02 نوفمبر 2024
ماذا فعل آباؤك المؤسسون يا نتنياهو؟
أثارت التصريحات التافهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حفيظة صهاينة كثيرين، إذ شعروا أنها تذهب بعيداً في المخاتلة، وتهدد سردية واقعة المحرقة النازية التي يتكئ عليها الصهاينة، لتبرير الاستيلاء على فلسطين، وخصوصاً في ما انطوى عليه خطابه الأجوف من تبرئة لهتلر.
زعم نتنياهو أمام المؤتمر الصهيوني المنعقد في القدس، الثلاثاء الماضي، أن هتلر لم يكن ينوي إحراق يهود، بل طردهم، وأن الحاج أمين الحسيني (رئيس الهيئة العربية العليا) هو من أقنعه بإحراقهم. استهول زعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هرتسوغ، هذا الكذب، وقال، في نبرة تتسم بالسخرية ".. حتى ابن المؤرخ، ينبغي أن يتوخى الدقة التاريخية"، في إشارة إلى بن تسيون، والد نتنياهو، مؤرخ الصهيونية الذي أمضى شطراً كبيراً من حياته في الولايات المتحدة، وتوفي قبل ثلاث سنوات. أما كبيرة المؤرخين في مركز ياد فاشيم، دينا بورات، فقد أخذت على نتنياهو "عدم الاتسام بالدقة". وقالت "لم يكن المفتي هو من من أوحى لهتلر بإبادة اليهود، فالفكرة تسبق لقاء الحسيني بهتلر في نوفمبر/تشرين ثاني 1941 بعامين، وعبر عنها هتلر في خطاب له"، كما أن أقرب المقربين إليه، وزير الحرب، موشي يعالون، خطّأه علناً.
يعرف نتنياهو، كغيره، أن الصهيونية انتقمت من شعب مسالم على أرض فلسطين بارتكابها هولوكست وجوديا ضده، يضاهي من زاوية الاستئصال الكياني محرقة هتلر. وما زال الهولوكست الفلسطيني مستمراً. للالتفاف على ذلك، وفي فيض جديد لعنصريته، يجنح الرجل إلى تلفيق الوقائع، أملا منه بإدانة الضحايا، وهذا يماثل محاولة إدانة ضحايا المحرقة اليهود.
الآباء المؤسسون للصهيونية هم من تعهدوا إبادة الفلسطينيين، وأبناؤهم وأحفادهم من تولوا هذه العملية، حلقة بعد حلقة. هم من عملوا على "حل نهائي" للوجود الفلسطيني، ومخيمات اللجوء الفلسطيني شاهد على ذلك، فيما هو شاهد إضافي على النزعة الاستئصالية لدى الصهاينة، آباءً وأبناء، وقد جرى في هذه النزعة تقمص شخصية هتلر وحزبه النازي، وإعادة إنتاجه في لبوس صهيوني. هذا على الرغم من صدور قرارات من الأمم المتحدة، لضمان عودتهم، وكانت الدولة الإسرائيلية لدى انضمامها إلى الأمم المتحدة قد تعهدت باحترام القرارات الدولية، علما أن قبول عضوية المنظمة مشروط بهذا الاحترام. وعلماً أن الدولة الصهيونية هي الدولة الوحيدة التي تمنع لاجئين من العودة إلى وطنهم، فكل الحروب والصراعات في التاريخ كانت تنتهي بعودة المشردين إلى ديارهم، لكن السائرين على طريق هتلر، من آباء نتنياهو ونظرائه، لا يقبلون سوى بـ "حل نهائي"، لا مكان فيه للفلسطينيين على أرضهم، تماما كما هي نظرية هتلر، أن لا مكان في أوروبا لليهود الأوروبيين.
كان هتلر الذي عمد نتنياهو لتبرئته موضع إدانة متجددة في وطنه عقب التصريحات التافهة
لزعيم الليكود، فقد عقبت الحكومة الألمانية على الفور بقولها إن الألمان، وليس أحد آخر هم المسؤولون عن المحرقة، (على الرغم من أن المسؤولية المباشرة والفعلية تقع على الفوهرر وحزبه النازي). وبذلك، يعطي الألمان اليوم درساً لعنصري سفيه، حين يتحملون طواعية وزر أشخاص في الحزب النازي، ينتمون إلى هذا البلد. أما العنصري، فلا يجد شيئاً في التاريخ الأسود للصهيونية على أرض فلسطين يستحق الاعتراف به، أو الاعتذار عنه، أو تصحيحه. وهذا هو الفرق بين من ينتمون لعصرنا وقيمه الكونية التي يمثلها، على الخصوص، ميثاق الأمم المتحدة والمدعو بنيامين نتنياهو الذي ينتمي لأسوأ ما في التاريخ البشري من تبجّحات وغطرسة استعمارية، ومن استسهال لوم الضحايا والاستخفاف بعقول الآخرين.
في خطاب الأكاذيب الكبرى الذي ألقاه، قال نتنياهو إنه لم يكن في العام 1941 ما يسمى الاحتلال ولا مستوطنات. في واقع الأمر، كانت هناك مستوطنات على أرض فلسطين، وكانت هناك عصابات صهيونية منظمة، تنشط تحت أعين الانتداب البريطاني، وبالتواطؤ معه، تمهيداً للاستيلاء على فلسطين واحتلالها. وكان النشاط الصهيوني، في جملته، يتمحور حول الاستيطان والتسلح، وما زال هذا النشاط يتسم بهاتين السمتين الرئيستين، إضافة إلى الأنشطة الأخرى التي تقوم بها كحال الدول الأخرى. ونتنياهو نفسه سليل عائلة مستوطنين، قدموا من وراء البحار (من بولندا)، بعد أن تخلوا عن بلدهم، لينتزعوا بلداً آخر من شعبه، ويستولون عليه. وقد أطلقوا على هذا الاستيلاء، بعد اكتمال أركانه صفة الاستقلال، في واحدة من أكبر عمليات التزوير السياسي في التاريخ. وبينما حاولوا استلهام التاريخ الأميركي، في استيطان جماعات إنغلوساكسونية على أميركا الشمالية، فإن هؤلاء المستوطنين لم يجرؤوا على قذف أبناء البلاد الأصليين خارج الحدود، وإن كانوا قد استولوا على المساحات الأكبر من أراضيهم، بينما الصهيونية المشبعة بالروح العنصرية الاستئصالية فعلت ذلك بحق الفلسطينيين، وما زالت تغلق أمامهم طرق العودة، بزعم الخوف من تغيير طابع الدولة الصهيونية، وكأن واجب الفلسطينيين أن يضمنوا طابع دولة المستوطنين الغزاة، علماً أن الفلسطينيين، في حال عودتهم الواجبة، هم من سيتعرضون لواقع شائك، ولامتحان قاسٍ لهويتهم الوطنية، حين يعودون إلى أرض أقام آخرون دولة عليها، ويفرضون فيها قوانينهم.
وفي نوبة شجاعةٍ، وصف الرئيس محمود عباس اتهامات نتنياهو بأنها "طريقة دنيئة وحقيرة لتغيير تاريخ اليهود"، وكان من الأفضل والأصوب لو استكمل الرئيس الفلسطيني عبارته الساخطة والمحقة بإضافة التاريخ الفلسطيني للعبارة، التاريخ الذي يُفترض أن يكون معنياً هو به، قبل الاهتمام بتاريخ اليهود وبأكثر منه.
مع ذلك، من المفيد الالتفات إلى النزعة الهجومية التي يتحلى بها أبناء الصهاينة، مثل المدعو بيبي. فعلى الرغم من كل ما حققوه، وعلى الرغم من انتفاخ دولتهم بالتكنولوجيا والسلاح وبثمرات العلوم وفائض الصناعات المتطورة، فإنهم لم يتخلوا عن هذه النزعة التعبوية، وكأن دولتهم في خطر من الفلسطينيين العُزّل، بينما ما زال بعض قادتنا يردد مصطلح "عملية السلام"، وكأنه تعويذة ستطرد الشياطين، ما أن يتم التفوّه بها، على الرغم من أن تجربة استخدام هذا المصطلح آلاف المرات على مدى أطول من عشرين عاماً لم تؤد إلى شيء، سوى إلى مضاعفة النشاط الاستيطاني واشتداد السلوك العدواني، وازدهار العنصرية قيمة قومية لدى المجتمع الصهيوني.
زعم نتنياهو أمام المؤتمر الصهيوني المنعقد في القدس، الثلاثاء الماضي، أن هتلر لم يكن ينوي إحراق يهود، بل طردهم، وأن الحاج أمين الحسيني (رئيس الهيئة العربية العليا) هو من أقنعه بإحراقهم. استهول زعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هرتسوغ، هذا الكذب، وقال، في نبرة تتسم بالسخرية ".. حتى ابن المؤرخ، ينبغي أن يتوخى الدقة التاريخية"، في إشارة إلى بن تسيون، والد نتنياهو، مؤرخ الصهيونية الذي أمضى شطراً كبيراً من حياته في الولايات المتحدة، وتوفي قبل ثلاث سنوات. أما كبيرة المؤرخين في مركز ياد فاشيم، دينا بورات، فقد أخذت على نتنياهو "عدم الاتسام بالدقة". وقالت "لم يكن المفتي هو من من أوحى لهتلر بإبادة اليهود، فالفكرة تسبق لقاء الحسيني بهتلر في نوفمبر/تشرين ثاني 1941 بعامين، وعبر عنها هتلر في خطاب له"، كما أن أقرب المقربين إليه، وزير الحرب، موشي يعالون، خطّأه علناً.
يعرف نتنياهو، كغيره، أن الصهيونية انتقمت من شعب مسالم على أرض فلسطين بارتكابها هولوكست وجوديا ضده، يضاهي من زاوية الاستئصال الكياني محرقة هتلر. وما زال الهولوكست الفلسطيني مستمراً. للالتفاف على ذلك، وفي فيض جديد لعنصريته، يجنح الرجل إلى تلفيق الوقائع، أملا منه بإدانة الضحايا، وهذا يماثل محاولة إدانة ضحايا المحرقة اليهود.
الآباء المؤسسون للصهيونية هم من تعهدوا إبادة الفلسطينيين، وأبناؤهم وأحفادهم من تولوا هذه العملية، حلقة بعد حلقة. هم من عملوا على "حل نهائي" للوجود الفلسطيني، ومخيمات اللجوء الفلسطيني شاهد على ذلك، فيما هو شاهد إضافي على النزعة الاستئصالية لدى الصهاينة، آباءً وأبناء، وقد جرى في هذه النزعة تقمص شخصية هتلر وحزبه النازي، وإعادة إنتاجه في لبوس صهيوني. هذا على الرغم من صدور قرارات من الأمم المتحدة، لضمان عودتهم، وكانت الدولة الإسرائيلية لدى انضمامها إلى الأمم المتحدة قد تعهدت باحترام القرارات الدولية، علما أن قبول عضوية المنظمة مشروط بهذا الاحترام. وعلماً أن الدولة الصهيونية هي الدولة الوحيدة التي تمنع لاجئين من العودة إلى وطنهم، فكل الحروب والصراعات في التاريخ كانت تنتهي بعودة المشردين إلى ديارهم، لكن السائرين على طريق هتلر، من آباء نتنياهو ونظرائه، لا يقبلون سوى بـ "حل نهائي"، لا مكان فيه للفلسطينيين على أرضهم، تماما كما هي نظرية هتلر، أن لا مكان في أوروبا لليهود الأوروبيين.
كان هتلر الذي عمد نتنياهو لتبرئته موضع إدانة متجددة في وطنه عقب التصريحات التافهة
في خطاب الأكاذيب الكبرى الذي ألقاه، قال نتنياهو إنه لم يكن في العام 1941 ما يسمى الاحتلال ولا مستوطنات. في واقع الأمر، كانت هناك مستوطنات على أرض فلسطين، وكانت هناك عصابات صهيونية منظمة، تنشط تحت أعين الانتداب البريطاني، وبالتواطؤ معه، تمهيداً للاستيلاء على فلسطين واحتلالها. وكان النشاط الصهيوني، في جملته، يتمحور حول الاستيطان والتسلح، وما زال هذا النشاط يتسم بهاتين السمتين الرئيستين، إضافة إلى الأنشطة الأخرى التي تقوم بها كحال الدول الأخرى. ونتنياهو نفسه سليل عائلة مستوطنين، قدموا من وراء البحار (من بولندا)، بعد أن تخلوا عن بلدهم، لينتزعوا بلداً آخر من شعبه، ويستولون عليه. وقد أطلقوا على هذا الاستيلاء، بعد اكتمال أركانه صفة الاستقلال، في واحدة من أكبر عمليات التزوير السياسي في التاريخ. وبينما حاولوا استلهام التاريخ الأميركي، في استيطان جماعات إنغلوساكسونية على أميركا الشمالية، فإن هؤلاء المستوطنين لم يجرؤوا على قذف أبناء البلاد الأصليين خارج الحدود، وإن كانوا قد استولوا على المساحات الأكبر من أراضيهم، بينما الصهيونية المشبعة بالروح العنصرية الاستئصالية فعلت ذلك بحق الفلسطينيين، وما زالت تغلق أمامهم طرق العودة، بزعم الخوف من تغيير طابع الدولة الصهيونية، وكأن واجب الفلسطينيين أن يضمنوا طابع دولة المستوطنين الغزاة، علماً أن الفلسطينيين، في حال عودتهم الواجبة، هم من سيتعرضون لواقع شائك، ولامتحان قاسٍ لهويتهم الوطنية، حين يعودون إلى أرض أقام آخرون دولة عليها، ويفرضون فيها قوانينهم.
وفي نوبة شجاعةٍ، وصف الرئيس محمود عباس اتهامات نتنياهو بأنها "طريقة دنيئة وحقيرة لتغيير تاريخ اليهود"، وكان من الأفضل والأصوب لو استكمل الرئيس الفلسطيني عبارته الساخطة والمحقة بإضافة التاريخ الفلسطيني للعبارة، التاريخ الذي يُفترض أن يكون معنياً هو به، قبل الاهتمام بتاريخ اليهود وبأكثر منه.
مع ذلك، من المفيد الالتفات إلى النزعة الهجومية التي يتحلى بها أبناء الصهاينة، مثل المدعو بيبي. فعلى الرغم من كل ما حققوه، وعلى الرغم من انتفاخ دولتهم بالتكنولوجيا والسلاح وبثمرات العلوم وفائض الصناعات المتطورة، فإنهم لم يتخلوا عن هذه النزعة التعبوية، وكأن دولتهم في خطر من الفلسطينيين العُزّل، بينما ما زال بعض قادتنا يردد مصطلح "عملية السلام"، وكأنه تعويذة ستطرد الشياطين، ما أن يتم التفوّه بها، على الرغم من أن تجربة استخدام هذا المصطلح آلاف المرات على مدى أطول من عشرين عاماً لم تؤد إلى شيء، سوى إلى مضاعفة النشاط الاستيطاني واشتداد السلوك العدواني، وازدهار العنصرية قيمة قومية لدى المجتمع الصهيوني.