مارتين أوبري: خشبة خلاص هولاند؟

22 أكتوبر 2014
ترفض أوبري تقييم أداء هولاند (فرانس برس)
+ الخط -


طال صمتُها حتى تصوّر الكثيرون أنّ لها موعداً مع الصمت. الكثير من الساسة يُتمنّى لو أنهم لا يتكلمون، والبعض تُنتظر كلماتهم وتصريحاتهم بشوق. ومارتين أوبري من هذه الفئة الأخيرة. صمتت فأزعجت وأثارت القلق بصمتها. كيف يعقل أن يحدث كلّ ما يحدث في فرنسا، وتظلّ صامتة؟ هل من الحكمة أن تظلّ صامتة، ومصير فرنسا يتقرّر اليوم، وفي غياب مساهمتها؟

لا شكّ بأنّ التيّار اليساري في الحزب الاشتراكي الحاكم هو الغائب هذه الأيام. التزمت أوبري بالصمت حتى تتيح لرفاقها، في الحكومة، أن يعملوا بدون إزعاج، إذ تكفيهم انتقادات اليمين واليمين المتطرّف. لكن للصمت حدود، خصوصاّ وأنّ الرئيس فرنسوا هولاند اختار أن يُدير ظهره لكل العناصر اليساريّة والشعبيّة من برنامجه الانتخابي، ومن برنامجها أيضاً، أي البرنامج الذي فاز على ضوئه في الانتخابات الرئاسية. كما أنّها ترى التيار الليبرالي، الذي كان ضعيفاً في الحزب، يصل إلى رئاسة الوزراء، و"يطرد" ما تبقّى من أنصار التيار اليساري، ويُعلن انبطاحه للمال ورجال الأعمال، ويفتك بكلّ المنجزات الاجتماعيّة التي راكمتها الطبقة العاملة، بفضل نضالاتها في فرنسا.

صحيح أنه يوجد من يطلق عليهم تسمية "المتمردين" في البرلمان، والذين تتعاطف معهم أوبري، لكنّ إزعاجهم لرئيس الجمهورية ووزيره الأول وسياستهما الليبراليّة ليس حاسماً بعد. حتى خروج وزيري الاقتصاد أرنو مونتبورغ، والتربية والتعليم العالي بنوا هامون، اليساريين من الحكومة، لم يُثمر بعد.

وأمام سيل من الانتخابات والاستحقاقات التي خسرتها الحكومة اليسارية كلّها، كان لا بد لها أن تخرج من صمتها. فاختارت، صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" (19 أكتوبر/ تشرين الأول)، منبراً لها. تبرر أوبري إطلالتها الإعلامية بـ"انتشار الكآبة والشكّ والانطواء على الذات في بلدها". وترى أنّ اليسار، بعد عودة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي للسياسة، "ليس له الحق في أن ينهزم". وتصرّ على أنّ "النقاش السياسي ليس هو المرادف للهشاشة". وتضيف: "نحن، في اليسار، نعشق النقاش حين نكون في المعارضة، وننساه حين نكون في السلطة".

ترفض أوبري أن تصدر حكماً على سنتين من حكم هولاند ولا عن الحصيلة، إذ أنّ الوقت ليس مناسباً. هنا تطالب بقوة بـ"إعادة توجيه السياسة الاقتصاديّة"، وهي رسالة اعتراض قويّة على توجّهات هولاند ورئيس الوزراء مانويل فالس الليبرالية. وتكشف أوبري عن ملامحها من خلال "تركيز مساعدات الدولة للمقاولات المُعرَّضَة للمنافسة الدولية وتلك التي تستثمر وتُشغّل عُمّالاً (...)، وهكذا يتمّ تحرير 20 ملياراً من بين 41 ملياراً، وعدت الدولة بصرفها على المقاولات"، على أن يتمّ صرف المبلغ "وفق خطة لدعم النموّ، تستفيد منها الأسر الضعيفة والجماعات المحليّة".

لا تخفي كذلك تعاطفها مع الكثير من أفكار "متمردي" حزبها، وتقول إنّها "تتقاسم مقترحاتهم في وجوب تغيير السياسة الاقتصاديّة"، وتبدي أسفها لأنّ البرلمان لم يناقش أفكارهم. تعترف أنّ الحكومة ترتكب خطأ بعدم الإنصات إليهم: "بسبب تغييب النقاش في الماضي، دفعنا الثمن في كثير من الأحيان. لقد حان الوقت لاستعادة الطريق القويم، فلنتناقش. ثم ألا نتوقف عن وصف هؤلاء النواب بـ"المتمردين". إنهم نوابٌ يعرفون الاقتصاد، ويأملون في نجاح حكومتهم ويحملون رؤية عن الجمهورية الخامسة التي يُحترم فيها البرلمان، بشكل كامل، في امتيازاته القانونية".

لا تخفي أوبري أنّها من أنصار "حركة اجتماعية ــ ديمقراطية جديدة"، تعترف بالسوق لكنّها تريد دولة تمتلك استراتيجيةً لتوجيهها وضبطها. وردّاً على الصورة اللاشعبيّة التي توجد فيها الحكومة الفرنسية الحالية، تقترح مارتين أوبري أن "نتوجّه، بشكل حاسم، نحو المستقبل، حيث يتوجب علينا أن نستثمر لإيجاد حلّ لتحديات عصرنا الثلاثة: الثورة الرقميّة والتغيّر المناخي والشروخات بين الأقاليم والمناطق".

لا شيء يكشف بصفة جازمة سبب خروج مارتين أوبري من صمتها، حتى وإن كانت الصعوبات التي يعرفها الطاقم الحكومي، والتي تعبّر عنها متاعب الفرنسيين الاقتصادية اليومية وجشع رجال الأعمال ورؤساء المقاولات الكبرى، لا تعرف بعد ضوءاً في آخر النفق، على الرغم من عشق فالس الصريح للمال وأهله، والاستنجاد برئيس الحكومة البريطانيّة ديفيد كامرون والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، تفسّر جزءاً من الأمر.
فهل ستشكل مارتين أوبري خشبة خلاص الرئيس فرانسوا هولاند؟ الخشبة الوحيدة المتبقية، لديه، ولدى حزبه اليساري قبل زلزال 2017؟!

المساهمون