تتجه كل الأعين نحو ميلانو مساء الغد، حيث النهائي الكبير للبطولة الأغلى قاريا، ذات الأذنين بين أتليتكو مدريد وريال مدريد، ديربي العاصمة الإسبانية مرة أخرى، بعد 2014 في بنفيكا، يأتي الرهان هذه المرة في إيطاليا، وبالتحديد داخل ملعب سان سيرو، في مهمة لن تكون سهلة على الفريقين، ولقاء تكسير عظام بين ثنائي تدريبي يختلف أكثر ما يتفق، دييغو سيميوني في مواجهة زين الدين زيدان.
ريال زيزو
وصل ريال مدريد إلى نهائي دوري الأبطال رفقة زيدان، بعد تخطي كل من روما، فولفسبورغ، ومانشستر سيتي، في طريق بدا سهلا إلى حد كبير، لكن يُحسب للمدرب الشاب أنه حقق المراد في النهاية، مع منافسة شرسة على لقب الليغا حتى الأسبوع الأخير، وبالتالي كانت رحلة الملكي مع زيزو أفضل بكثير مما كانت عليه مع رافا بينيتيز.
الفارق هنا ليس فنيا أبدا، لأن زيدان نفسه لم يصنع بعد أسلوبا تكتيكيا خاصا به، ولم يلعب الريال مؤخرا بطريقة جديدة نوعا ما، بل كل ما أضافه الفرنسي الجزائري خاص بالشخصية، شخصيته القوية التي احترمها كل اللاعبين، فتحول الأداء السلبي إلى نسخة إيجابية، ولعب الريال بطريقة أفضل، خصوصا بعد استعادة النجوم لثقتهم في القائد، مما انعكس بالنجاح داخل أرضية الملعب.
يمثل كل مدرب ماضيه، وزيدان كان أسطورة كروية رفيعة المقام، من خلال حضوره الطاغي في المباريات النهائية، وأسلوب لعبه الأقرب إلى السهل الممتنع، لذلك يحاول المدرب أن يقدم نسخة قريبة من طريقة لعبه، من خلال الاستحواذ والسيطرة، مع الميل إلى المبادرة والهجوم، وبكل تأكيد الوصول إلى الفوز في اللحظات الحاسمة، مهما كانت الظروف وقدرات المنافس.
وبالعودة إلى مباريات الريال الأخيرة، سنجد أن الفريق لا يدافع كثيرا أو يتحفظ مثل أيام بينيتيز، لكنه في نفس الوقت لا يقدم كرة مميزة قائمة على التناغم والانسجام، فقط يصل إلى الفوز تلو الآخر، ويحقق النقاط في مسابقة الليغا، مع تخطي أدوار خروج المغلوب في الشامبيونز، لذلك وصل الفريق إلى نهائي ميلانو، لكن مع بعض الانتقادات بسبب افتقاد الجمهور لجماعية اللعب في مباريات كمان سيتي ذهابا وإيابا.
أتليتكو سيميوني
يفكر كل مدرب بطريقته الخاصة، ونجح دييغو سيميوني في طبع شخصيته على طريقة لعب أتليتكو مدريد بنجاح ساحق، الشولو الذي يؤمن فقط بالجهد لا الحظ، ويعمل بجد واجتهاد منذ الدقيقة الأولى وحتى الأخيرة، وصل سريعا إلى القمة مع الفريق الإسباني، ليحقق الدوري في عام 2014، ويصل إلى نهائي دوري الأبطال مرتين في آخر ثلاث مناسبات.
وحول الفرق بين الكرة الجميلة ونظيرتها القبيحة، يشير "الشولو" إلى أن هذه المسميّات من إنتاج وسائل الإعلام، في النهاية كرة القدم عبارة عن فلسفة مقابل أخرى وفكر ضد آخر. صحيح أن برشلونة يلعب كرة قدم جذابة كمثال، لكن في النهاية اللعبة تشبه السيارة، إذا لم تكن تملك الفيراري، فيجب عليك أن تحاول الوصول إلى نهاية السباق بالعربة التي تملكها، مهما كانت المعوقات.
وبالتالي فإن سيميوني سيلعب بنفس طريقته، سواء درب الأتليتي أو برشلونة أو منتخب الأرجنتين، فالأهم هو حماية مرماه جيدا، باستخدام أفضل أسلوب دفاعي في القرن الحادي والعشرين، من خلال تضييق المساحات أمام لاعبي خصومه، والتحكم في الفراغات عن بعد دون الكرة، ليصبح الطريق إلى مرمى أوبلاك أمرا صعبا وغير يسير، وهذا ما أتقنه أتليتكو سيميوني هذا الموسم.
وصل الأتليتي عبر الطريق الأصعب، برشلونة ثم بايرن ميونخ، ولعب الفريق باستراتيجيته الأنجح، محاولة الوصول إلى شباك الخصم، ومن ثم اللعب وفق قاعدة "1-0"، بحماية دفاعه جيدا، ومن ثم الضرب بالمرتدات القاتلة، عن طريق استخدام أقل عدد من التمريرات من الخلف إلى الأمام، نحو ميلانو.
تأثير بييلسا
يبقى مارسيلو بييلسا صاحب تأثير حقيقي في نهائي ميلانو، رغم ابتعاده عن التدريب منذ قرابة العام، بعد قراره بعدم الاستمرار في مارسيليا، ومن ثم العودة إلى الأرجنتين وترك مهنة التدريب لبعض الوقت، لأن الثنائي الكبير في مدريد ارتبط باللوكو اللاتيني في مناسبات سابقة، سواء في أيام تواجده بالأراضي الفرنسية، أو تدريبه للمنتخب الأرجنتيني في فترة قديمة.
سافر زيدان إلى مارسيليا وميونخ قبل اتجاهه لتدريب ريال مدريد، تقابل الرجل مع بيب غوارديولا ومارسيلو بييلسا. يقول زيزو عن اللوكو، "إذا كان البعض يعتبر بيلسا مجنونا وعبقريا فأنا أراه مزيجا من الصفتين، لقد رأيت طريقته في التدريب صعبة ولكن العمل الذي يقوم به جيد ونتائجه متميزة مع مارسيليا".
أما دييغو سيميوني فقد تتلمذ تحت قيادة بييلسا في أيام الأرجنتين، ورغم عدم تشابه طريقة اللعب بين الثنائي التدريبي، إلا أن الشولو يعترف بأنه استفاد كثيرا من معلمه، عندما قال في تصريحات سابقة، "الفراغات بمثابة السر الكامن لهذه اللعبة، ومارسيلو واحد من هؤلاء الذين يهتمون بأدق تفاصيلها"، وبالفعل يلعب أتليتكو بطريقة دفاعية لكنه يحافظ كثيرا على استغلال الفراغات، بطريقة تتفق مع مبادئ بييلسا الذي يتقنها أيضا لكن في الهجوم فقط.
الحاضر الغائب
" إنه المايسترو الذي يرسم الإيقاع. يجب أن يسعى ليحصل على الجودة، لا على السطحية والسهولة. لا أذهب إلى الفرن من أجل الفرّان بل من أجل الخبز،. المتطلبات المطلقة، الصرامة، هذا هو المدرب".
هذا هو تعريف المدرب من وجهة نظر القدير أريجو ساكي، إنه الإيقاع ولا شيء آخر، الجانب المنسي في تقييم أي مدرب، فرجل مثل مارسيلو بييلسا لم يحصل على بطولات عديدة، ولم يحصل على فرص كبيرة في أندية عملاقة، لكنه يحافظ دائما على إيقاعه المتفرد، من خلال تأثيره على الآخرين، ومساهمته في نقل اللعبة إلى مستوى آخر، بتسجيل أهداف غزيرة والاتجاه إلى الأمام، باللعب العمودي والتحولات السريعة الخاطفة.
ترك بييلسا إرثا كرويا لا يُنسى، من خلال تأثيره على مختلف المدربين الشبان، ومساهمته في خروج جيل جديد من أبرز الأسماء الخططية، لذلك رغم التنافر والاختلاف بين زيدان وسيميوني في أمور عديدة، إلا أنهما يتفقان في الاحترام والتقدير لبييلسا، لأن الأول استفاد من طريقة تدريباته، والثاني تعلم منه أصول اللعب المباشر، في انتظار كلمة الحسم الأخيرة في النهائي الكبير.