في عام 1991 وافقت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام ضمن وفد فلسطيني أردني مشترك، جاء ذلك بناء على رسالة التطمينات من جانب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي آنذاك، والتي أكدت على ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وفقاً لقراري مجلس الأمن 242، 338، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
جاء مؤتمر مدريد في ظروف دولية وعربية لم تكن في صالح القضية الفلسطينية، إذ سبقته بأشهر قليلة حرب الخليج الثانية وتشكيل تحالف دولي ضد العراق شاركت فيه دول عربية، ولاحقاً تشكيل ما سمي بدول إعلان دمشق الموجه ضد نظام صدام حسين في العراق (دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر وسورية)، الأمر الذي أسهم على نحو خطير في تصدع العلاقات العربية – العربية. وكذلك تزامن مع بدء انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين واختفاء المنظومة الشرقية التي كانت تشكل قطباً دولياً في وجه الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، الأمر الذي تأسس عليه نشوء نظام دولي أحادي القطبية تهيمن عليه الإدارة الأميركية الحليف العضوي لإسرائيل.
في بداية عام 1992، انبثقت عن مؤتمر مدريد مفاوضات سلام إقليمية متعددة الأطراف بموجبها تم توزيع مجموعات عمل لمناقشة موضوعات مركزية هي (البيئة، ومراقبة التسلح، والأمن الإقليمي، واللاجئون، والمياه، والتنمية الاقتصادية)، لم تنجز أي من اللجان أعمالها بسبب تعنت الموقف الإسرائيلي الرافض لأي دور فلسطيني مباشر في هذه المفاوضات.
في الثالث عشر من سبتمبر /أيلول عام 1993، وبعد مفاوضات سرية جرت في العاصمة النرويجية أوسلو تم التوصل في واشنطن إلى اتفاق إعلان مبادئ بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تضمن نصوصاً حول تشكيل سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، بما لا يتعدى السنة الثالثة من الفترة للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري مجلس الأمن الدولي 242، 338، وهما القراران الداعيان لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. كذلك نص الاتفاق على التفاوض على قضايا جوهرية مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود.
نتيجة مماطلة ومراوغة إسرائيل في تفسير وتنفيذ اتفاق إعلان المبادئ، جرى لاحقا التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، إذ تم التوقيع في الرابع من مايو/أيار عام 1994 على اتفاق غزة أريحا، والذي يقضي بأن تنسحب إسرائيل من قطاع غزة ومنطقة أريحا، وتحدد الولاية القانونية للسلطة الفلسطينية، ويقضي بأن على إسرائيل فتح ممر آمن للفلسطينيين للسفر بين قطاع غزة ومنطقة أريحا، كذلك بأن على إسرائيل نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، وتشترط أن يكون للفلسطينيين الحق في صيد السمك ضمن مسافة 20 ميلاً بحرياً من ساحل غزة، وبموجبه توافق إسرائيل على انتشار وجود دولي مؤقت في قطاع غزة ومنطقة أريحا، وبأن تطلق إسرائيل سراح خمسة آلاف أسير فلسطيني في غضون خمسة أسابيع.
في 28 سبتمبر/أيلول عام 1995 تم التوصل إلى الاتفاقية الفلسطينية – الإسرائيلية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تضمنت انسحاب إسرائيل أولاً من معظم المراكز المأهولة وأن تحافظ السلطة الفلسطينية على سيطرتها على هذه المناطق، وتقسم المناطق الفلسطينية المحتلة إلى ثلاث "مناطق" رئيسية أ، ب، ج. ويشترط أن لا تتخذ إسرائيل أي إجراء يغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوافق إسرائيل على إطلاق سراح السجناء السياسيين الفلسطينيين والعرب.
في السابع عشر من يناير/كانون الثاني عام 1997، جرى توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل، وفي تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 1998، وبسبب عدم إيفاء إسرائيل بالتزاماتها القاضية بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية وفقا للاتفاق الانتقالي، تم التوقيع على مذكرة واي ريفر والتي تنص على الانسحاب الإسرائيلي على ثلاث مراحل، بحيث تشمل المرحلتان الأوليتان الانسحاب من 13% من المنطقة "ج" ونقل 14,2% من المنطقة "ب" إلى المنطقة "أ"، وتضع جدولا زمنياً لاستكمال الالتزامات الرئيسية بموجب الاتفاقية، وتؤكد وقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي 4 سبتمبر/أيلول عام 1999 تم التوقيع على مذكرة شرم الشيخ وذلك بعد رفض إسرائيل بدء مفاوضات الوضع النهائي والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وفتح الممر الآمن للفلسطينيين للسفر بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تشترط المذكرة بدء المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية إطار في غضون خمسة أشهر واتفاقية نهائية في غضون سنة، وتنص على أن مفاوضات الوضع الدائم ستستأنف في موعد لا يتجاوز 13 سبتمبر/أيلول 1999 وتعيد التأكيد على أن إسرائيل ستلتزم بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في 11 يوليو/تموز عام 2000، عقدت مفاوضات مباشرة في كامب ديفيد بين وفد منظمة التحرير بقيادة الرئيس ياسر عرفات ووفد حكومة إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء أيهود باراك برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكعادتها لم تكن حكومة إسرائيل مستعدة للالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة وبالمرجعيات الدولية كآلية متفق عليها لحل الصراع، وتم إفشال المفاوضات بسبب تعنت إسرائيل ومماطلتها في تنفيذ الاتفاقيات وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.
لم تكن حكومات إسرائيل المتعاقبة يوماً ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة، ولم تكن يوما ملتزمة بالقرارات والمعاهدات الدولية، كان واضحا أن إسرائيل تمارس سياسة المراوغة والمماطلة والتسويف، تتغنى بالسلام المخادع وفي المقابل تطلق العنان لجيشها ومستوطنيها للتنكيل بالشعب الفلسطيني وارتكاب مجازر في اعتداءات وحروب متكررة كان ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وسرقة ومصادرة أراضيه. فعلت حكومات إسرائيل المتعاقبة كل ما بوسعها لإفشال عملية السلام وتدميرها، سواء من خلال بناء وتوسيع المستوطنات، أو من خلال تهويد القدس وسرقة المياه والسيطرة على منطقة الأغوار، وبناء جدار فصل عنصري ينهب أجزاء كبيرة من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، واعتقال آلاف الأسرى الذين مضى على الكثير منهم عقود طويلة في سجون الاحتلال، ولم تدّخر حكومات إسرائيل جهداً في القضاء على مبدأ الوحدة الجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وسعت إلى ترسيخ الانفصال جغرافيا وسياسيا بين أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة.
لاحقاً أفشلت إسرائيل مبادرة السلام العربية التي أعلنها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، وأفشلت تنفيذ خطة خارطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية عام 2003، وأفشلت تنفيذ توصيات لجنة ميتشل الداعية إلى وقف فوري للأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وأفشلت توصيات محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري، وأفشلت تنفيذ توصيات مؤتمر أنابوليس، وأفشلت جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري وغيرها من الجهود الدولية، وأخيرا أفشلت مؤتمر باريس الذي عقد في العاصمة الفرنسية قبل أشهر قليلة.
يبدو جلياً أن مفهوم إسرائيل للسلام مع الفلسطينيين مغلف بمفاهيم القوة وفرض سياسة الأمر الواقع، وينحصر في البعد الأمني، ويبدو جليا أيضاً أن حكومات إسرائيل المتعاقبة تستغل عملية السلام من أجل تمرير مخططاتها الاستعمارية التي تنطلق من هرطقات دينية وتاريخية تتنافى كليا مع حقائق التاريخ، وتسعى إلى فرض نموذج سلام إقليمي تتمكن من خلاله من تطبيع علاقاتها مع الدول العربية متنكرة للحقوق الفلسطينية الأصيلة والمكفولة في المواثيق والشرائع والقوانين والقرارات الدولية والتي على رأسها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
(مستشار للرئيس الفلسطيني)
اقــرأ أيضاً
جاء مؤتمر مدريد في ظروف دولية وعربية لم تكن في صالح القضية الفلسطينية، إذ سبقته بأشهر قليلة حرب الخليج الثانية وتشكيل تحالف دولي ضد العراق شاركت فيه دول عربية، ولاحقاً تشكيل ما سمي بدول إعلان دمشق الموجه ضد نظام صدام حسين في العراق (دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر وسورية)، الأمر الذي أسهم على نحو خطير في تصدع العلاقات العربية – العربية. وكذلك تزامن مع بدء انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين واختفاء المنظومة الشرقية التي كانت تشكل قطباً دولياً في وجه الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، الأمر الذي تأسس عليه نشوء نظام دولي أحادي القطبية تهيمن عليه الإدارة الأميركية الحليف العضوي لإسرائيل.
في الثالث عشر من سبتمبر /أيلول عام 1993، وبعد مفاوضات سرية جرت في العاصمة النرويجية أوسلو تم التوصل في واشنطن إلى اتفاق إعلان مبادئ بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تضمن نصوصاً حول تشكيل سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، بما لا يتعدى السنة الثالثة من الفترة للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري مجلس الأمن الدولي 242، 338، وهما القراران الداعيان لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. كذلك نص الاتفاق على التفاوض على قضايا جوهرية مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود.
نتيجة مماطلة ومراوغة إسرائيل في تفسير وتنفيذ اتفاق إعلان المبادئ، جرى لاحقا التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، إذ تم التوقيع في الرابع من مايو/أيار عام 1994 على اتفاق غزة أريحا، والذي يقضي بأن تنسحب إسرائيل من قطاع غزة ومنطقة أريحا، وتحدد الولاية القانونية للسلطة الفلسطينية، ويقضي بأن على إسرائيل فتح ممر آمن للفلسطينيين للسفر بين قطاع غزة ومنطقة أريحا، كذلك بأن على إسرائيل نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، وتشترط أن يكون للفلسطينيين الحق في صيد السمك ضمن مسافة 20 ميلاً بحرياً من ساحل غزة، وبموجبه توافق إسرائيل على انتشار وجود دولي مؤقت في قطاع غزة ومنطقة أريحا، وبأن تطلق إسرائيل سراح خمسة آلاف أسير فلسطيني في غضون خمسة أسابيع.
في 28 سبتمبر/أيلول عام 1995 تم التوصل إلى الاتفاقية الفلسطينية – الإسرائيلية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تضمنت انسحاب إسرائيل أولاً من معظم المراكز المأهولة وأن تحافظ السلطة الفلسطينية على سيطرتها على هذه المناطق، وتقسم المناطق الفلسطينية المحتلة إلى ثلاث "مناطق" رئيسية أ، ب، ج. ويشترط أن لا تتخذ إسرائيل أي إجراء يغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوافق إسرائيل على إطلاق سراح السجناء السياسيين الفلسطينيين والعرب.
وفي 4 سبتمبر/أيلول عام 1999 تم التوقيع على مذكرة شرم الشيخ وذلك بعد رفض إسرائيل بدء مفاوضات الوضع النهائي والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وفتح الممر الآمن للفلسطينيين للسفر بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تشترط المذكرة بدء المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية إطار في غضون خمسة أشهر واتفاقية نهائية في غضون سنة، وتنص على أن مفاوضات الوضع الدائم ستستأنف في موعد لا يتجاوز 13 سبتمبر/أيلول 1999 وتعيد التأكيد على أن إسرائيل ستلتزم بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في 11 يوليو/تموز عام 2000، عقدت مفاوضات مباشرة في كامب ديفيد بين وفد منظمة التحرير بقيادة الرئيس ياسر عرفات ووفد حكومة إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء أيهود باراك برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكعادتها لم تكن حكومة إسرائيل مستعدة للالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة وبالمرجعيات الدولية كآلية متفق عليها لحل الصراع، وتم إفشال المفاوضات بسبب تعنت إسرائيل ومماطلتها في تنفيذ الاتفاقيات وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.
لاحقاً أفشلت إسرائيل مبادرة السلام العربية التي أعلنها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، وأفشلت تنفيذ خطة خارطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية عام 2003، وأفشلت تنفيذ توصيات لجنة ميتشل الداعية إلى وقف فوري للأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وأفشلت توصيات محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري، وأفشلت تنفيذ توصيات مؤتمر أنابوليس، وأفشلت جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري وغيرها من الجهود الدولية، وأخيرا أفشلت مؤتمر باريس الذي عقد في العاصمة الفرنسية قبل أشهر قليلة.
يبدو جلياً أن مفهوم إسرائيل للسلام مع الفلسطينيين مغلف بمفاهيم القوة وفرض سياسة الأمر الواقع، وينحصر في البعد الأمني، ويبدو جليا أيضاً أن حكومات إسرائيل المتعاقبة تستغل عملية السلام من أجل تمرير مخططاتها الاستعمارية التي تنطلق من هرطقات دينية وتاريخية تتنافى كليا مع حقائق التاريخ، وتسعى إلى فرض نموذج سلام إقليمي تتمكن من خلاله من تطبيع علاقاتها مع الدول العربية متنكرة للحقوق الفلسطينية الأصيلة والمكفولة في المواثيق والشرائع والقوانين والقرارات الدولية والتي على رأسها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
(مستشار للرئيس الفلسطيني)