مازن درويش وحماية الأقليات: ردود وتضامن وجدل سوري مستمر

18 ابريل 2016
مازن درويش (فيسبوك)
+ الخط -
تشير النقاشات والتفاعلات الواسعة التي حظي بها حديث الناشط الحقوقي مازن درويش، أمام جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول حماية الأقليات، إلى الحساسية المفرطة لدى عموم السوريين تجاه هذه المسألة، التي لا يكاد يخلو حديث أو تصرف لسياسي أو إعلامي أو ناشط من الإشارة إليها صراحة أو ضمنًا. كما تشير هذه النقاشات في الوقت نفسه، الى أجواء التشكيك وعدم الثقة التي تلازم علاقات السوريين في هذه الفترة، حتى بين من يفترض أنهم في "جبهة واحدة" ضد الاستبداد والطغيان.

وقد غطت التفاعلات مع أقوال درويش، الذي قضى ثلاث سنوات في سجون النظام وخرج في آب/ أغسطس الماضي مساحات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أيام، منذ مشاركته في الندوة الأممية في الرابع عشر من أبريل/ نيسان، ما دفعه في صفحته على "فيسبوك" أمس الأحد، إلى شكر جميع الذين تفاعلوا مع الكلمة التي ألقاها في نيويورك سلبًا أو إيجابًا.

وأضاف "أدرك تمامًا كمية الانقسام والتشظي والعنف والكراهية التي تجتاح مجتمعنا السوري، وهو أمر طبيعي وفق مسار السنوات الماضية، وأنا على يقين أننا قادرون على تجاوز ذلك والوصول بسورية إلى بر الأمان، وتحقيق تطلعاتنا في الحرية والكرامة والمواطنة".

كما اعتبر درويش أن "القتلة والمجرمين وتجار الحرب والمنتفعين منها والحالمين بجني ثمارها من كل الأطراف، جميعهم ترعبهم كلمة المحاسبة وتفقدهم صوابهم ويحاولون بشتى الوسائل الالتفاف عليها وحرف الأنظار عنها".

وكان بعض الإعلاميين والناشطين اتهموا درويش بالتركيز في كلمته المذكورة على "حماية الأقليات" وتجاهل محنة "الأغلبية" (العرب السنة) الذين كان لهم النصيب الأكبر من القتل والاعتقال والتهجير، وتدمير مدنهم وبيوتهم خلال السنوات الخمس الماضية. ووصلت الحملة على درويش أمس إلى حد اتهامه بأنّه كان يكذب في شأن اعتقاله، لأنّه خرج وليس على جسده آثار التعذيب كما آخرون كثر من السوريين.

وفي هذا السياق، قالت الإعلامية مها الخطيب "مازن درويش يطالب بحماية الأقليات أمام مجلس الأمن، والأكثرية لابأس أن يموتوا... أعدادهم كثيرة شو بصير إذا نقصوا شوي... مو لشي ليصير توازن بين الجميع.. قرفتونا شي اسمه ناشطي حقوق إنسان".



أما الناشط وعضو مجلس الشعب السابق المنشق عماد غليون فقد كتب يقول "أنا ضد حديث مازن حول الأقليات وحمايتها مهما تكن دوافعه ولا تبرير له لاستخدام مصطلح النظام المفضل وما يريده الأخرون في سورية. من يريد الحرية والثورة يطلب الحرية لكل السوريين والحماية لهم جميعا، ومحاسبة المجرمين".

وكتب مدير موقع "أورينت نيوز" غسان ياسين إن مازن الذي "كنا متضامنين معو طوال فترة اعتقاله طالب أمام جلسة أممية بحماية الأقليات. مازن درويش علوي أولاً وحقوقي، صحافي، معارض ثانياً".

ومازن درويش هو مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وهو كما شرح في معرض رده على هذه الاتهامات "من أب علوي وأم سنية وجدة كردية". وقد أخذ عليه بعض منتقديه أنه خرج من سجن النظام بصحة جيدة، خلافًا لمجمل المعتقلين السوريين الذين إن خرجوا، فيكونون نحيلي الأجساد، ويعانون من أمراض مزمنة وآثار التعذيب واضحة عليهم.

في المقابل، كان هناك من أقر بتسرعه في إدانة الناشط الحقوقي الأشهر في سورية، وقدم اعتذارًا عن ذلك، مثل بارا الخيمي الذي كتب يقول "بعد تحليل هادئ لمداخلة درويش، أعترف انني تسرعت في الحكم بعد سماعي الجملة المشؤومة التي أصبحت تشكل استفزازًا عصبياً لكل السوريين، وهي حماية الأقليات ولم أعد اهتم لكل ما قيل من كلام واقعي وحقيقي قصد فيه مازن وضع الحقائق بالطريقة التي يفهمها العالم وبأسلوبه الذي يدعيه وكشف تخاذله وكذبه".

ومثله فعل السياسي والناشط أيمن فهمي أبو هاشم الذي اعتذر لدرويش، وقال: "بعد أن سمعت كلمته الموثقة في يوتيوب، وجدت أنها تعبر بكل أمانة عن حقوق الضحايا في سورية وكيفية إنصافهم وفق آليات قانونية سليمة، وهذه القصة توجب علينا ألا نتسرع في الاتهام وأن نتحرى الدقة قبل الحكم والتقييم".

وفي مقابل جميع المهاجمين والمخوّنين، دافع ناشطون عن درويش، وشرحوا موقفه منهم الصحافي والناشط وائل السواح الذي قال "لم أسمع ما قال صديقي مازن درويش في نيويورك، ولكنني مسبقا معه قلبا وقالبا، ذاك انني أعرف الرجل ماضيا وحاضرا. عرفته وعملت معه وتعلمت منه قبل الثورة وأثناء التحضير لها وبعدها. قبل السجن وبعده. في سورية، وفي المنفى. مازن درويش هو من مؤسسي لجان التنسيق المحلية، ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير عن الرأي ومؤسس ومدير مركز توثيق الانتهاكات (أول مركز سوري لتوثيق قتلى وسجناء ومخطوفي السوريين بعد الثورة) وأول من طرح فكرة العدالة الانتقالية في سورية وبدأ بالتأسيس لها. وباختصار: حيث يقف مازن درويش يكون الحق".


وقال كاتب السيناريو السوري سامر رضوان إن "محاكم التفتيش كانت أرحم بكثير من كتائب الإعدام اللي تشكلت لمحاكمة رجل لا يمكن الا أن تحترم تاريخه وحاضره. مصطلح حماية الأقليات ابتدعته أنظمة العالم وفي كل النكبات الكبرى، ولا يخص سورية وحدها".

أما الصحافي والناشط إياد شربجي فأشار إلى أنه "التقى مازن درويش الموجود في الولايات المتحدة بعد تصريحاته الأخيرة، وإن درويش قال له إنه قبل كلمته التقى مع مندوبي بعض الدول الغربية، الذي تحدثوا معه مطولا عن حماية الأقليات، وانهم خاطبوه كواحد من الأقليات، وليس كمواطن سوري، فاجتهد مازن وقال في كلمته ما معناه إن حماية الأقليات تتطلب إسقاط نظام الأسد".

في المقابل رد مازن درويش على هذا الجدل، لافتا إلى أنه لا يشعر بأنه متهم لكي يثبت براءته. لكن كثير من الدول تتحدث اليوم عن حماية الأقليات، "وأنا قلت اذا كنتم معنيين بحماية الاقليات يجب ان تضغطوا على جميع الاطراف للقبول بالمحاسبة. لا تتم حماية الاقليات بالسماح بتهجير الاكثرية. العدالة الانتقالية هي التي تضمن الأمن والسلام لجميع السوريين بمن فيهم الاقليات"، مشيرا الى أن هذا المصطلح ليس من اختراعه، بل يتم تداوله على ألسنة الدبلوماسيين.

كما رأى أن "عدم محاسبة منتهكي حقوق الانسان سيؤدي الى حرب أهلية طاحنة في سورية لن يسلم منها احد. ومن غير المقبول اليوم أن نقبل بسياسة الافلات من العقاب، وهذا الكلام يتوافق مع المصلحة السورية، ومع الشرعة الدولية لحقوق الانسان ولا يعنيني أبعد من ذلك".

المساهمون