ماذا عن الشباب المغضوب عليهم؟

09 نوفمبر 2017
+ الخط -
كانت في الأيام الماضية في مصر معركة حامية على الإنترنت والفضاء الإلكتروني، تحت شعار We Need To Talk)) إننا نريد أن نتحدث، وهو شعار ما يطلق عليه مؤتمر الشباب العالمي تحت شعار الحوار والسلام. وقد تحوّل الشعار (أو الهاشتاج) إلى معرض يوضح انتهاكات النظام الحاكم. واحتلت أسماء المعتقلين وقصصهم ذلك الهاشتاج، ما غطى على الخداع الحكومي. ومع الوقت، تحدثت عدة مقالات وفقرات حوارية في وسائل إعلام دولية مرموقة عن انقلاب السحر على الساحر في شعار "نريد أن نتحدث" #WeNeedToTalk. ومع اقتراب وقت انعقاد المؤتمر، أقامت مجموعات أخرى من الشباب المعارض للنظام الحالي مؤتمرا إلكترونيا موازيا تحت شعار #منتدي_شبابنا، أو صوت المغضوب عليهم، في محاولة لإظهار الصوت الآخر، ونقل صوت المعتقلين والمعارضين.
ففي مثل هذه الأيام من كل عام، يتكرر لقاء عبد الفتاح السيسي بمجموعة من الشباب في مؤتمر أنيق ومنظم في شكله العام، يتم إخراجه بصورةٍ توحي أن هؤلاء الشباب يناقشون الرئيس في القضايا المهمة، بل ويعارضونه أحيانا، لترويج فكرة أنه رئيسٌ يرعى الشباب، ويسمح بالنقاش والمعارضة.
كلام ونقاش منمّق، وسط ديكور رائع ومكلف يسرّ الناظرين، يقوم كل مشارك فيه بدوره
 المرسوم له ببراعة قد تخدع بعضهم. لكن الغالبية تعلم أن هؤلاء لا يمثلون شباب مصر، وتعي الجماهير جيدا أن الواقع بعيد جدا عن هذه المؤتمرات التي تمثل صوتا واحدا، وتعبر عن رؤية واحدة، هو صوت الرئيس ورؤيته. ولا يخفى على الجميع أن الشباب المشاركين، بهذه البدلات الأنيقة، هم شباب البرنامج الرئاسي وشباب الأحزاب الذين يتم اختيارهم بمعيار الولاء، للإيحاء بأن هناك أحزابا ومعارضة وممارسة ديمقراطية.
مؤتمر يحضره الشباب المختار بعناية، مما يطلق عليه البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، بالإضافة إلى شباب الأحزاب الكرتونية التي تؤيد كل ما يحدث من تخبط وكوارث. المعيار الرئيسي لاختيار هؤلاء الشباب هو كمّ النفاق والتطبيل والتأييد، يتحدّثون عن المعجزات الكبيرة التي حققها السيسي في التعليم والصحة والتوظيف والإسكان والعدالة الاجتماعية والأمن والنظافة والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان. سيتحدثون عن النجاحات المزعومة والمشروعات القومية التي لا يراها أحد غيرهم، وسينكرون وجود أي إخفاقاتٍ، أو سوء إدارة، أو ظلم وغياب للعدالة، ولن يتحدّث أحد عن الفساد والفشل والكوارث في التعليم والصحة والإسكان والأمن والعدالة الاجتماعية، وفي جميع المجالات. يريدون إيهام العالم أنه لا اضطهاد ولا إقصاء لشباب مصر، لذلك، أوجدوا جيلا جديدا من الشباب أمام الكاميرات، لا يوجد شباب معتقلون، إننا نتحاور مع شبابنا وشباب العالم، ندعو إلى السلام والحوار على الرغم من الاختلاف.
مثل هذا المؤتمر والشعارات الكاذبة مثيرة للاستفزاز لشريحة كبرى من المجتمع المصري، لديها خصومة مع هذا النظام الحاكم، فهناك نسبة كبيرة من المجتمع المصري تضرّرت بشكل مباشر من القمع والظلم الذي يحدث بشكل ممنهج. عشرات الآلاف من الأسر التي لديها أبناء في السجون يعانون من الحبس في ظروف غير آدمية، ومن الإهانة والإهمال، وعشرات الآلاف من الأسر التي تم إجبارها على الهجرة والنفي، بعد صدور أحكام تصل إلى السجن مدى الحياة، بسبب مشاركة في تظاهرةٍ ما أو كتابة تغريدة ما على الإنترنت، وعشرات آلاف آخرون يعانون من الإهانات اليومية والاضطهاد والتضييق والتحرش، بسبب ممارسة أحد الأبناء حقّه الطبيعي والدستوري في معارضة النظام الحاكم.
عن أي سلام وحوار يتحدثون، وهناك عشرات آلاف المعارضين في السجون المصرية، كل ما 
فعلوه أنهم كانوا يرغبون في الحديث والتعبير عن رأيهم بسلمية؟ عن أي حوار مع الآخر يتحدث السيسي، إذا كان لا يسمح بالحوار مع بني وطنه؟ وعن أي تسامح يتحدث عنه، إذا كان لا يتسامح مع مجرد الاختلاف في الرأي أو النقد والتحليل لأي من مشروعاته الوهمية؟
يدعو السيسي إلى التحاور على أساس الإنسانية، ويدعو إلى رفض الإقصاء والتمييز، عن أي إنسانية؟ أليس المواطن المصري أوْلى بهذه الإنسانية من غيره؟ أليس الأفضل لمصر، ولسلامها الداخلي، ألا يتم إقصاء الشاب المصري الذي لديه رأي مخالف، أليس الأفضل أن يكون هناك مصالحة داخلية حتى يتم استغلال جميع الطاقات العلمية والفكرية، بدلا من السجن والقمع والتخويف؟
وعلى الرغم من كل ما تم إنفاقه على ذلك المؤتمر الفخم، وعلى الرغم من كل ذلك المجهود من أجل الكذب والخداع وتجميع الصورة القبيحة، سيظل الباحثون عن الحقيقة يتساءلون: أين الشباب المغضوب عليهم، والشباب المحبط الذي لا يسمع له صوت، ولا يسمح له بإبداء الرأي أو المشاركة، الشباب الذي يسجن وينكل به، لأن له رؤية مختلفة، ولأنه لا يقبل أن تنتهك بلده في أرضها وأمنها واستقلالها واقتصادها وثقافتها وتراثها؟ أين الشباب الذي تعرّض للسجن والتعذيب، لأنه رفض بيع الجزيرتين المصريتين للسعودية، الشباب الذي يعاني من الاضطهاد بسبب رفضه المسار الكارثي منذ 3 يوليو/تموز 2013؟ بالتأكيد لن تنجح تلك المؤتمرات المخادعة، سابقة التجهيز، في إخفاء كل تلك الآلام والمظالم المتراكمة التي ستنفجر يوما ما، يوم يقترب مهما بدا بعيدا.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017