". يضيف: "المذكرة بالنسبة إليهم بعيدة عن الحشو. وما يساعد على رواج هذه الملازم هو أن الامتحانات توضع بشكل تقليدي وتخلو من الإبداع. كل امتحان هو صورة عن امتحان العام السابق مع بعض التغيير، بالتالي ازدادت شعبية هذه الملازم والمذكرات التي تخمّن أسئلة الامتحانات، مستفيدة من الصورة التقليدية غير المبدعة لإعدادها".

ويشدد شحاتة على أن "من سلبيات تلك الملازم أنها تختزل المادة العلمية في عدد من الورقيات، وكذلك تركز على الجانب المعرفي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين فقط، وتحوّل الطالب أو التلميذ إلى مجرد كوب فارغ يُملأ بمعلومات هذه الملازم لتتبخّر من رأسه بعد خروجه من قاعة الامتحان". ويشير إلى أن "الأمر تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ما يمكن أن نطلق عليه فوضى الملازم"، مطالباً بضرورة وضع "قواعد وقيود صارمة لمنعها فوراً. كثر هم الطلاب والتلاميذ الذين هجروا كتب الدولة التي تحوّلت بعبعاً لا يريدون الاقتراب منه". ويقول إن "لا بدّ من تصحيح العملية التعليمية برمّتها، إذ إن التعليم الجيّد هو قاطرة التطوّر في أي دولة متقدمة".

اقرأ أيضاً: الدروس الخصوصيّة.. أسعار خيالية قبل امتحانات مصر النصفيّة