ماذا لو؟

08 أكتوبر 2014
هل كان ليصبح عبقرياً بدوره؟ (فرانس برس)
+ الخط -

كان حسين منتشياً بهواء الخريف الذي يلفح وجنتَيه ويدغدغ عنقه الغضّة ويضحك. غداً العيد. سيرتدي ثيابه الجديدة، ويجمع العيديات، ويتناول ما يشتهيه من المعمول من دون أن تؤنّبه والدته...
ينقطع حبل أفكاره. تختفي قهقهته. فرأسه الذي أخرجه من نافذة السيارة، اصطدم بتلك الشاحنة المتوقّفة على جانب الطريق. ويقضي ابن السنوات الخمس.. على الفور. هذا ما أكدته التقارير الطبيّة.
وقع ذلك في جنوب لبنان، قبل أيام، عشيّة عيد الأضحى. وفي يوم العيد، وورِي حسين قزيحة في ثرى بلدته البيساريّة.
في تلك الأثناء، كان محمد المير يُمسك بيدٍ ميداليّته الذهبيّة التي وُضعت حول عنقه الغضّة ويحمل باليد الثانية شهادة بلقبه الجديد، ويبتسم للكاميرا.
يشعر بفخر كبير. لا يعرف كيف يعبّر عنه، بسنواته العشر. ويخجل. وتلتقط الكاميرا خجله الذي يحاول إخفاءه خلف نظارتَيه.
هو فاز بلقب "العبقري الأول في العالم" لفئة الأطفال دون الثانية عشرة، في مسابقة بطولة العالم للحساب الذهنيّ، منافساً مشاركين من أربعين دولة حول العالم.
حدث ذلك في غرب ألمانيا، تحديداً في مدينة بيلفلد، في أول أيام عيد الأضحى.
ومحمد من مدينة طرابلس، شمال لبنان. هو مثّل مدرسته في المسابقة العالميّة. لكنه سافر إلى ألمانيا على نفقة أهله الخاصة وبجواز سفره الكنديّ وليس اللبناني.
لكن.. ماذا لو لم تتمكّن العائلة من دفع ثمن التذكرة والإقامة؟ ماذا لو لم يكن يملك جواز سفر أجنبيّاً يسهّل له الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا؟ هل كنا شهدنا صعود عبقريّ صغير من بلادنا؟
ماذا لو وقع الصغير -لا سمح الله- ضحيّة رصاصة طائشة أو أخرى عن سابق إصرار وترصّد، أطلقها قنّاص من أحد محورَي القتال خلال الاضطرابات الأمنيّة التي شهدتها مدينته في العامَين المنصرمَين؟ ماذا لو لقِيَ مصير جنى كمال الدين التي تُحيي عائلتها بعد 13 يوماً ذكرى مرور عامَين على سقوطها؟ في أكتوبر/تشرين الأول 2012، كانت جنى في التاسعة من عمرها.
محمد تسلّم ميداليته الذهبيّة وعاد فجر أمس إلى لبنان، وسط فرحة أهله وفخرهم. أما حسين فقد كُفّن ووُضع في مثواه الأخير قبل أقل من أسبوع، وسط حرقة أهله وفجيعتهم.
ماذا لو كان حسين يعيش في بلد غير لبنان -كندا على سبيل المثال مسقط رأس محمد- حيث يُمنع الأطفال في مثل سنّه من ركوب السيارة من دون كرسيّ خاص بهم؟ وحيث بالتأكيد لا يُخرجون رؤوسهم من نوافذ السيارة، ولو "فحّشوا" بالبكاء؟ هل كان ليعيش أكثر؟
ماذا لو قُدّر له أن يعيش أكثر؟ هل كان ليصبح عبقرياً بدوره؟
المساهمون