ماذا يريد "ولاية سيناء" في مصر؟

18 يوليو 2015
باتت أولوية "ولاية سيناء" مواجهة الداخل (الأناضول)
+ الخط -
تسعى الجماعات "الجهادية" في العالم إلى إقامة "الخلافة" أو "الدولة الإسلامية" وتطبيق الشريعة، وفق ما حملته كتب وأدبيات تلك الجماعات، التي وُلدت عبر منظّري تيار السلفية الجهادية. ومنذ عقود ماضية، تحاول تلك الجماعات محاربة الأنظمة القائمة، تحديداً في البلدان التي تكون الغالبية الديمغرافية فيها للمسلمين. ولا يُمكن هنا إغفال الحالة الجهادية المصرية التي كانت سبّاقة في هذا الصدد، ولا يمكن استثناء تنظيم "ولاية سيناء" من هذه الحالة.

بعد عمليات أمنية عدة، بات الهدف الاستراتيجي الذي يعمل "ولاية سيناء" وفقاً له، هو إقامة نظام "الخلافة الإسلامية"، تحديداً بعد مبايعته تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومحاولة السيطرة على سيناء، وإعلان عزمه على "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، والتخلّص من الطواغيت (أي الحكام والأنظمة التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية)".

ولا يُعدّ وجود "ولاية سيناء" جديداً في مصر، فقد ظهرت الجماعات والتنظيمات الجهادية في البلاد خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وحاولت تغيير الوضع القائم بقوة السلاح، ظنّاً منها أن "التغيير السلمي لن يُجدي نفعاً، وأن الديمقراطية كفرٌ لا يجب التعاطي معه". ونشبت الخلافات بعدها بين الجماعات الجهادية حول أولوية المواجهة، وما إذا كان "العدو القريب"، المتمثل في الأنظمة والحكومات القائمة، أو "العدو البعيد"، المتمثل في النظام الدولي. وأمام هذه الخلافات، كان خيار "الحالة الجهادية المصرية" التوجّه إلى خيار "العدو البعيد"، وساهمت في تأسيس تنظيم "القاعدة"، مع أسامة بن لادن، و"الجماعة الإسلامية"، التي عادت وانسحبت في العام 1998. وبموازاة ذلك، تمّ الزجّ بآلاف المعتقلين من التيار الإسلامي في السجون، ما ساهم في تكوين روابط وعلاقات قوية بين المعتقلين.

تغيّرت المعطيات في الفترة الحالية، واختارت "الحالة الجهادية" مواجهة العدو القريب، أي الحكومات والأنظمة القائمة، وخصوصاً أن بعض البلدان شهدت مواجهات دامية، على خلفية رفض تلك الأنظمة ثورات الشعوب العربية، بما يُعرف بـ"الربيع العربي".

وأدت أولوية مواجهة "العدو القريب" إلى إعادة إحياء جماعة "التوحيد والجهاد"، التي توّرطت في تفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ، في منتصف العقد الماضي. وانتقلت بعض قيادات وكوادر الجماعة إلى تأسيس تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي عاد وبرز بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

اقرأ أيضاً: عودة "الطيور المهاجرة" لـ"ولاية سيناء" تعزّز قوته

وعقب الثورة، استهدف ملثمون تابعون لـ"أنصار بيت المقدس"، خطوط الغاز الطبيعي المتجهة إلى الكيان الصهيوني، وأخرى إلى الأردن. كما عمل على استهداف إسرائيل، بصواريخ "107" أو "غراد" خلال الحرب على قطاع غزة، بالإضافة إلى تخطيطه وتجهيزه لعمليات نوعية على الحدود بين سيناء والأراضي المحتلة.

ونجح التنظيم في استهداف دوريات أمنية إسرائيلية على الحدود، منها عملية "غزوة التأديب لمن تطاول على الحبيب"، و"عملية أم الرشراش"، التي استهدف فيها فرقة من النخبة بالجيش الإسرائيلي. ولم يستهدف "أنصار بيت المقدس" الجيش والشرطة، قبل الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي.

كما تدخل للإفراج عن بعض الجنود المختطفين، للمقايضة مع أحد المعتقلين ويدعى حمادة أبو شيتة، من دون زخم إعلامي حول الوساطة التي قام بها التنظيم لدى الجهة التي خطفت الجنود. ولكنْ ثمة تحولاً ملحوظاً في استراتيجية الجماعة، وتحديداً منذ مذبحة فض اعتصامي أنصار مرسي، في رابعة العدوية والنهضة، إذ أدى سقوط ضحايا في عمليتي الفضّ إلى إعلان التنظيم أنه "سيعمل للذود عن دماء وأعراض المسلمين".

وأطلق حملة "غزوة الثأر لمسلمي مصر"، رغم الخلاف الجذري العقائدي مع جماعة "الإخوان المسلمين"، الذي وصل إلى حدّ تكفيرهم. وحفلت الحملة بعمليات نوعية قوية استهدفت مناطق عسكرية وشرطية حساسة، منها مديريات أمن ومقار للاستخبارات العامة والحربية في محافظات عدة.

وكانت للتنظيم عملية استهدف فيها وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، على يد أحد الضباط السابقين بالجيش المصري، وهزّت العمليات الكبيرة الأجهزة الأمنية التي لم تعرف من يقف وراء "أنصار بيت المقدس"، وكيف يتحرك في الداخل المصري بهذه الحرية. ولم يتوقف التنظيم عن التلميح لانتقاد موقف جماعة "الإخوان المسلمين" من عمليات القتل ضد أنصارها.

وبعد توالي العمليات التي استهدفت قوات الجيش والشرطة في سيناء، عقب عزل مرسي، تطوّر عمل "أنصار بيت المقدس"، إلى درجة اعلان وزير الدفاع، رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي، في العام 2013، بدء عملية عسكرية كبيرة غير محددة المدة، للقضاء على ما سمّاه "الإرهاب في سيناء". وشهدت العمليات قوة شديدة بين الطرفين، نفّذت خلالها الجماعة عمليات حصدت خسائر كبيرة في الأرواح من قبل الجيش والشرطة، فضلاً عن الخسائر المادية.

وانحصرت عمليات الجماعة خارج سيناء مع تزايد الضغوط عليها في عقر دارها بالحملة العسكرية التي تمّ الدفع فيها بعدد كبير من القوات، بعد التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، بشأن معاهدة السلام، نظراً لأنه غير مسموح تواجد قوات مصرية في مناطق معينة في سيناء. وفي أواخر العام الماضي، وتحديداً في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، بايع "أنصار بيت المقدس" تنظيم "داعش"، معدّلاً اسمه إلى "ولاية سيناء". ومنذ هذه اللحظة، تطورت قدرات التنظيم بشكل ملحوظ، سواء في عدد المقاتلين في صفوفه، أو الأسلحة المستخدمة، أو الخبراء في صناعة المتفجرات، أو كمية المواد في السيارة المفخخة، فضلاً عن امتلاكه الأسلحة المتطورة ومنها صواريخ "كورنيت" الحرارية، القادرة على اختراق المدرّعات.

ولم يتوقف التنظيم منذ إعلان المبايعة عن القيام بعملية أو اثنتين بشكل شبه يومي، تستهدف أرتالاً عسكرية أو قنص ضباط وجنود، أو تستهدف المتعاونين مع الجيش والشرطة، أو مهاجمة كمائن وأقسام شرطة، فضلاً عن استهداف معسكرات للجيش والأمن المركزي بالهاون والمفخخات. وكبّد التنظيم الجيش المصري خسائر فادحة في الأرواح، خصوصاً بفعل اعتماده على المواجهات المباشرة في الفترة الأخيرة، لا على المهاجمة والمغادرة بشكل سريع لموقع الاشتباكات.

اقرأ أيضاً: تفجير القنصلية الإيطالية.. تنظيم الدولة خارج سيناء

المساهمون